قراءة في أحكام أهل الذمة للشيخ يوسف القرضاوي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قراءة فلسفية و تاريخية في أحكام أهل الذمة للشيخ يوسف القرضاوي
هذه قراءة أردت بها أن أرمي بحجر المقارنة علي مزاعم "الذمية" الراكدة. قبل أن أبدء فليعرف من يقرأ أني عانيت أن أحدد مقصدي ما بين هو دين وما هو دنيا. أتحدث هنا لمن ينادي بالخلافة من باب الجدية، من منطلق الأيمان والأعتقاد و من مدخل الحلال و الحرام. لهذا فهو حديث فكر و سياسة ليس دين وعقيدة. هم يروا الأخر بعين ما يدعونه إيمان و نحن نراه بكونه إنسان. هم ولجوا للدين وهم في ذلك أحرار، أما نحن فمشكلتنا دنيا و ستبقي لأننا عازمون في الأجتهاد، ماضون لبناء وطن هم لا يعترفوا به. نحن نريد أن نلحق بركب الحضارة وهم مقتنعون أن الحل في إجتهاد القرن الثاني الهجري. نحن نفكر في كيفية عبور مشاكلنا الأقتصادية وهم حائرون في معرفة إذا كانت فوائد البنوك حلال أم حرام. نحن نتكلم عن وطن وهم يتغنون بالأمة. نعاني من التلوث و يردوا بأن الأسلام هو الحل.
الشيخ يوسف القرضاوي هو أكبر مصدر فتاوي لجماعة الأخوان المسلمون بتشكيلها الأقليمي الممتد علي كل أقطار الدول العربية. لكن بطبيعة الحال فهو ذو مكانة خاصة لدي جماعة الأخوان المسلمين المصرية. لذلك فكل دراساته تعتبر ذات مكانة خاصة في نهج الجماعة و سياستها. لذلك وجب الرد علي ما قاله بخصوص "أهل الذمة" بالذات عندما حدد بالذكر "أقباط مصر".
يبدأ الشيخ القرضاوي بما أسماه حق الحماية قائلا:
وواجب أيضا على الدولة الإسلامية أن تحمي الأقلية من الظلم الداخلي، فلا يجوز العدوان عليهم بأي شكل من الأشكال، والآيات والأحاديث متضافرة في تحريم ظلم غير المسلمين من أهل الذمة كقوله - صلى الله عليه وسلم-: "من ظلم معاهدًا، أو انتقصه حقًا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه؛ فأنا حجيجه يوم القيامة" رواه أبو داود والبيهقي. وعنه أيضًا: "من آذى ذميًا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله" (رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن).
ولأننا رجعنا إلي التاريخ فوجب علينا أن نرد علي ما أدعاه علي لسان الإمام ابن تيمية - رحمه الله - لنري هل ما رواه قاعدة أم ظاهرة شاذة أم أن الأمر برمته متروك لما رأه الحاكم مناسبا في حينه. هنا رجعنا لدراسة هامة عنوانها (تاريخ أهل الذمة في مصر الإسلامية من الفتح العربي إلى نهاية العصر الفاطمي) لـ د. "فاطمة مصطفى عامر"، حيث تروي"" ولي الخلافة يزيد بن عبد الملك بعد وفاة عمر بن عبد العزيز (101-105 هجرية = 719-723م)، وكان شديد العداء للذميين وخاصة القبط، الذين عانوا الكثير من الشدائد في عهده وأمر يزيد (في سنة 104هجرية) بكسر الصلبان، وإزالة الصور من البيع في مختلف أرجاء الدولة الإسلامية.""
