ما أحوجنا اليوم إلى معرفة ستالين على حقيقته!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أكتب اليوم عن ستالين لا لأعظّمه فهو ليس بحاجة إلى تعظيم طالما أنه بحسب الموسوعة البريطانية أعظم العظماء، ولا لأمتدحه وهو الذي كان يزجر بقوة من يطريه بحضوره، كما لا أكتب من قبيل المماحكة لنفر اعتاد أن يشتم ستالين بالأجرة أو بدافع كراهية الإشتراكية وعدم فهمها في كثير من الأحيان؛ لا، لا أكتب لكل هذا بل أكتب لأن حاجتنا اليوم إلى معرفة ستالين على حقيقته قد تعاظمت وغدت شديدة الإلحاح. فستالين لم يعد شخصاً حاضراً بكل مزاياه في التاريخ السياسي. لو ظل كذلك لما كتبت كتابي "من هو ستالين؟ وما هي الستالينية؟" المنشور على موقعي الألكتروني ولامتنعت عن كتابتي هذه وذلك لأن لدي حساسية مفرطة إزّاء عبادة الفرد. لقد غدا ستالين قضية فكرية وسياسية تحتل أولى أولويات الصراع الطبقي، أولوية لم يحتلها لينين أو ماركس من قبل؛ فأن تسب ستالين فذلك يعني اتوماتيكياً أنك تسب الإشتراكية، الإشتراكية التي لم نعرفها إلا في الإتحاد السوفياتي، ويعود ذلك إلى أمرين ..
الأول ـ في العام 1922 وقبل أن يقعده المرض، كتب لينين في البرافدا يقول .. " الشعوب السوفياتية تبيت على الطوى "، وبهدف توفير الخبز لها انتهج لينين " السياسة الإقتصادية الجديدة " (NEP) التي تشرّع للإنتاج البورجوازي وتعود بالربح على الفلاحين منتجي الغذاء، تلك السياسة التي أعتبرت خطوتين للخلف في مسيرة الثورة الإشتراكية وسمحت لنيقولاي بوخارين عام 1925، وكان من كبار منظري الحزب، بالمناداة بسياسة " فليغتن ِالفلاحون! ". إلا أن ستالين عارض بقوة سياسة بوخارين لأن الزراعات الفردية لا تصب في طاحونة الإشتراكية فاتخذ الحزب قرارات تقضي بإلغاء سياسة (النيب) تدريجياً. وفي العام 1926 فقط عاد مجمل الإنتاج في روسيا إلى ما كان عليه في العام 1913 لدى دخول الحرب ومثل ذلك نجاحاً باهراً بعد أن حولت الحرب العظمى 1913 ـ 1917 ثم تواصلها مع الحرب الأهلية وحروب التدخل 1918 ـ 1921، حولت روسيا إلى قاع صفصف. في العام 1928 باشر الإتحاد السوفياتي بتطبيق أول خطة خماسية تنموية في التاريخ، تلك الخطة التي سخر منها عميد الإمبريالية ونستون تشرتشل بالقول في إحدى الصحف اللندنية .. " لو نجح ذلك الحالم في الكرملين بتنفيذ خطته الخماسية لتحولت إلى الشيوعية ". تم تنفيذ الخطة في أربع سنوات فقط لكن تشرتشل إزداد كراهية للشيوعية ولستالين. في العام 1953 رحل ستالين مخلفاً الإتحاد السوفياتي متقدماً على الغرب في كل الحقول سواء في الأحوال المعيشية أم في الإنتاج العلمي والثقافي والتقانة دون أن ننسى أن قطعان النازيين تركت الإتحاد السوفياتي الأوروبي في العام 1945 أرضاً محروقة ومدناً وقرىً مدمرة تماماً. كما رحل ستالين والثورة الإشتراكية العالمية قد وصلت أعلى سقوفها بعد أن طحنت الجيوش السوفياتية بقيادة ستالين النازية والفاشية في كل القارة الأوروبية فكانت الأحزاب الشيوعية في أوروبا وخاصة في إيطاليا وفرنسا تحوز على ما يناهز 40% من أصوات الناخبين. نتلو كل هذه الحقائق المعروفة لدى الكثيرين لنقول أن البشرية تعرفت على الإشتراكية مرة واحدة عبر تاريخها الطويل ألا وهي الإشتراكية التي بناها ستالين أو التي بناها الشيوعيون السوفييت بقيادة ستالين. في العام 1953 وصف الإتحاد السوفياتي بحق " حصن السلم والإشتراكية ". لقد كان ذلك الحصن الذي احتمت به كل حركات التحرر الوطني في العالم كله، هو الحصن الذي صممه وبناه ستالين لبنة لبنة بدماء ملايين الشيوعيين والعمال السوفييت.
الثاني ـ توافق أعداء الإشتراكية في داخل الإتحاد السوفياتي وفي خارجه، حيث هناك ماكينة إعلام رأسمالية إمبريالية جبارة، توافقوا على تقديم ستالين قاتلاً سفاحاً وصلت أعداد ضحاياه من الشعوب السوفياتية عشرات الملايين وبعضهم يقول خمسين مليوناً. العاملون في ماكينات الإعلام الرأسمالي يقبضون أجوراً خاصة لقاء تدبيج القصص التي تقبّح ستالين أما الذين يقبحون ستالين بلا أجور من مثل خروشتشوف وأيتامه فهم من طلائعي الطبقة الوسطى وجنرالات المجمع الصناعي العسكري في الإتحاد السوفياتي الذي بناه ستالين نفسه. لقد خاطر هؤلاء بمصائرهم في ظل دكتاتورية ستالين البروليتارية من أجل الإبقاء على وسيلة الإنتاج نصف البورجوازية متوهمين أن وسيلتهم نصف البورجوازية ستضمن لهم امتيازات لن يتمتعوا بمثلها بعد عبور الإشتراكية إلى المجتمع الشيوعي. ومن المفيد هنا أن نشير إلى أن البورجوازية تستخدم مختلف صنوف الأسلحة، الشرعية منها وغير الشرعية، ضد قوى الإشتراكية دفاعاً عن امتيازات جوفاء في الحقيقة حيث أن المجتمع الشيوعي سيحرر الرأسماليين أكثر مما يحرر العمال طالما أن نمط الإنتاج الرأسمالي يقيد الرأسماليين بمثل ما يقيد العمال وإن اختلفت طبائع القيود. ثمة شيوعيون كثيرون انحرفوا وراء خروشتشوف وسبب ذلك يعود فعلاً في معظمه إلى الصدقية الرفيعة التي بناها الحزب الشيوعي البولشفي خلال تاريخه الطويل 1922 ـ 1953 بقيادة ستالين. لم يميزوا بين صدقية حزب يقوده ستالين وحزب يقوده خروشتشوف فاصطفوا خلف خروشتشوف الذي لم يجرؤ على انتقاد ستالين نقداً حاداً إلا بعد أن قام، وبإشراف مباشر من المارشال جوكوف، بانقلاب عسكري وطرد جميع البلاشفة رفاق ستالين من المكتب السياسي للحزب في يونيوه حزيران 1957. استطرد المنحرفون وراء خروشتشوف في السباب على ستالين من قبيل الدفاع عن أخطائهم خاصة وقد رأوا فيه سبباً لعدم وصولهم إلى مراكز اجتماعية متقدمة كانوا يحلمون بالوصول إليها وضحوا بالكثير من أجل ذلك.
فوجئ البلاشفة رفاق ستالين في المكتب السياسي بنيكيتا خروشتشوف يلقي تقريره السري في الهيئة العامة لمؤتمر الحزب العشرين عام 1956 وكان ذلك خرقاً فاضحاً للأصول المتبعة التي كانت تقضي بإطلاع المكتب السياسي مسبقاً على كل التقارير التي يعدها الأمين العام وإقرارها قبل تلاوتها أمام الهيئة العامة لمؤتمر الحزب. هاجم خروشتشوف ستالين بادعاء أنه كان يمارس طقوس عبادة الذات وأنه كان دكتاتوراً مستبداً برأيه. ولعل إدعاء عبادة الذات تحديداً هو آخر إدعاء يمكن أن يقوم ضد ستالين دون سائر قادة العالم عبر التاريخ. إن أبرز خصائص ستالين هي إنكار الذات وقد تجاوز أبعد الخطوط المعروفة في إنكار الذات. يعلم رفاق ستالين ومن عاشوا بقربه أن ستالين كان " يعبد " لينين ومن يعبد شخصاً آخر فإنه بالطبع لا يعبد ذاته بالتأكيد بل يميل بالطبيعة إلى استصغار ذاته. احتفظ ستالين بصورة لينين فوق مكتبه طيلة حياته حتى رحيله عام 53، وكان حال وفاة لينين قد عمّم على الدوائر الرسمية في كافة البلاد السوفياتية عدم نزع صورة لينين الرسمية من مكاتب الدولة بل وعدم تعليق صورته كرئيس للدولة مكانها ولا حتى جانبها. وهو الذي أقسم فوق جثمان لينين أن لينين لن يدفن في التراب وسيظل يُزار من قبل كل التقدميين في العالم يستوحون تعاليمه الثورية لخير وتقدم البشرية. ولعل القليلين جداً يعلمون أن ستالين كان يعلق قناعاً لوجه لينين (face mask) يضيئه ليلاً فوق سريره وينقله معه حيثما سافر!! عبادة كهذه لا يمكن لأن تسمح بأي ممارسة لطقوس عبادة الذات حيث أنها تتناقض تماماً مع عبادة الآخر. كان في كل خطبة يلقيها يبدؤها بالقول .. " يعلمنا لينين إذ قال .. "، وفي المقابلة الصحفية الوحيدة التي قبل بإجرائها مع الصحفي والكاتب الألماني البارز إميل لودفيك، بعد وساطات كثيرة، اعترف ستالين، بعد أن حاصره لودفيك بسؤاله عن طموحه المتعلق بشخصه، بأنه يطمح لأن يكون تلميذاً نجيباً للينين، وعندما سأله الصحفي فيما إذا حقق هذا الطموح أجابه ستالين بتواضع شديد أنه ما زال نقطة في محيط اللينينية. من المؤكد أن خروشتشوف كان يعرف أنه يكذب في اتهام ستالين بعبادة ذاته وهو نفسه الذي لم يجد بذلة يعرض بها جثمان ستالين لمودعيه قبل دفنه غير تلك التي كان يلبسها يومياً والتي أمر هو نفسه بإرسالها إلى الخياط لإصلاحها لتكون مناسبة للعرض مما أخلّ بمواعيد تشييع الجثمان المعلنة. هو يعرف تماماً أنه يكذب بكل وقاحة وهو نفسه الذي صاح بأعلى صوته مع جميع قادة الدولة والحزب لدى احتفالهم بالنصر في قاعة الأعمدة في مطلع آب أغسطس عام 1945 طالباً شرب نخب ستالين .." مرحى للرفيق ستالين صاحب الفضل الأول في النصر! " أحجم ستالين عن شرب نخبه. صاح خروشتشوف مرتين وأحجم ستالين في المرتين عن شرب النخب وقال.. " أريد أن أصحح لكم أيها الرفاق.. صاحب الفضل الأول في الإنتصار هو الشعب الروسي " ورفع نخب الشعب الروسي هاتفاً .. " مرحى للشعب الروسي صاحب الفضل الأول في الإنتصار" ـ حدد ستالين الشعب الروسي دون سائر الشعوب السوفياتية، ومن المعروف أن ستالين ليس روسي القومية.
في وصية لينين الشهيرة إلى قيادة الحزب وقد تليت في أجتماعها الكامل الأول بعد رحيل لينين وبحضور تروتسكي، حذّر لينين مما وصفه بفظاظة ستالين بعد أن فضله على تروتسكي (قليل البولشفية) لقيادة الحزب ومنبهاً بذات الوقت إلى أن الأمين العام لحزب البلاشفة يجب ألا يكون فظاً ووجوب الإطاحة بستالين إذا ما استمر فظاً. حال قراءة الوصية اعترف ستالين بفظاظته وأكد بأنه لن يتخلى عن فظاظته في وجه أعداء الحزب وقدم استقالته. جميع أعضاء القيادة بمن فيهم تروتسكي رفضوا الاستقالة وقرروا الاحتفاظ بالوصية سرية ومكتومة. في العام 27 أعاد تروتسكي التذكير بوصية لينين ومرة أخرى قدم ستالين استقالته. السعار الذي أصاب أعداء ستالين والاشتراكية لم يسمح لأي منهم أن يذكر بأن ستالين كان قد قدم استقالته من الأمانة العامة للحزب عدة مرات ـ لا أحد يعلم ما دار من حديث بين وفد المكتب السياسي للحزب برئاسة مولوتوف وبين ستالين مختبئاً في منزل شقيقة زوجته في جنوب روسيا في 25 حزيران 1941. كان ستالين يقدر أن هتلر لن يخرق ميثاق عدم الإعتداء الموقع معه في أيلول سبتمبر 39 ويعتدي على الإتحاد السوفياتي قبل كانون الثاني يناير 1942 بالرغم من أن سكرتير السفارة الألمانية في طوكيو ريتشارد زورغه كان قد أكد في برقية له للإستخبارات السوفياتية في مطلع حزيران أن هتلر يحضر للعدوان على الإتحاد السوفياتي في 22 حزيران تحديداً. وعندما وقع العدوان في 22 حزيران 41، أي قبل ستة أشهر مما قدر ستالين أحسّ ستالين بجسامة خطئه وبخطورة تداعياته على الإتحاد السوفياتي ولذلك اعتبر نفسه يستحق المحاكمة فهرب متخفياً لأنه يعلم تماماً بأن أحداً في قيادة الحزب لن يجروء على المطالبة بمحاكمته. ما كشف عنه مولوتوف مؤخراً هو أن ستالين رفض بقوة في 25/6/41، أي بعد العدوان الهتلري بثلاثة أيام، رفض العودة إلى إشغال مركز القيادة في الإتحاد السوفياتي إلا أن وفد اللجنة المركزية وضعه أمام مسؤولياته مؤكدين له أن اعتزاله مركز القيادة من شأنه أن يلحق أضراراً فادحة بالوطن قد تصل إلى خسارة الحرب وأنهم لا يستطيعون بدونه إدارة الدولة كما إدارة الحرب. في العام 1952 أعلن ستالين تقاعده بسبب تقدم السن أمام الهيئة العامة للموتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي السوفياتي إلا أن الهيئة العامة وبالإجماع رفضت طلبه مرتين متتاليتين. لكن لماذا حرص الإعلام المعادي بخبث متناهٍ على طمس كل ذكر لاستقالات ستالين المتكررة من مركز القيادة؟ إن أي دكتاتور فرد يمتلك مشروعاً ذاتياً يخص شخصه وشخوص عائلته لا يستقيل على الإطلاق، وعليه فإن أي ذكر لاستقالات ستالين المتكررة تطيح بصدقية كل الدعايات المعادية.
إن أي دراسة دقيقة وأمينة لمجريات حياة ستالين لن تجد فيه فقط أقوى قائد ظهر في التاريخ ورجل دولة من طراز رفيع يبز قرينيه روزفلت وتشرتشل فطنة ودهاء، ورئيساً نهض ببلاده نهضة لا نظير لها وقائداً عسكرياً فذاً تمكن من سحق هتلر وألمانيا النازية وكل الفاشية الأوروبية، لن تجد فيه كل هذا الذي وجدته الموسوعة البريطانية فقط، بل ستجد ما هو أرفع من كل هذا، ستجد فيه راهباً بولشفياً كرس كل حياته لخدمة الرسالة الماركسية اللينينية. كان والداه قد أرسلاه إلى المدرسة الإكليركية الأرثوذوكسية حين لم يتجاوز سنه الرابعة عشرة ليكون راهباً يخدم الكنيسة لكن الفتى يوسف وجد في الدير أن السلام على الأرض والمسرة في الناس لن تأتي من الله الممجد في السماء بل من الثورة الإشتراكية كما رسمها كارل ماركس. طرد من المدرسة لقاء ذلك ليبدأ حياة النضال كبلشفي يخدم الثورة ويتتلمذ على يد لينين. من يتتبع حياة ستالين يوماً بيوم لن يجد إلا حياة الراهب البولشفي الذي هجر الحياة بكل متاعها ومباهجها وكرس كل حياته يوماً بيوم وساعة بساعة للمشروع اللينيني للثورة الإشتراكية. لقد أوصى لينين ستالين بأن يحافظ على مشروعه الإشتراكي مهما كلف الأمر فكان راهب البولشفية ستالين أرفع من كل ما طمح إليه لينين واستطاع أن يسلّم خلفاءه لدى رحيله في آذار مارس 1953 حصناً حصيناً للسلم والإشتراكية تحيطه آفاق مفتوحة أمام البشرية لتحقيق كل تقدم تطمح إليه.
