الهوَس بالأمن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تكاد كلمة " الأمن " تحتل مركز النشاط العقلي للإنسان.نسمع هذه الكلمة، ونشعر بها في الأماكن كلها.الجهاز الأمني، والضبط الأمني،الترخيص الأمني..كلمات ليست ككل الكلمات، وقد يجعل الهوس بها الأمن أقل.
سؤال كثيرا ما يسأل حتى الملل:لماذا كل هذا التركيز القائم على أسس أمنية ؟ الأمن السياسي، والأمن الاقتصادي، والأمن الثقافي... ؟؟ أليس النشاط البشري المدعم بفكرة " الأمن " يجعل صاحبه بلا أمن وبلا استقرار؟ وأليس الإنسان المهووس بهذه الفكرة يبقى معلّقا في الهواء إلى درجة يسهل معها تحريكه بالاتجاهات كلها،وبالأوقات كلها.
حقيقة وواقعا، الأمن مفهوم مستحيل ومراوغ في الوقت ذاته.كلنا نشيخ.كلنا نموت.هذا متفق عليه.كلنا ينشد الأمن، ولكن عندما يتحول " الأمن " ليصبح نقطة مركزية في الحياة، عندها قد لا يستطيع الإنسان العيش إلا ضمن دائرة مؤكدة ومحققة ليصبح عنوان الحياة " التقوقع ".
وعليه تبنى جدران أمام الانفتاح والتطلّع إلى التجارب الجديدة، والأفكار الجديدة.ويصبح الإنسان حبيس مسار محدّد يشكّل الخروج عنه تغيّرا وتغييرا غير مرغوب.
وعندها يقبض الإنسان على عقله، ويتشبّث بهويته إلى حد التطرّف. ويصبح الإنسان دولته( أنا الدولة )، ويصبح أمته( أنا الأمة ). يصبح كل ما من شأنه أن يجمّد عقله، ويخدّر ضميره. يصبح كل ما من شأنه أن يحميه من التغيير أو الشك.وهذا كله يشكّل تربة خصبة لنمو الفكر الاقصائي. وفي الواقع لا يعود الإنسان آمنا، ولا مأمون الجانب، فالمسارات قد تتحطّم كلها.
فكل جهد يبذل من أجل الأمن هو في الحقيقة يجعلك غير آمن أكثر بكثير. لأنك يجب أن تحذر وتنتبه وفق عملية مستمرة.
لكل إنسان عدوا ما، قد يكون زعيما سياسيا، أو معارضا سياسيا. أو قد يكون مرضا ما أو حشرة ما، وقد يكون فكرة أو اعتقاد ما.
لذا يقضي الإنسان أيامه محاربا، وأكثر تحصينا في تفكيره الأساسي.أي تصبح أيامه مكرّسة للحماية من عدو ما.
وفي هذه الحال قد تبرز، بشكل فاضح، مقولة " الذين ليسوا معنا هم ضدنا ".وبالتالي يصبح إيذاء الناس مبررا.يمكن سجنهم، ويمكن إذلالهم، ويمكن احتلالهم، ويمكن قتلهم.فهم مجرّد عقبات أمنية جاز و/أو وجب محاربتها واقتلاعها.
لكن الأمن الحقيقي لا يبنى ولا ينظم على قاعدة من عنف أو قنبلة، بل يتحقق جوهريا بالحرية.
والحرية لا تعني أن الشخص عار من القيم أو الاعتقادات، بل تعني أن لا يتحجّر عقل الشخص حولها، وأن لا تشكّل مبرّرا وسلاحا يعتدي به على الآخرين.
والحرية تعني أن أوجد في داخلي مكانا يتسع لأي شخص أجتمع به، بدلا من اعتبار نفسي، كمختلف، أفضل أو على القمة.
الحرية هي الإدراك بأنّ قدرتَنا للاتصال والتفاعل مع الآخرين أكثر أهميَّةً مِنْ شُعُور بالأمان تحت وطأة الانعزالية.
أمجد نيّوف