هنا تكمل الدراسة لتروي ما هوأغرب""أما في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك (105-126هجرية = 723-744م) فقد ولى عبيد الله بن الحبحاب على خراج مصر وحين قدم إلى مصر أوقع الطلم على القبط وغيرهم من أهل الذمة في مصر، وأمر بوسم جميع القبط على أيديهم بعلامة صورة الأسد وقطع يد من لم ينفذ هذا الأمر إلا أن البطرك الكسندروس امتنع عن ذلك، وأصر على الخروج إلى الفسطاط لمقابلة الوالي لعله يعفيه من الوسم، لكن عبيد الله أصر على وسمه أسوة بجميع القبط، وتمسك البطرك بموقفه ولم ينقذه من تنفيذ الأمر سوى وفاته. كما ألزم هذا الوالي الأنبا صمويل أسقف أوسيم بدفع ألف دينار غرامة لبيت المال إلا أنه كان فقيراً، ولا يملك سوى قوت يومه، والتمس من الوالي إعفاءه من الغرامة فأمر الوالي الشرطة بالقبض عليه، وسلمته الشرطة لنفر من البربر ألحقوا به صنوفا مختلفة من العذاب، حتى جمع له القبط ثلاثمائة دينار قدمها للوالي فأفرج عنه بعد أن أوشك على الهلاك""
هنا لا نعلم حقا إذا كان ما رواه الشيخ القرضاوي يستقي قدسيته من مصدره و أعني الأمام ابن تيمية أم هو إستخدام و تأويل لما قاله ليدافع عن ما يعتقد إنه العدل المطلق. بل لنتسائل و نستوقف الحديث لوهلة. هل من العدل أن ترتبط مصائر "أهل الذمة" بمدي إتباع الحاكم للشريعة والسنة؟! هل من الصحيح أن تتغير حالتهم و مدي إستقرارهم بالحالة المذاجية للحاكم؟!
يكمل الشيخ يوسف القرضاوي دراسته و يأتي لنقطة غاية في الأهمية تمثل ما نعلمه و ينكرون، ما نعرفه و يتجاهلون..
وإن كان الفقهاء قد اختلفوا في قتل المسلم بالذمي، إلا أن القرضاوي يرجح رأي من قال بأن المسلم يقتل إن قتل ذميا بغير حق، استنادا لعموم النصوص الموجبة للقصاص من الكتاب والسنة، ولاستوائها في عصمة الدم المؤبدة.
حسنا يا فضيلة الشيخ ها قد قلتموها أنتم بأنفسكم أنكم ترون. فماذا عن الذي يري غير ذلك؟! ماذا عن عبارة "لا يأخذ دم مسلم بذمي" أليست تصريح واضح و إسترسال صريح لترخيص دم الذمي. هنا نسألكم مجددا يا فضيلة الشيخ أليس من الغريب أن يصل الأجتهاد إلي التناقض؟! أليس هذا تهميش "لأهل الذمة" الذين أضحوا مفعولا به في كل الأحوال. فهذا تعسف في عرف حقوق الأنسان أن يرتبط مصير إنسان بكيفية الأجتهاد في كلام الله و ليس بالخطأ به، ففي كل الأحوال من يجتهد لا يخطئ و هناك من يرجح و من يختلف. أنتم ترجحون أن ينال عقاب الموت، لكن ماذا عن من ذكرتهم بنفسك يا فضيلة لشيخ الذين يفضلون العكس.
يقول فضيلة الشيخ القرضاوي أن لغير المسلمين من أهل الذمة الحق في التعبد مستندا إلي الوثيقة العمرية كأبرز مثال علي تحديد معاملة المسلمين للذميين. هنا لنا وقفة فالوثيقة العمرية هي أجحف مثال تاريخي علي ما يسمنوه تسامح. فهي بالتأكيد لا تطلب من الذميين أن يغيروا دينهم لكنها و بكل فظاظة تجعل مطاردتهم واجب و مراقبتهم سنة ومن تطبيق الحد عليهم إلزام. و هنا نسأل المسلمين أجمع، هل وجب عليكم الأكتفاء بإجتهاد القرن الأول و تتوقفوا عن التفكير و البحث و أن تتخطوا عمر و وثيقته التي خرجت في أيام لها خصوصيتها التاريخية؟! أحقا تريدون أن تجعلوا الوثيقة العمرية مصدر لتحديد معاملة أهل الذمة؟! أري من العبث أن تقبلوا أن لا تستخدموا عقولكم وأنه من الإجحاف الرجوع إلي ما طبقه الأولون ليكون تشريع لنا.
وقد صان الإسلام لغير المسلمين معابدهم ورعى حرمة شعائرهم، وقد اشتمل عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل نجران أن لهم جوار الله وذمة رسوله على أموالهم وملَّتهم وبِيَعهم، ونص عمر في العهدة العمرية لأهل إيلياء أن لهم حرية التدين وفي عهد خالد بن الوليد لأهل عانات كما نقل ذلك أبو يوسف في كتابه "الخراج".
ثم يأتيا فضيلة الشيخ القرضاوي بجملة أراها خبثة يمكن أن تخدع من يقرأها علي أنها عدلا و سماحة فيقول فضيلته:
أما في القرى والمواضع التي ليست من أمصار المسلمين فلا يُمنعون من إظهار شعائرهم الدينية، وتجديد كنائسهم القديمة، وبناء ما تدعو حاجتهم إلى بنائه؛ نظرًا لتكاثر عددهم.
و هنا نسأل فضيلته، وماهي مقاييس قبول بناء الكنائس يا فضيلة الشيخ؟! أليس هو ما يراه المتعبدون في الكنائس هو الضروري لأختيار إذا كانوا بحاجة أم لا؟! من أين يأتي للحاكم أهلية رفض بناء كنيسة لأنهم ليسوا بحاجة أليها؟!
أري أن فضيلة الشيخ قد حاول بإستماتة يحسد عليها تقنين ربط الحريات بل جعلها سنه. المخول هنا بإتخاذ قرار البناء قد يكون من الصالح أو من الطالح، قد يتعسف وقد يلين و أجدنا مرة أخري نضع الذميين تحت وطأة الأمزجة أو تغير التفسير.
ثم يتكلم فضيلة الشيخ عن العمل و حقوق العمل للذميين قائلا:
كما كفل الإسلام لغير المسلمين حق العمل والكسب؛ فلهم كل الأنشطة التجارية من بيع وشراء وإجارة ووكالة وغيرها إلا الربا؛ لما رُوِي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى مجوس هجر: "إما أن تذروا الربا أو تأذنوا بحرب من الله ورسوله"، يضاف إلى هذا بيع الخمور والخنزير في أمصار المسلمين، وما سوى هذا فلهم الحرية في التعامل.
و نراه هنا يتناقض مع ما قاله بخصوص لحم الخنزير و الخمور فقد قال فضيلته في بداية الدراسة:
....فالخمر والخنزير لا يجوز لمسلم أن يمتلكهما، ولو أتلفهما مسلم لمسلم آخر ما كان عليه شيء، ولكنه لو أتلفهما لذمي غرم قيمتها كما ذهب إلى ذلك الإمام أبو حنيفة...
فإذا كان الأعتراف بوجودهم كسلعة غذائية موجود كما قال فضيلته فكيف لا يتم الأتجار بهم؟! حقيقتا السؤال هنا إستنكاري غرضه فقط فضح التناقض و تضارب التعاليم لنفس المصدر فما بالكم بتعدد المصادر.
حق تولي وظائف الدولة أو الوظائف السيادية بالدولة. حيث أن الذميين ليس لهم الحق في أن يشغلوا مناصب بعينها لأنها خليط ما بين الوظيفة في حد ذاتها و الواجب الديني من ناحية أخري. مثال علي ذلك يقول فضيلته:
ولم يمنع الإسلام أهل الذمة من تولي وظائف الدولة؛ لأنه يعتبرهم جزءا من نسيج هذه الدولة، كما أنه لا يحب لهم أن ينعزلوا، ولأهل الكتاب تولي كل الوظائف إلا ما غلب عليه الصبغة الدينية كالإمامة ورئاسة الدولة والقيادة في الجيش، والقضاء بين المسلمين، والولاية على الصدقات ونحو ذلك.
فالإمامة أو الخلافة رياسة عامة في الدين والدنيا، خلافة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يجوز أن يخلف النبي في ذلك إلا مسلم، ولا يعقل أن ينفذ أحكام الإسلام ويرعاها إلا مسلم.
وقيادة الجيش ليست عملا مدنيًا صرفًا، بل هي عمل من أعمال العبادة في الإسلام إذ الجهاد في قمة العبادات الإسلامية.
والقضاء إنما هو حكم بالشريعة الإسلامية، ولا يطلب من غير المسلم أن يحكم بما لا يؤمن به.
ومثل ذلك الولاية على الصدقات ونحوها من الوظائف الدينية.
وكي لا نضع ألف سؤال و سؤال عن ماهية "المواطنة" أو "النسيج الواحد" أمام القارئ سأحاول أن أوجز بإختصار ما يمكننا قوله. أن يكون الذمي من الجنود فهو أمر شهدته الدولة الأسلامية و يتشدقون به الشيوخ من حين لأخر. أن يكون غير المسلم جندي فهو ليس إقتناص من حق المسلم في شئ وليس حصري عليهم، و أتحدي أي مسلم أن يأتينا بخلاف ذلك. إذن المشكلة فيما يريدون هم و في تأويلهم للدين. في إبتكار كل شئ لتهميش الأخر و جعله و كأنه أبرص وسط سالمين. إذا كان الأسلام دين فقبلوه مربوط بمدي صحة التطبيق و إتساع رؤوس الفقهاء، أما أن يجعلوه شريعة ليلتزم بها الغير مسلم و إلا نال من العقاب من أرزله فهو أمر بعيد عن المنطق ولا يمت للعدل في شئ.
الذمة كما يتشدقون عقد(راجع دراسة سليم العوا "الذمة عقد لا وضع") يشترط فيه قبول الأطراف له. أم غير ذلك فهو تعسف بأسم الدين، فحق المواطنة مربوط بالأنتماء وهو وليد التاريخ الأسلام يحدد علاقة الله بعبده لا علاقة المواطنيين بأرضهم.هم سجناء فكر أصبح سحيق القدم و غير المسلمين أصبحوا سجناء هؤلاء. لكن إذا لم يرتضوا غير المسلمين العقد فحقهم رفضه وإن إستماتوا هم لإقناعهم بالعدل الزائف، بالتسامح الكاذب فحقهم المقاومة لأنهم خلقوا أحرارا و أري فيما يسمونها شريعة ظلما جائر و كذب مبين.
نري فيما ذكرنا أن قيمة الأنسان في خطر من من يدعون التقرب إلي الله مناقضين أنفسهم و غيرهم. يتضح أن فكرة المواطنة غير موجودة و أن تقسيم المواطنين علي أساس الدين جائز و مشروع. ديماجوجية الخطاب و تزيينه بأحسن الألفاظ لا تستطيع أن تخفي سمه الزعاف. فحرية الأنسان لا تقيد ولا يحق لأيا من كان تأطيرها بأسم أله أو بأسم إجتهاد لم يكن عادلا فيما سبق ولن يكون عادلا فيما هو أت.
حسنا، رأينا أن الحرية ليس لها أساس فيما أستعرضنا و لأننا نعرض مشكلة فكرية و نزعم أننا علي علم بحلها سنقدم الأن بعض أراء الفلاسفة الغربيين عن مفهوم الشخصية و الحرية بمعناها الصحيح و ليس المزعوم علي لسان فضيلة الشيخ القرضاوي و غيره.
فلسفة الدين عند الغرب، هى فلسفة عقلانية قائمة على مبدأ الحرية. فلا ايمان بدون حرية بالنسبة لفلاسفة النور الأوروبيين، من المعلوم ان الجنس البشرى فى تلك الفترة وفى أوروبا بالذات كان قد بحث عن التحرر من الطبيعة وعن التخلص من شرورها وعواصفها وظواهرها التى تخيفه، فحاول ان يسيطر عليها عن طريق تقدم العلم والتكنولوجيا. فى الواقع ان اعتراضات بعض الفلاسفة كانت ذات طابع اخلاقي، فالتنوير أو التقدم العلمى والصناعى للبشرية لا معنى له إذا لم يرفق بتقدم اخلاقى بزيادة الفضيلة فى المجتمع، فما معنى ان يزداد علمك دون ان تتحسن أخلاقك؟ ولذلك، وفى عز عصر التنوير، راح بعض الفلاسفة يطلقون صرخة احتجاج هائلة ضد تقدم العلوم وتراكم الثروات فى عصره لأن المجتمع كان لايزال قمعيا والمؤسسات اعتباطية ظالمة وهذا هو مربط الفرس فحين يفكر الفلاسفة يستهدفون الأنسان والقيم الأخلاقية، لم ينكروا دور الدين و لم يهمشوه و أزعم هنا أن السبب تاريخي فالعرب عموما ربطوا الأخلاق بالدين فقط و جعلوها حكرا عليه، أما الغرب فلم يستسلم لحركة الكنيسة في العصور الوسطي لإحتكار الأخلاق الإجتماعية.
لذلك نري التصادم الذي نعيشه الأن كتصادم العصور الوسطي في أوروبا بين قوي الدين الداعية لتهميش الأخر و قوي التنوير التي شنت حرب أستخدمت فيها الفلسفة الحديثة لتلحق هزيمة نكراء بالفريق الأخر. موضوع "الذمية" كان له أمثله عديدة في أوروبا وإن إختلف المضمون لها، فمثلا في فرنسا لم يكن للكلفينيين الألتحاق بالجيش، كذلك البروتوستانت في أيطاليا و السبب وراء هذا أنهم كانوا يشكون بولائهم كأقليات دينية.
السؤال هنا كيف تخطوا هذه العقبة التاريخية؟! رغم صعوبة الأجابة علي سؤال كهذا أنهوا فيه بحور من الحبر سأوجز فكر فلاسفة التنوير في أوروبا بخصوص إحترام الأخر و التعامل معه علي أساس إنسانيته لا عقيدته.
