رحلة حكومة السيد المالكي على ( التايْتنك ) العراقي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
رحلة حكومة السيد المالكي على ( التايْتنك ) العراقي
قبل اكثر من عام دخلت الاطراف السياسية النافذة في العراق في مخاض عسير لتنتج وليدا معاقا تمثل في حكومة السيد نوري المالكي، حيث واستنادا الى نظام المحاصصة على الاسس المذهبية والعرقية بعث ( امراء السياسة ) من الخط الاول في العراق، كل بقطعة من اطرافه لتشكل في مجموعها حكومة حرص اصحابها على تسميتها ( بحكومة الوحدة الوطنية ).
لقد اتفق كثيرون منذ البداية في انه لم يكن يدور في خلد السيد نوري المالكي ان يصبح مرشحا لمنصب رئيس الوزراء فاسمه لم يجري تداوله لهذا المنصب إلا في الايام والساعات الاخيرة، حيث ان الرجل كان يُعتبر من رجالات الخط الثاني في قائمة الساسة العراقيين الجدد، والعنوان البارز في سيرته الذاتية يتمثل في انه كان المسؤول عن الخط الجهادي في حزب الدعوة ومهمات وخبرة مسؤول الخط الجهادي في حزب معارض للسلطة تختلف حتما عن الصفات والشروط الواجب توفرها في مَنْ تُناط به مسؤولية بناء دولة من جديد وسط كمِ هائل من التحديات. ولذلك فان السيد المالكي لم يكن إلا( مرشح تسوية ) وجد الجميع ضالتهم فيه حيث يضمن صقور اللعبة السياسية في العراق نصيبهم في الكعكة ويغني كل على ليلاه، ينفذ اجندته واهدافه من خلال الوزارات التي يستحوذ عليها، فسلطة السيد المالكي عليها ضعيفة كون التعليمات النهائية والفاصلة والحاسمة تاتي من رجال الخط الاول الذين يأتمر السيد المالكي ايضا بأُمرتهم، ثم تُعلق جميع الاخطاء والاخفاقات على شماعة السيد المالكي. ان الكثيرين يعتقدون في ان السيد نوري المالكي قد أُلبس هذه ( السلطانية ) بهدف الحرق السياسي ليس إلا، لان خروج جمل من ثقب إبرة ايسر بكثير من خروج السيد المالكي منها سالما.
وهكذا أمضت هذه الحكومة عامها الاول في اخفاقات متواصلة وجدية على صعيد الامن، ناهيكم عن الخدمات واعادة البناء، كل ملف انجازاتها تمثل في انها نفذت حكم الاعدام ببعض رموز النظام السابق ولذلك فهي حكومة تختص بالماضي وليس بالحاضر وحتما لا علاقة لها بالمستقبل. ان حكومة تقتات على مبدأ حظر التجول في تطبيق خطتها لفرض الامن، وتجعل من هذا المبدأ وجبة جاهزة سريعة ( كوجبات مطاعم المكدونالد ) للتبجح بتحقيق انجاز امني نسبي احيانا من خلاله، هي حكومة عاجزة حقا عن إحداث اية تغييرات جوهرية على الساحة، خلال عام من عمر هذه الحكومة باتت ساعات حظر التجوال ايام الجمع اثناء الصلاة تقليدا عراقيا جديدا لم تنجح الحكومة وبمرور الاسابيع تلو الاسابيع من اختصار دقيقة واحدة من تلك الساعات بل كانت الاخبار تتحدث عن انتكاسات امنية وعثور للجثث المجهولة الهوية اثناء سريان حظر التجوال.
اما البسمار الجديد الذي تم تثبيته في نعش السيادة العراقية في زمن هذه الحكومة فيتمثل في الحوار الامريكي الايراني حول العراق والذي يُسمح لهذه الحكومة بحضورجلساته البروتوكولية بصفة ( مراقب ). انه لامر يثير الالم والغصة في النفس ان تجتمع اطراف اقليمية ودولية لتقرير مصير دولة ذات حضارة عريقة و تعتبر من اوائل الدول المنضوية تحت لواء عصبة ثم هيئة الامم المتحدة. ان السيادة والاستقلال العراقيان قد أعلنا انتحارهما الرسمي عندما وافق رئيس الوزراء ان يجلس في قاعة في عاصمة بلده ينتظر ما تسفر عنه نقاشات سفراء دول اخرى ( وليس قادتها او حتى وزراء خارجيتها ) قرروا ان يرسموا صورة ذلك البلد في حاضره ومستقبله. لماذا القصر الجمهوري إذن ولماذا بناية مجلس الوزراء طالما ان السفيرين الامريكي والايراني يحسبان انهما دوائر عادية يعمل بها موظفون بامتيازات مجزية!
ربما يكون النجاح الكبير الذي حققته حكومة السيد المالكي يكمن في انها اثبتت ببرهان جديد واظافي فشل المشروع الامريكي في العراق وعجز القوى السياسية العراقية التي تسلقت عناوين السلطة بعد الاحتلال عن ان تكون مؤهلة فعلا للتصدي لمهمة بناء عراق جديد تتحدث عن اوصافه في بعض شعاراتها، وتمناه الشعب مكافأة لمعاناة طويلة سابقة. وهكذا وكنتيجة منطقية لاداء حكومة السيد المالكي في عامها الاول وجدت الادارة الامريكية نفسها ومعها الاطراف السياسية المشاركة في اللعبة في العراق، انهم جميعا قد غاصوا الى عمق جديد مما أصبح يعرف بالمستنقع العراقي.
لقد قلنا قبل عام والتجربة اثبتت صحة ما ذهبنا اليه في ان العرب تقول ان الكتاب يدلَُ عليه عنوانه والروس يقولون ان البداية الطيبة نصف العمل وان السيد نوري المالكي ( رغم احترامي الشخصي له ) ليس عنوانا لكتاب طويل ثرِ في نتائجه كما لم نُنجز باختياره نصف العمل وأصبحنا في الشق الثاني منه. وهكذا فان الاشهر المقبلة ستشهد كما يبدو انعطافة عنيفة للحالة العراقية حيث ستكون ( سفينة التايتنك ) وجها لوجه امام لحظتها الحاسمة بعد كل هذه الرحلة الطويلة في وقت لازال فيه المخرج الاحمق يفكر في احدى النهايات الدراماتيكية والاكثر اثارة لمغامرته الطائشة، فيفكر حينا في ان يترك السفينة ترسو قبالة ( خيم طالبان ) وتارة اخرى تتجه حساباته الى التفكير مليا والرجوع الى اختيار الوجبة التقليدية المفضلة في دول المنطقة وهي ( الدكتاتورية المحسنة ) ذات الميول العلمانية، بينما تلوح تارة ثالثة امامه اكثر النهايات خبثا وهي ترك المركب يغرق بمن فيه، وإن خرج بعض الناجين فلهم ان يرفعوا اعلامهم فوق تلك الحجارة من اليابسة التي تمكنوا من الوصول والوقوف عليها.
د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com