أصداء

فلسكو...!!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

قبل أيام و أنا أغادر غزة كعادتي مع رفاق المهنة ظهر كل يوم مودعا بتوجسات ما قد يخبئه الغيب وراء كل لحظة من وجبات خوف..قصف مفاجئ.. قتل مبيت ومثقلا بالمناكفات والمحبطات والأرقام..

كنا نتأمل آثار الغزل العنيف بين برج النور وبرج الصالح عندما وقعت سيارتنا فجأة عند مفترق الرمال في كمين صعيدي محكم حيث لعلع الرصاص من حولنا دون سبب نعرفه فارتجفت منا الركب وارتعدت الفرائص وأحس كل منا أن نهايته اقتربت جدا..تشاهدنا..وكاد البول ينبجس لا إراديا من تحتنا..فالروح عزيزة،لاسيما ونحن نري الفوارغ تتناثر من حولنا..أخفضنا الرؤوس من حلاوة الروح لنعب من دخان الإطارات الأسود الذي ملأ السيارة..

يا ناس.. في عرض الله لا إحنا فتح ولا حماس..

ارحمونا.. ارحموا صغارنا.. رحنا فطيس..

عبارات متقطعة صرخ بها أحدنا بينما ردد آخر :اشلح يافلان أي قطعة من ملابسك الداخلية لنستعملها كراية بيضاء..!!

في حين تشعلق نظري في خضم ذلك كله بعبارة كتبت يخط أسود كبير على حائط مقابل "ابتسم فأنت في غزة " ابتسمت طبعا ولكن سرعان ماتحولت الابتسامة الى ضحكة فقهقهة هستيرية شاركني فيها الجميع بعفوية..ولم نصدق الا بعد وقت طويل أننا نجونا من موت محقق في غزة جراد..!!

* * *

صليت وتغذيت ثم خطبت ود الجزيرة وقلبت أخبارها على عجل..لا جديد تحت الشمس قمت إلى كمبيوتري الكسول وفتشت لاقف أمام خبر عابر مفاده "أن غزة تبيع الغاز المكتشف على شواطئها إلى إسرائيل ب4مليار دولار"..

مش معقول..!!

تمتت.. وبعد دقائق كنت آكل رز كبسة مع الملائكة..

حلمت اللهم اجعله خير..أني تقاعدت من عملي في سلك التعليم بعد أن هرى مفاصلي وقرح معدتي وأورثني الغم والصداع وجعلني أهرش من فرط حساسيتي للظلم في زمن لا يملك زمام الأمر والنهي فيه إلا مرتش أو جاهل وربما الاثنين معا.!!

أخذت المكافأة لأضعها كاملة في يد أم العيال وهي بدورها زادت بشكل ملحوظ من حنانها ونعومة صوتها وبدأت تزوق الخازوق تلو الخازوق وتصرف شمالا ويمينا بينما أنا منشغل ببئر بترول حفرته في قاع الدار..!!

بعد جهد جهيد..تدفق الخير وعمنى الفرح فقد أصبحت من أكبر رجالات النفط في غزة وكونت على عجل شركة وأسميتها " فلسكو "حيث أن الحروف الثلاثة الأولى تمثل جزءا من كلمة حبيبة وفي نفس الوقت تمثل بكل صدق حالا نعيشه..!!

لبست الدشداشة والشماغ العربي الأصيل وفي يدي السمسونايت لزوم البيزنس وجلست في مكتبي الفخم ومن حولي الجولات والبيليفونات والسكرتيرات الشقراوات منهن والسمراوات أشكال وألوان كلهن من مقاس "شاكيرا" فما فوق.. وعلى أجندتي تزدحم المواعيد.. من عشاء رسمي فاخر في سويسرا مع مسيو سركوزي الى فطور سريع في روما مع مدام ميركل الى غداء عمل مع صديقات الأمير ملطوش بن مهبوش لعقد صفقات سلاح تاريخية وجغرافية تحفظ لي الحق في عمولة محترمة..!! الى مؤتمر صحفي مع وزراءأوبك لمناقشة دعم الدولار الذي أصيب مؤخرا بغيبوبة سكر وأخيرا سهرة بكل الالوان مع ملكة جمال العالم محلاة بهيفا ونانسي دفعة واحدة على خلفية الشموع و موسيقى love story..

صحت دون وعي "تعالي يام قويق " - أقصد مصيبتي الدكر في عملي السابق-..وشوفي الهنا اللي أنا فيه.. مش وجهك اللي يقطع الخميرة من البيت..!!

صبغت شعري وشددت وجهي بثلاث عمليات تجميل كفلتني نصف مليون دولار فأصبحت شابا كما لو كنت في سن العشرين قريب الشبه جدا من اميتاب باتشان أسطورة السينما الهندية وكان لابد أن ابحث سكيتي وبعيدا عن ايواكس المدام عن زوجة من طراز سندريلا بوليود" ايشوارا راي "لكي يكتمل الفيلم..!!

فجأة..وكما في أفلام الاكشن قصفت الطائرات الإسرائيلية آبار البترول على شاطىء غزة ربما بسبب هبوب الرياح من جهتنا ساخنة قليلا مما أزعج سكان سديروت..أو بسبب ارتفاع سعر الدولار أو بسبب عطسة قوية لراعي غنم في بيت حانون!!

اشتعلت أحلامي أمام عيني في ثوان..وراح العز والنغنغة.. أصابتي جلطة حادة أعقبها انزطام في الشريان.. فنقلوني على كارة "جعلص" الى أقرب مستشفى للولادة..

جاءت المدام لتواسيني بكل برود وهي خارجة لتوها كجميزة فرعاء من عند الكوافير الذي لم تعرفه طريقه منذ تزوجنا..

قالت :فداك كل المصاري والبترول..زي صرمتك يازلمه

قلت:بسيطة..الحمد لله راح البير وظلت المكافأة..

قالت:والله.. المكافأة "بح"..من غير شر يا بن الحلال.تعيش انت

قلت "كل المكافأة.. الله لا يعطيكي عافية.. خربتي بيتي.. الله يوريني فيكي يوم..صوتي علي

استيقظت على صوت المرة وهي تصرخ على آخر العنقود في الصف الثالث غيظا فقد كربج مخه تحت وطأة صعوبة منهاج اللغة الانجليزية وكأن الولد سيأخذ شهادة من أكسفورد..!!

أدرت مفتاح الراديو فاذا بمذيع محطة نص كم يلقي قصيدة المتنبي مدحا في همة تحريرالجيش اللبناني لمخيم نهر البارد..!!

وضعت يدي على بطني..

يا رب يا ساتر..قمت الى دورة المياه والأصوات المكتومة تتكركب في معدتي.أطلقت العنان لإسهال شديد ذو رائحة كريهة ونفاذة وأنا أتمتم :هذا هو الغاز الحقيقي..!!

خرجت من الدورة متعرقا وقد أدركت أن البرد لطني فبدأت ابحث عن شيء يوقف تدفق البترول خاصتي ويرحمني من الجفاف..!!

ملاحظة:أيها القراء الأعزاء.. أرجو ألا يتسرع أحدكم في كيل الاتهامات لي عمال على بطال بسبب حلم أو كابوس..فقط كل ما في الأمر أني أحاول أن أرسم على شفاهكم المتعبة ولو ابتسامة..فهل نجحت..؟!!

توفيق الحاج

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف