الضحية تحاور نفسها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
وبلا مقدمات، أو فواصل إعلانية، فتحت نافذة المسنجر، وقلت له مرحبا يا صديقي...فرد قائلا: "أهلا بك..". ثم انشغلت في بعض الأمور، أو بشكل أدق كنت اكتب مقالاً عن المحادثات بين فتح وحماس برعاية مصرية. فالآن بات الفلسطينيون يحاورن بعضهم البعض، بـ"العربي" يتفقون بعد عشرين "واسطة"، ولا يمر يوم ويطل آخر حتى "يتقاتلون"، ولكنهم بقدرة قادر يجتمعون بعد عدة قتلى، ويوقعون اتفاقيات للتهدئة، تليها بالطبع مشاورات لتثبيتها، هكذا يريدوننا "الضحية تحاور نفسها".
عدت لصديقي بعد أن زرعت الكلمات السابقة على "أزرار الكيبورد" التي حفظتها عن ظهر قلب مع الزمن، وقلت له: "منذ زمن لم أراك: "وين أراضيك؟ وكيف أمورك؟"، كعادته بالإجابات رد الكرة بملعبي: "الأرض ثابتة كما هي فقط قد تتغير السماء؟". إذا دعني أسالك: "أين سماؤك؟". فقال: "لا أدري"، واستطردت أصابعه، تكتب: "أضعتها كلما وجدت امرأة".
دارت بذهني هنا، عدة احتمالات، فهل أساله "كم سماء أضعت يا صديقي إذا، أم أساله ما هو الحل للخروج بالوضع الفلسطيني من المأزق الحالي؟. واخترت البديل الأول بعد تفكير لبرهة لا تتجاوز حدود الجدار الفاصل الذي وجدته يخنق بلدتي في آخر زيارة لها.
"اثنتان على الأكثر":-أجاب، وتابع: "اثنتان من اللواتي يهززن العرش، وأضاف: "إن أي امرأة يمكن أن تدخلها الحيز، ترسم ملاح المكان. مكانك ليس سوى وقت وشخوص وكثير من التفاصيل. هكذا تشكل المرأة المكان/مكانك".
وعزق لنافذتي على "المسنجر" نصاً كتبه، ولم يكتمل يقول به:
"المكان ليس رام الله، وأنت تحديداً لست تسكنين منطقة جميلة هادئة تدعى عين مصباح.
منذ البدء ثمة جدل حول الوطن، وتعريفه، هل هو حيث ولدت، أم حيث تموت وسط الدمار، أم حيث تحلم بأن تعيش قرب القمر والنجوم.
فقلت له: "جميل، أكمل يا صديقي". فلبي مطلبي، وأضاف: "الوطن ليس ما تصنعه السياسة، بل هو ما تهدمه".
تساءلت: -"والعمل إذا يا صديقي؟"-. لم يجب لعله كان مشغولاً بالتفكير بإجابة مقنعة، أو لربما أشغلته الفتيات على "مسنجره" اللواتي تتقافز كحبات الذرة على الجانب الأيمن من شاشة الجهاز- هكذا أتوقع-.
ولكن، لم أطل الانتظار فصعقت نفسي بسؤال تقليدي بالأحرى سؤال قديم جديد، هل في حل السلطة الفلسطينية طريق للخلاص، وهل فعلاً إسرائيل تريد زوال هذه السلطة؟
قلت: تدمير إسرائيل الذي يطال مؤسسات السلطة يومياً، دليل ليس كافياً على رغبتها بذلك.
ولكن ما لا تدركه قيادة تل أبيب، هو أن كثرة الضغط على الفلسطيني يقود لمعادلة خطره، أو كما يقول المثل لدينا (كثر الشد برخي)، فإسرائيل بإجراءاتها التعسفية وحصارها المدعوم عالمياً، تؤسس لإيجاد جيل فلسطيني ليس من السهولة التعامل معه، بل أنها تخلق جيلاً متمرداً حاقداً لن يقبل مستقبلاً الجلوس على كراسي للحديث عن سلام وغيره، بل ستكون مهمته الأولى الانتقام ثم الانتقام، فمعظم طلبة الجامعات الفلسطينية درسوا خلال سنوات الانتفاضة نصف عامهم الدراسي على الحواجز، وكذلك معظم الأطفال مشاهد الموت والدمار ترفض مغادرة مخيلتهم، وهو ما سيقود لانفجار مستقبلي عموده الفقري التراكمات النفسية.
وهذا يبدو ما لا تدركه قيادة إسرائيل، والتي هدفها الأول والأخير سحب التنازلات من الشعب الفلسطيني، والذي لم تعد تراه فيه سوى حركة حماس، بشكل أدق، تحول كل الفلسطينيين "لحماسيين" بنظرها، وإلا كيف حصدت هذه الحركة على اغلب مقاعد مجلس التشريعي في انتخابات عام 2006- على هذه المعادلة يبني خبراء إسرائيل معادلتهم، أو هكذا يحدو بي الظن الآن.
كتبت كل ما سبق فيما لا يتعدى العشر دقائق، وعدت لشاشة الكمبيوتر، فتشت، بحثت عن "صديقي" في نافذة "المسنجر"، وجدته غادر، وترك سلام، قلت: "ليته ترك جواباً لسؤالي، أسعف به ظنوني".
خلف خلف
رام الله