أصداء

تربص أقدار أم سوء تصرف؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

كان كل يوم يستقبل لفحات حرارة الشمس ويتشرب التعب، ويغتسل بالأمل والوعد بالأتي الذي ربما سيعوض خسائر الماضي وينتصف له من قهر الظروف... كان في العشرينات من عمره حينما تسرح من الجيش في نهاية عقد السبعينات وبدأ مشوار جديد في الحياة.

عمل في بناء البيوت، ونسج مملكته الخاصة في القراءة والمتع الحياتية والبحث عن المعنى... كان يحلم احلام ابطال سارتر والبير كامو وكولن ولسون... فلا شيء افضل من الفلسفة الوجودية في دغدغة روح الانسان الساخط المتمرد الذي خسر بعض جولات الحياة، كان يستمد الحافز والقوة من وهج الكتابات الوجودية فقد وجد ذاته فيها.

وفجأة سمع قرع أجراس الحرب العراقية الايرانية، واخذ مؤشر الشعور بالخطر هو الاخر يقرع اجراس التحذير... فقرر مغادرة العراق قبل أستدعاء مواليده لخدمة الاحتياط في الجيش، قرر النجاة بنفسه بعد ان باع قطعة الارض التي حصل عليها من دائرة البلدية وودع كل شيء وبتر سلسلة أحلامه التي أغتالها مرة أخرى تربص الاقدار !

لو يعلم كل واحد منا الأثر الذي يتركه في نفوس الاخرين لما صدق نفسه.. لم تكن فترة صداقتنا طويلة، تعرفت عليه عام 1979 وسافربعد سنة واحدة عام 1980 كان في منتهى الكرم والعذوبة والنبل أعارني العديد من الكتب وكان يقرأ بعض ملخصات قراءاتي للكتب ويفرح بها ويشجعني على الأستمرار.

بقي يعيش في داخلي كصديق ورمز رائع للشاب المثقف المتمرد الذي نجح في الافلات من الحرب ومغادرة العراق، أمتلأت مخيلتي بمختلف الصور عنه، كان النموذج الذي كنت أتمنى الوصول اليه، وظلت الروح مشتعلة بالاشواق لرؤيته.

كنت أتوقع له ان يصبح اديبا او مفكرا بارزا في المهجر.

وبمجرد مغادرتي العراق عام 1991 رحت أسأل عنه وأستفسر من المهاجرين العراقيين القدامى علني أعثر على اخباره، ولكن دون جدوى.

ورغم مرور كل هذه السنين كان شوقي يتصاعد اليه وكنت أراه في احلام المنام وسط جموع الناس فأسرع ملهوفا نحوه أعانقه وأعتابه على طول الغياب، وفجأة داخل الحلم يختفي مني واظل أبحث عنه والحلم مستمر حتى أصحو من المنام على زمجرة الشعور بالأكتئاب والحزن ومشاعر غامضة بعدم الارتياح !


كم كنت بحاجة الى ان أخبره بخيبة أملي في هذه الحياة، ورفضي لقوانينها وبديهياتها... كنت أريد ان احكي له عن اكتشافاتي الذاتية وتعرفي على الخدعة والأوهام والسلسلة الطويلة من الألعاب التي تسمى احلام وطموحات وضرورات وقوانين وسنن الحياة وبديهياتها.


كنت أريد البكاء أمامه... وأتحدث عن معنى حياتنا الذي كنا نبحث عنه، وعن حقيقة أننا كائنات معذبة تتلاعب بها الاقدار والحتميات من حيث الاشكال والاحجام والمواهب والقوميات والطائفة والدين ومكان الولادة ومنحنا الحظوظ السعيدة والتعيسة... أردت اخباره أنني لآأطيق هذه اللعبة التي تدعى الحياة.

بعد مضي 27 عاما على سفره وانقطاع اخباره.. وصلتني رسالة بالبريد الالكتروني مؤخراً تخبرني ان صديقي المفقود دخل السجن في احد البلدان الاوربية بسبب قتله لصديقته وبعدها أختفت اخباره !!


رباه !.. ما أقسى فجيعة الروح بالاحباب الذين يشكلون في حياتنا معنى ورمز وقيمة وتاريخ... ماأشد حزني عليه، وصدمتي به، ياللمصير التعس والقدر الأسود، اية نهاية مأساوية، واية فجيعة لكل ما رسمته له من صورة مشرقة.. صورة المثقف الحر الذي جاب دول العالم وحقق الكثير من ذاته، فأذا به يؤول مصيره الى كائن محطم قاتل ثم سجين، ثم بقية فصول المأساة مجهولة لي لست أعرف ماذا جرى له بعدها.

خضير طاهر

kodhayer@netzero.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف