أصداء

النظام السوري يهرب إلى مرمى النيران

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الهروب هي الصفة الأكثر وضوحاً في سياسة النظام السوري في السنوات السبع الأخيرة، هذا النظام الذي عسكر سورية ولبنان وسيطر على الساحة السياسية بقوة المخابرات والبطش والفساد، أصبح فجاةً بدون سابق تمهيد فريسة سياسته الطائشة على مستوى سورية ولبنان والمنطقة، والنظام الذي أهمل واستهتر بكل مصالح سورية ولبنان، وعطل كل مشاريع التنمية والتطور فيهما يجد نفسه الآن معطلاً وتائهاً، وأكثر من ذلك إن النظام الذي انتفخ دوره إقليماً إلى حجم بالون كبير غطى المنطقة بغيومه السوداء، وحافظ على تلك الهالة الكبيرة عن طريق الإفراط في استخدام آلته الأمنية القمعية، نراه اليوم ينفس بالتتدريج وعاجزاً عن آداء وظيفته،يمشي خبط عشواء، دون هدف واضح ودون سياسة واضحة، وبقصور واضح في الرؤية والأداء معاً.

والنظام السوري أيضاً الذي حصر كل الأطراف المتناقضة والمتحاربة في سربه وساقها في دربه وأجهضها وأخرجها خاسرةً من لعبة قماره، وأجبرها على أن تدفع ثمن سياستة على المستوى الداخلي والخارجي، نراه اليوم ينحدر إلى موقع من يدفع الثمن وعلى أكثر من محور، والنظام الذي لم يسمح أبداً في نمو مراكز قوى جديدة في دائرته واستأصلها دون هواده، نراه اليوم وقد تحلل شللاً ومراكز قوى عاجزة لاهم لها سوى الفساد والنهب، ماالذي حدث؟! وهل موضوعياً فقد النظام قدرته على ضبط مركزية حركته؟! ولماذا هذا الفشل الذريع داخلياً وخارجياً؟! وفي حدود هذه السطور والعجالة نخصص لمقاربة فشله على الساحة اللبنانية، ومايدور في لبنان اليوم في محاولة لتفجيره من الداخل، وهل فعلاً النظام السوري هو وراء مايحدث كله أو نصفه، بالسبب أو بالنتيجة؟!.وكيف قرأ النظام الإنذار الخطير المتمثل بالقرار ( 1757) وتشكيل المحكمة الدولية تحت الفصل السابع؟!.

أولاً النظام السوري فشل في قراءة اللوحة الإقليمية في عام 2000، وبالتالي كانت نتائج سياسته وخياراته على الساحة اللبنانية تنذر بفشل كبير لم يستشعر خطورته، واستمر في آلية عمله التقليدية الأمنية على الساحة اللبنانية، ولم يستشعر النمو المطلبي المتصاعد بضرورة خروجه من لبنان الصامت حيناً والمتكلم حيناً آخر، إلى أن واجه استحقاق القرار (1559) و طرده من لبنان، مرةً أخرى فشل في قراءة الحدث، وأصر على استمرار وجوده الأمني في لبنان رغم خسارته الحوامل الأساسية لذلك بخروجه منه بطريقته، وضمن هذه الصورة لبنانياً وسورياً حدثت جريمة اغتيال الراحل رفيق الحريري وخربطت المعادلة اللبنانية ومعها الإقليمة، والنظام السوري بحكم الوصاية والعلاقة والدور هو أول من دخل فوضاها وأول من أشيرت إليه أصابع الإتهام، ساهم موقفه المتناقض بالتأشير أكثر عليه، جريمة بهذا الحجم وبهذا التوقيت الحرج داخلياً وإقليمياً لم يعطها النظام السوري التقدير الصحيح، ومرة ً أخرى فشل في التعامل مع الجريمة وأسبابها ومسبباتها ونتائجها.

وثانياً فشل في التعامل السياسي مع الأطراف اللبنانية بعد الجريمة، والأسوأ منه أنه استمر في آلية عمله القائمة على تمزيق وحدة الصف اللبناني وشطره إلى قوى مع وضد، وضد بعضها ولم يدرك أن ذلك سوف يدفع الأمور لعدم الإستقرار في لبنان وأول الخاسرين هو النظام نفسه، أي فشل في التعامل مع الوضع الجديد الذي أفرزته الجريمة، تغلبت نزعة الإنتقام على نزعة السياسة والوئام،وساق نفسه باتجاه المجهول، وعلى الجانب الآخر انشطر الوضع السياسي اللبناني الداخلي انشطار ظنه النظام تقليدي، ولم يدرك أنه غير ذلك هذه المرة، وفشل في التعامل مع الوضع الجديد، ودفع الأمور باتجاه الفوضى وتصعيد الإقتتال الداخلي وفشل أيضاً، عاود الكرة ودفع لبنان إلى حرب مع إسرائيل دمرت وحرقت الأخضر واليابس فيه،وأفرزت معطيات جديدة ليست في صالح النظام، أيضاً فشل في التعامل معها وأصر على التصعيد من جديد وعبر محور جديد.

وثالثاً فشل في قراءة سير عملية التحقيق في جريمة اغتيال الراحل رفيق الحريري، وتركز فعله وعمله على مسارين خاطئين،الأول تفجير الوضع اللبناني، والثاني تبرئة نفسه وتجاهل تطور عملية التحقيق جنائياً وسياسياً وإجرائياً، وسار بالمسارين معاً، ومايحدث في نهر البارد وبيروت هو بهذا الشكل أوذاك هو إنتاج النظام ويحمل بصماته شاء أم أبى، وتاريخه في حسم الأمور معروف في سورية وخارجها، وهوتاريخ أمني عسكري دموي لايمت للسياسة بصلة، وبالمحصلة فشل في المسارين معاً، وصدرالقرار(1757) تحت البند السابع ورغم وضوحه سياسياً وقانونياً وزمنياً، مرةً أخرى فشل النظام السوري في قرائته وتكهن نتائجه،واستمر بالتصعيد،و بنفس الخيارات الأمنية التي تدينه من جهة، والتي حولت الفشل إلى سلوك دائم لديه من جهة أخرى.

والخلاصة التي يمكن الوصول إليها بعيداً عن كيل الإتهامات والإنسياق وراء الموقف العام الضبابي على مستوى لبنان والمنطقة من النظام السوري، مع ذلك نرى بوضوح شديد وبناءً على أقواله وأفعاله على مستوى سورية ولبنان وخارجهما، أنه يستمر بنفس الطريق مع زيادة وتيرة ردود فعله تخريباً وحصيلته واحدة وهي فشلاً مركباً وعجزاً في التعامل مع أحداث كبيرة لها تداعيات خطيرة على سورية ولبنان والمنطقة، والأخطر من الفشل الذي يظهر فيه هو استمرار الهروب من الإستحقاقات الواقعة لامحالة وهي مستقلة عن موقفه منها، ولم يبد لاسراً ولاجهراً أي إشارة توحي بقدرته على مواجهتها، بل كعادته يصر على الهروب منها، وإذا استمر على هذا العيار، في المكابرة والمتاجرة بدماء الأبرياء ومصالح شعوب المنطقة، وهذا هو المقروء والمسموع والمنظور إلى الآن، سيكون الهروب الأخير و الفشل الكبير، وهو لم يدرك بعد أنه يهرب إلى مرمى النيران، النيران المتعددة المصادر والموجهة إليه لأسباب ومسببات شتى يعرفها، ولن ينجيه الإفراط في ادعاء البراءة، لأنه لاينسجم مع تاريخ طويل مشفوع بسجل حافل بالقمع والتصفيات والفوضى وانتهاك حقوق الإنسان في لبنان وسورية والمنطقة، النظام ساق نفسه طوعياً إلى مرمى النيران...فهل لديه مايدفعه كاش لمنقذ ما؟! النظام نفسه هو الذي سيجيب وعلانية ً وفوق الطاولة هذه المرة....وإلى ذلك سيبقى يتخبط وحيداً في مرمى النيران...!.

د.نصر حسن

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف