الاكراد وسهل نينوى - مخاطر الزواج المبكر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في الوقت الذي يحرص انصار الزواج المبكر الى استعراض كل سماته الايجابية داعمين ذلك بعينات لتجارب اجتماعية ناجحة، يحاول المعارضون او الحذرون الى اطلاق اشارات الانذار من نتائجه اوعواقبه كون عملية انشاء نموذج اجتماعي جديد ليس لعبة من لعبات ( الاتاري او البلاي ستيشن ) بل مسؤولية كبيرة يجب ان تتوفر لها كل المقومات و الاسس الصحيحة التي يمكن ان تعطي على الاقل بعض المؤشرات و الضمانات الايجابية الى نتائجها ودور تلك النتائج لاحقا في المراحل التالية. ويبقى الهدف الاسمى هو رابطة تتجذر وتتفرع مع مرور الايام وتقوى على الثبات امام الصعوبات حيث ( الزواج الكاثوليكي ) هو النموذج الشائع في المسيحية بينما يمثل الانفصال والطلاق أبغض الحلال عند الله في نظر الاسلام. ربما يكون حال التحالفات والعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الشعوب والقوميات والاحزاب شبيها الى حد ما بحالات الارتباط الاجتماعي بين الافراد فتكون مقومات ذلك التحالف وانسجام اطرافه في الرؤى ومراعاتهم للظروف المحيطة عوامل تظاف لها عوامل اخرى لتسمح مجتمعة في الحكم على ذلك التحالف عمرا ونتائجا وتصنيفه إن كان نزوة عابرة او تكتيكا ظرفيا او خيارا استراتيجيا على الامد الطويل.
السطور اعلاه هي مقدمة لعودة ثانية في محاولة متواضعة جديدة سبقتها مقالات اخرى لمعالجة موضوعة العلاقة بين اقليم كردستان ومنطقة سهل نينوى، حيث بات هذا الموضوع يحتل حيزا واسعا على المستوى الشعبي والرسمي بعد الدعوة التي أطلقها السيد سركيس اغاجان في المطالبة بالحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري وتثبيت ذلك دستوريا في مسودة دستور اقليم كردستان وفي التعديلات المراد اجراؤها على مسودة دستور العراق. من اجل توخي الصراحة والدقة يجب الاعتراف ان دعوة السيد سركيس اغاجان لاقامة منطقة للحكم الذاتي في سهل نينوى قد لاقت ردودا حذرة من قبل البعض ( تنظيمات او افراد ) كانت دوافعها بالدرجة الاولى متعلقة بموضوعة ربط ذلك بإنضمام المنطقة مباشرة باقليم كردستان، وسوف يكون من باب التجني حقا إطلاق حكم قاس على كل اؤلئك الحذرين من خلال القول في ان دوافعهم في نظرتهم الحذرة هذه انما تنطلق من مشاعر الكره للاخوة الاكراد وعدم الرغبة في التعايش معهم، بل ربما يكون العكس هو الصحيح وتكمن الحقيقة في ان اغلب هؤلاء انما ينطلقون في الطرح الصريح لارائهم من باب الاجتهاد الهادف الى الحرص على مصالح شعبهم والشعب الكردي بل والعراقي عموما على حد سواء. ما يؤكد هذا هو هذه العلاقة الوشيجة التي توطدت في السنوات الاخيرة بين شعبنا في سهل نينوى واقليم كردستان، حيث اصبح للسلطة الكردية نفوذا وتاثيرا واسعا وادت وتؤدي جهدا كبيرا في تطوير المنطقة و ضمان امنها، و تنال هذه التجربة في نتائجها العامة تقييما ايجابيا لدى اغلب سكان المنطقة، بما فيهم شريحة واسعة من اؤلئك الحذرين.
لقد مثًل سقوط النظام السابق فرصة كبيرة تركت الحالة العراقية بجميع جوانبها أشبه بنظام اكتسب طاقة كبيرة اوصله الى حالة التهيج وهاهي ذرات ونوى هذا النظام تتصادم فيما بينها منذ 9 ابريل2003 ولحد الان وتفقد في كل تصادم مقدارا من الطاقة، إلا ان قراءة الواقع تشير الى ان فيضا كبيرا من الطاقة لازال في حوزة النظام وان تصادمات قادمة ربما تكون اعنف من سابقاتها بانتظاره حتى يمكن ان يصل الى الحالة المستقرة التي يصح فيها انذاك وصف حاله وتحقيق معادلته. ان قرار انضمام سهل نينوى الى اقليم كردستان في هذه الظروف ربما سيمنح البعض فرصة إشعال فتيل الصراع القومي في مدينة الموصل والذي سيدفع ثمنه بالتأكيد الجميع، شعبنا الكلداني السرياني الاشوري والاكراد والعرب والايزيديين والشبك. ان مهمة كل العناصر الواعية التواقة الى السلم والبناء يكمن في العمل على توفير المناخ الملائم لهذا النظام ( ونقصد الحالة العراقية ) بما يتيح له تحرير تلك الطاقة الفائضة والتخلص منها وليس شحنه او توفير الفرصة للاخرين لحقنه بمزيد من الطاقة.
من جانب اخر فان انضمام منطقة ما في باكورة مرحلة التكوين الى اخرى سبقتها بخطوات كبيرة في تكوين مؤسساتها وبنيتها التحتية يمثل ربما حالة جمع لاعداد لم تنضج بعد قواسمهما المشتركة، مما يترك حالة من الشعور بالنقص وعدم اتزان العلاقة لدى احد الاطراف يقابله شعور بالثقل والمسؤولية لدى الطرف الاخر. ومن هذا يطرح السؤال نفسه في ايهما افضل لاقليم كردستان ولسهل نينوى على حد سواء ان يقرران حالة من الارتباط وقد تكونت ونضجت في سهل نينوى كمنطقة للحكم الذاتي مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والادارية بمعالم واضحة أم ان يذهب سهل نينوى كما يقول المثل العراقي ( بملابسه ) ويرتبط باقليم كردستان. مع سقوط الاتحاد السوفيتي السابق والمعسكر الشيوعي اندفعت دول عديدة في اوربا الشرقية بل وجمهويات من الاتحاد السوفيتي السابق تطلب الانضمام الى حلف الناتو ثم الى منظومة الاتحاد الاوربي ولم يُقبل انضمام بعضها إلا بعد مفاوضات وبرامج تأهيلية بينما لازالت طلبات بعض الدول على طاولة الدرس والتمحيص وتُهدد بالرفض لعدم استيفاء الشروط.
لايمكن لكائن من كان ان ينكر الدور الكردي الايجابي خلال السنوات الماضية في المحافظة على امن منطقة سهل نينوى كما في المنجزات الاقتصادية والاجتماعية ورعاية النازحين الى المنطقة التي تتم جميعا من خلال الجهد الذي يشرف عليه السيد سركيس اغاجان، لكنني ارى وباجتهاد متواضع ان قيادة اقليم كردستان ستضع لبنة جوهرية اخرى على ذلك الدور لو استخدمت نفوذها الواسع والمهم لدى الحكومة المركزية والبرلمان العراقي والاطراف الدولية وتواجدها على ارض المنطقة لمساندة شعبنا بما يتيح له انشاء منطقته الادارية الامنة في محافظة سهل نينوى كمرحلة اولى، اقليما مستقلا يتمتع بالحكم الذاتي لفترة انتقالية قد تمتد الى خمس سنوات و يقرر بعدها هذا الاقليم بمشيئة ابنائه وبناءا على قانون الفدرالية المقر الاتحاد او الانضمام الى اي اقليم اخر، ومن الطبيعي ان تتم خلال هذه المرحلة الانتقالية مناقشات عميقة مع الاخوة الاكراد حول سبل تطوير تجربة التعاون الحالية في منطقة سهل نينوى وتقرير مصير المناطق الاخرى التي يتواجد فيها شعبنا وتقع حاليا ضمن اقليم كردستان. ربما ينبري البعض من السياسيين والكتاب في شعبنا الكلداني السرياني الاشوري فيتهمني بالخيانة كونني في هذا قد وضعت على الرف تلك المناطق وجوابا على هؤلاء الاخوة نقول ان الحس العلماني والنفس النهضوي الذي يلمسه الفرد واقعا في دستور اقليم كردستان واجندة واهداف قيادته تتركه مطمئنا الى حقوق كل ابناء الاقليم بغض النظرعن انتماءاتهم القومية او الدينية او المذهبية. ان اؤلئك السياسيين والكتاب التي يتوهمون انهم باتوا يمتلكون مجموعة كافية من اوراق اللعب تغريهم بالمغامرة في الذهاب الى ( الكومكان ) في ( طرقة ) تقلب الموازين والنتائج رأسا على عقب، هم بأمس الحاجة الى اعادة (كورس السياسة ) من الروضة لانهم يدفعون شعبنا الى فتح النار على كل الجبهات في وقت تصل فيه اللعبة السياسية العراقية قمة درجاتها من الضبابية الى الحد الذي تبدو فيه الرؤية شبه معدومة.
ان السبب الذي ترك ( دبي وعجمان والشارقة ) وشقيقاتها من الامارات تقرر الاتحاد طوعيا بامارة ( ابوظبي ) يكمن حتما في ان تلك الامارات قد رأت في ابوظبي وافكار ونهج شيخها الراحل زايد نموذجا من الاصلح والمفيد الاحتذاء به. اذا اهملنا جانبا كل الكتابات المتطرفة والنشاز التي تحاول الاساءة الغير المبررة الى التجربة الكردية مضافا لها كل كتابات التملق والمحاباة التي تصتف على النقيض من النوع الاول، فان الحقيقة التي يجب ان تقال تتمثل في ان هذه التجربة، وإن كان حالها حال اية تجربة اخرى، لها اخفاقاتها وسلبياتها وشطحاتها لكنها تبقى تجربة قيمة فيها الكثير من السمات والنتائج الايجابية ويحاول قادتها باجتهاد رسم وتنفيذ نموذج يحاكي المعايير الانسانية والدولية المتحضرة. واعتقد جازما ان تحقيق نجاحات متتالية على طريق هدف القيادة الكردية في استنساخ ( دبي في اربيل )، والتعامل الاكثر شفافا من قبل تلك القيادة مع الحالة العراقية بما يتيح المجال لمستوى اعلى من الثقة لدى المواطن العراقي تجعله يشعر ان هذه التجربة يمكن ان تكون ساحة له و ليست فردوسا يبنيها الاكراد لهم على حساب ماتبقى من العراق، يضاف اليه التسويق الاعلامي الايجابي على الساحة العراقية بعيدا عن التعصب القومي او حتى التطرف في التخندق لمواجهة هجمة تعصب مسمومة مضادة، كل هذا سيكون ربما مفتاح الامل لباب الخروج من النفق المظلم فتنتقل الاشعاعات الايجابية من التجربة الكردية الى مناطق اخرى من العراق. ولاغرابة انذاك ان تطلب الانبار وبابل، وليس سهل نينوى فقط، الانضمام الى اقليم كردستان كما سيرى الاقليم نفسه مقيدا اسيرا طالما ليس العراق، كل العراق خيمة وساحة له. انها تلك اللحظة التي يمكن ان توصف بانها لحظة اتحاد الكل بالجزء والجزء بالكل.
د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com