كأس شاي وزيت وزعتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بينما كنت جالساً في صالة المنزل، أشرب القهوة، وأدخن، وأسمع ما تيسر من الموسيقى، واكتب ما يجتر عقلي من أفكار لسيناريو فلم أقوم بإعداده هذه الأيام. تلبستني فوضي في الحواس، ورغبة عارمة في الضحك بصوت عالي، وفي الحقيقة، لم تكن هذه الرغبة مفاجأة، بل أسبابها كثيرة.
فحينما تدرك أنك لا تستطيع الخروج من مدينتك إلا بعد مصادقة جندي إسرائيلي "مصدي" يقف على حاجز يعزلك عن العالم الخارجي.../أجبني/ ما الذي بإمكانك فعله سوى أن تضحك. وعندما تكتشف أن الكثير من الشباب العرب لا يعرفون عن حرب عام 1967 شيئاً أو لديهم فقط رذاذ من المعرفة المشوهة حول الموضوع، وأن معدل القراءة للفرد الواحد في الوطن العربي حسب تقرير لمنظمة اليونسكو لا يتجاوز ست دقائق في السنة- على ضمانتي- بمقدورك إطلاق ضحكة يسمع صوتها جارك "أبو العبد" ولن يزعل.
وحينما يضاف لصندوق معلوماتك، أن بني البشر يعيشون في بلدان يستهين الكثير فيها بإنفاق دولارين يوميا على فنجان قهوة "الكابتشينو"، فيما يبقى خمس آخر من البشر على قيد الحياة، بأقل من دولار واحد في اليوم، ويعيشون في بلدان يموت الأطفال فيها، بسبب العوز إلى غطاء واقي من الناموس، عليك بالضحك، لأنه ليس بمقدورك فعل شيء لهم، والدنيا طالع صيف كان الله في عونهم.
وماذا تفعل عندما تكتشف أن راتبك لا يكفيك سوى لعشرة أيام في الشهر، وبالتالي عليك بالشاي والزيت والزعتر يومياً، لأنك بحاجة لنصف قرن ونيف حتى تؤمن مستقبلك وتكمل نصف دينك، وتعيش "مثل الناس والخلق"، -هذا على افتراض أنك طورت قدراتك-، وعندما تكتشف أنك أمضيت نصف عمرك تسعى لتحقيق حلم حينما اقتربت منه، تبخر في الهواء..وأنه ليس بإمكانك فعل شيء لأنه مغلوب على أمرك، باستطاعتك الضحك والتقهقر بأعلى صوتك، ولن يلومك أحد -"على عاتقي"-.
وبالله عليك، حاول تخيل ردة فعلك أيضا، حينما تكتشف أن الأحزاب السياسية في بلدك تتقاتل على سلطة تحت (بوسطار) الاحتلال اقصد الحذاء العسكري...وأن الأخير يمطرك بالصواريخ من الجو، وفصائلك التي ترفع شعار التحرير تحاصرك بحواجزها العسكرية، ورصاصها على الأرض، حتى أننا حُوصرنا من السماء والجو، وبتنا قال درويش: "نفتح علبة السردين تقصفها المدافع/ نحتمي بستارة الشباك/ تهتز البناية/تقفز الأبواب/ أمريكا وراء الباب/ نمشي في الشوارع باحثين عن السلامة/ من سيدفننا إذا متنا؟"
وأيضا، ألا يجوز أن تضحك، حينما تسمع أن اتحاد الجامعات البريطانية والاتحاد التجاري في جنوب إفريقيا يقاطعا إسرائيل، ودول عربية تدعو الطلاب الإسرائيليين للدراسة فيها. وفوق كل ما سلف ذكره، ماذا عساك فاعل، عندما تكتشف أن ثمن البني آدم في بلادك التي يجتاحها الفلتان الأمني لا يتجاوز ربع دولار وعشرين سنت، وباستطاعتك كذلك الضحك حينما تقبض على نفسك متلبساً بالضحك.
وفي حال عدم رغبتك في الضحك، باستطاعتك البكاء، وإليك، هذا النبأ، اغتالت القوات الخاصة الإسرائيلية أثناء كتابتي هذه الأسطر، طفلين على حدود غزة الشمالية ليرتفع عدد الأطفال الذين قتلوا خلال سنوات الانتفاضة لكثر من 1000 طفل حسب إحصائية للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فرع فلسطين.
والآن يجب أن تتركوني قليلاً لكي ارتب مشاعري، فقد اختلطت هرموناتي مع بعضها، وقد بت أجرب أن أضحك..فأضحك../أجرب أن أبكي..فأبكي..
وانتم كيف حالكم؟
خلف خلف