ما هي جريمة القرآنيين؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إنه لمن قبيل المفارقات المرة والمؤلمة، والمشكوك في دوافعها وبواعثها، أن يـُضيـّق على رموز التنوير والعلمانية والعقلانية والتسامح في مصر ويفسح في المجال لرموز التخلف والبداوة والتجهيل والتخدير والتسطيل لترويج الضلالات والزعبرات المفبركة والأحابيل، كأن يـُنفى الدكتور أحمد صبحي منصور بسبب من بطش وبلطجة غلاة الأزهريين إلى ما وراء المحيطات والبحار، ويهجـّر نصر حامد أبو زيد ويهدد بالطلاق والتفريق، ويسجن نبيل عبد الكريم سليمان الشاب الأزهري في غياهب الظلمات وعتمة الزنازين، وتكفـّر د. نوال السعداوي وتطارد كعتاة القتلة المجرمين، ويهدر دم رواد آخرين، وتقدم الساحة الفكرية لقمة سائغة للمشعوذين والسحرة المهرجين كزغلول "الفشار"، وعزت عطية صاحب فتوى الإرضاع الشهيرة، وعمرو خالد أبو الروايات البدوية الرومانسية الخزعبلاتية، إضافة لشيوخ الكاسيتات المتاجرين بالدين من صنف " بتاع كلو"، والضاحكين على ذقون بسطاء المصريين.
و"كـَحــَّّل" الأمن المصري المتحالف مع الجماعة "المحظورة"، سلسلة إجراءاته الوقائية فجر يوم الاثنين الماضي باقتحام غير قانوني، وغير شرعي لمنزل الدكتور أحمد صبحي منصور، واعتقال السيد عبد اللطيف محمد سعيد (الأخ غير الشقيق للدكتور أحمد صبحي منصور)، الذي "ضبط" وهو يمارس، وبكل أسف، نشاطاً تنويريا مريباً لا يتوافق مع السياسة الرسمية المعلنة للنظام المصري، والتي أصبحت واضحة وضوح الشمس، وتقضي بنشر الجهل والتسطيح والتسطيل العام، ومحاربة تيارات التنوير، والفكر، والرأي العصري الحديث. كما شملت الاعتقالات السيد أحمد دهمش، و السيد عبد الحميد محمد عبد الرحمن (الشهير بـ"وليد")، والذين يكتبون، و"ياللعار والجريمة النكراء"، في موقع أهل القرآن، و يشاركونه في حواراته الفكرية. وللعلم فقد تم اقتحام بيت الدكتور أحمد صبحي منصور الكائن بالمطرية، في مساء يوم الأربعاء 30 مايو/أيار، و صادرت ما فيه من ممتلكات، واعتقلت السيد عمرو ثروت الباز (قريب د. منصور و الباحث بمركز ابن خلدون و الذي تصادف وجوده في الشقة للمبيت).
ويعتبر الدكتور أحمد صبحي منصور "منظـّر" وشيخ القرآنيين في مصر، والذي يتبنى منهجاً يعتمد، بشكل عام، على القرآن كمرجع ومصدر وحيد في مختلف المسائل الفقهية والشرعية. ويقول د. منصور بهذا الصدد: "يؤمن القرآنيون بالقرآن كمصدر وحيد للإسلام وشريعته، و أن هذا المبدأ موجود منذ عهد الإمام أبي حنيفة إلي أيام الإمام الشيخ محمد عبده". ويعترض الدكتور منصور علي وصف القرآنيين بالجماعة، وقال: "هذا يوحي بأهداف سياسية"، وهو أمر غير صحيح بحكم أنهم يمثـّلون منهجاً فكرياً مبنياً علي التسامح والاختلاف في الرأي، وأكد أن عملهم قائم علي الإصلاح السلمي ضد التخلف والتطرف والدعوة للديمقراطية وحقوق الإنسان من خلال القرآن الكريم.
وبهذا، فجماعة القرآنيين ليسوا جماعة أو طائفة، وإنما هم تيار فكرى يدعو إلى الإصلاح السلمي للمسلمين دينياً، وسياسياً، وثقافياً من داخل الإسلام. وبسبب من مواجهتهم للاستبداد و الفساد وتصديهم لجماعة الإخوان المسلمين "المحظورة" (لها 88 نائباً فقط لا غير في البرلمان المصري وهذه واحدة من المفارقات السياسية الغريبة غير المفهومة والتي تعصى على الفهم والتأويل)، وتيارات الإرهاب والتطرف، فهم ضحية لفتاوى التكفير و حملات الاعتقال، والتي تأتي الاعتقالات الأخيرة ضمن هذا السياق الممنهج. وقد بدأت سلطات الأمن المصرية موجات الاعتقال ضد القرآنيين اعتباراً من العام 1987 حيث كانت الموجة الأولى، وأعقبتها الموجة الثانية في عامي 2000-2001، وهذه الحملة الثالثة التي كانت بتهمة أن المعتقلين كانوا يخططون لـ" جريمة" إعادة كتابة مؤلفات الدكتور منصور المنشورة سابقاً، لإعادة نشرها على موقع أهل القرآن، وذلك طبقا لمشروع تبنـّاه ( المركز العالمي للقرآن الكريم)، ونشروا مقالاً عنه بعنوان ( رحيق العمر مجانا ). فهل لنا أن نتساءل بعد تلك المعمعة البوليسية، والاستعراض الأمني البطولي الكبير ما هي الجريمة التي اقترفها القرآنيون لكي يعاملوا بهذا الشكل البدائي المهين، وهل في نشاطهم الفكري السلمي العقلاني ما يعرض أمن الدولة والمجتمع لأي خطر وشيك؟
ليس من البراءة البتة، في هذه الحالة، استهداف هذا التيار الفكري، في هذا الوقت، الذي يتزامن مع تداعيات فتوى إرضاع الكبير المثيرة والغريبة، والتي شتـّت وقسمـّت الشارع الإسلامي، وعرّت شيوخ البلاط السطحيين، ووعاظ السلاطين المرائين، والتي تأتي ربما نصرة لمؤسسة الأزهر التي اهتز عرشها الوصائي، وتداعى كبرياؤها التاريخي، وفضح مضمونها الفكري، بترهات شيوخها البعيدة عن كل منطق وعقل وضمير. وكان من الأجدر، والأجدى للسلطات المصرية، أن "تحجر" على أولئك المفتين المهرجين وتطلق فوراً، ودونما إبطاء، سراح هؤلاء المعتقلين من القرآنيين. وأن برمجة الاعتقالات، وبشكل متعمد مستفز وحيد، باتجاه التنويريين، والعقلانيين، والعلمانيين يوحي بأكثر من مجرد تواطؤ مريب مع الجماعات التكفيرية، والسلفية، والإرهابية الظلامية، وربما يتعداه إلى تحالف استراتيجي، ذي مضامين جيو- سياسية قحة، ظاهرة وبعيدة المدى، ترمي لرهن مصر كلية وإلى أمد غير محدد بقبضة الظلاميين السلفيين وأمرائهم الطالبانيين، وإنهاء الدور الريادي والحضاري لمصر، والذي تبوأته في المنطقة لحقب مديدة من السنين، هذا إذا تبقى، أصلاً، ثمة دور في ظل هذا التهريج المرير، وصبغها بشكل مطلق، ونهائي، بصبغة الزمن البدوي القاحل الأغبر الضحل الشحيح.
نضال نعيسة
sami3x2000@yahoo.com