كان كانط أول من أعطي تعريف للدين و الأنسان الأخلاقي. فالدين يعلمنا المباديء الاخلاقية ويغرسها فى نفوسنا منذ الصغر، وبعدئذ نصبح رجالا صالحين فى المجتمع ولا نرتكب أعمالا شائنة: كالكذب والسرقة والقتل والنميمة على الآخرين، والكره... الخ، والانسان الاخلاقى الملتزم بمباديء الدين السامية يقوم عادة بواجبه خير قيام ويلزم نفسه بفعل الخير لنفسه وللمجتمع فى آن معا. وبالتالى فالدين هو المعاملة فى نظر كانط، فإذا كنت تعامل الآخرين بشكل صحيح ومستقيم وتفعل الخير ما استطعت فأنت متدين حتماً ومرضي عنك عند الله وإذا كنت غشاشا محتالا فاعلا للشر أو ميالا له، فإن كل تدينك الظاهرى لا يساوى فلسا واحدا.
هنا لب الموضوع، فعندما يتكلم القرضاوي عن "مؤمنين" يراعوا دين الأسلام بتطبيق ظاهره و إستبدادهم بأسم الدين علي أخرين، يتكلم كانط عن "الأنسان الأخلاقي" الذي يتشبع بجوهر الدين لكن لا يأخذ بالدين كتطبيق علي الأخر من باب التدين. هذا الأختلاف الجوهري في العقول و هذه المسافة الفكرية الرهيبة بين من يقنن التمييز و من يحدد تصرفات المؤمن هي المسافة الزمنية بين القرضاوي و كانط. ففكر رجال الدين في أوروبا حينذاك كان مماثل لفكر القرضاوي و أخرين.. المؤمن ينبغى ألا يطرح اى سؤال على العقيدة وينبغى ألا يقوم بتفحص مضمونها وتحليل محتواها. لأن طرح الأسئلة يؤدى فى نهاية المطاف إلى الالحاد والكفر بالله وبالتالى فلا ينبغى أن ندخل العلم والفلسفة فى الشئون العقائدية المقدسة(أو الشريعة و السنة). كان الاصوليون فى عهد كانط منقسمين الى قسمين: قسم دوجمائى متحجر ومرتبط بشكل سطحى اعمى بالشعائر والطقوس الدينية، وقسم روحانى يفهم الدين بطريقة اكثر حرية وذاتية وانسانية اذا جاز التعبير. والقسم الاول هو الاكثر تصلبا والاشد خطرا على حرية الفكر. فقد كان يفرض الدين المسيحى على الناس بطريقة ارهابية. ومن لم يخضع لذلك كان يتعرض للأذى والضرب. اما القسم الثانى الذى كان يفهم الدين بطريقة داخلية استعراضية فقد كان اقرب الى تيار الفلاسفة واكثر تسامحا معهم. لهذا نجد أن الأصوليين قتلوا "فرج فودة"، كارهين لـ "سيد القمني"،متوعدين لـ "أحمد صبحي منصور" لأنهم أكثر تمرد من بقية الشعب الجاهل. هذا هو حالنا بالنسبة للغرب صراع بين التحجر و الوعي المتعمق.
سأذكر حدث من قبل المقارنة، كان هيجل أحد أكبر الفلاسفة يدرس في الجامعة، تعرض للمضايقات من قبل الاصوليين المسيحيين ووصل بهم الأمر اخيرا الى حد فصله من التدريس الجامعي. فقد تآمروا عليه مع بعض الطلبة واتهموه بالالحاد وهذا ما دفع بالسلطة الحاكمة الى معاقبته، ويقال ان اصدقاءه خافوا عليه فى بعض الفترات وتوقعوا ان يتعرض لعملية اغتيال على يد بعض المتعصبين المهووسين، وكان عددهم كثيراً فى ذلك الزمان. وهاهو "أحمد صبحي منصور" مطارد لأنه صاحب فكر مختلف، هناك أيضا الدكتورة "وفاء سلطان". أري أن التاريخ يعيد نفسه في أماكن و ظروف مختلفة فالقضية واحدة تصادم بين الحريات و متبعي المسلمات.
المصادر التي قامت علي أساسها القراءة:
- حقوق غير المسلمين في المجتمع لـ مسعود صبري؛
- نظام أهل الذمة.. رؤية إسلامية معاصرة لـ أ.د محمد سليم العوَّا
- تاريخ أهل الذمة في مصر الإسلامية من الفتح العربي إلى نهاية العصر الفاطمي لـ د. فاطمة مصطفى عامر.
- العهدة العمرية
نبيل شكري