ليس في تاريخ هذا الراهب البولشفي ما يخجل منه أشرف الشرفاء. كان الأمين العام للحزب والرجل الأول في الإتحاد السوفياتي ومع ذلك ظل يقوم بأعماله راجلاً ولم يستخدم السيارة قبل العام 1928 حين ألزمه الحزب استخدام السيارة بعد محاولة إغتياله قام بها أنصار تروتسكي، وظل يسافر في القطار يطوف المدن والقرى في الجمهوريات البعيدة ما بين 1929 و 1933 يحض الفلاحين على المساعدة في تأمين الخبز للعمال في المدن. يشن الإعلام المعادي حملة حاقدة على ستالين لأنه وجه ضربة قاضية لأغنياء الفلاحين 1929 ـ 1932. تآمر الفلاحون الأغنياء لهزيمة الدولة السوفياتية بعد أن فشلت كل الحملات العسكرية والمؤامرات الرجعية في ذلك. عمل هؤلاء المتآمرون لتحقيق مؤامرتهم عن طريق تجويع الشعب والعمال في المدن فقابلت الدولة ذلك بمصادرة الأراضي التي تزيد عن طاقة العائلة في الفلاحة حيث منعت الدولة العمل المأجور وهجّرت العائلات المعارضة لتلك الإجراءات إلى سيبريا حيث قام هؤلاء المتآمرون المهجرون ببناء مدن كبيرة وحديثة هي اليوم مراكز حضارية تبعث على الفخار. ثم يتغافل الأعداء الذين صنعوا من الفلاحة الجماعية قميص عثمان، يتغافلون عن حقيقة أن الإشتراكية إنما هي محو الطبقات، وطبقة الكولاك كانت تستحق المحو. وما يزيد من سعار هؤلاء الأعداء هو أن التحول إلى الفلاحة التعاونية الجماعية كانت أجرأ خطوة نحو استكمال التحول الإشتراكي. بل إن الفلاحين التعاونيين اليوم هم من أوائل الذين يطالبون بالعودة إلى النظام الإشتراكي.
يرتفع زعيق الإعلام البورجوازي المعادي ليدين ستالين شخصياً فيما سمي بِ " التطهير الأعظم " (Great Purge) 1936 ـ 1938 بالإشارة إلى تطهير الحزب من معارضي الخط اللينيني في البناء الإشتراكي، فما الذي حدث في سنوات 1936 و37 و 38 وأي رعب تحكي عنه ماكنات الإعلام الإمبريالي؟
بعد أن عجزت الرأسمالية الإمبريالية العالمية في أن تلغي مشروع الثورة الإشتراكية العالمية اللينيني من أجندة القرن العشرية مستخدمة كل أدواتها القذرة بما في ذلك إرسال جيوشها إلى داخل الإتحاد السوفياتي لقتال الشيوعيين، عمدت إلى تربية النازية في ألمانيا مستخدمة قصورها في السباق الإمبريالي. الامبرطوريتان الإستعماريتان إنكلترا وفرنسا، وخاصة إنكلترا، جهدتا في تحييد الإشتراكيين الألمان، وهم موئل خيانة الطبقة العاملة منذ كاوتسكي وبيرنشتاين، في مواجهة النازية في ألمانيا مما تسبب في فوز حزب هتلر في انتخابات 1933 وما تلاه من هجوم على الشيوعيين الألمان. كان ستالين يدرك تماماً أن دفع ألمانيا على طريق النازية إنما يستهدف الإتحاد السوفياتي الذي يقود الثورة الإشتراكية في العالم وقد تجلى ذلك في مؤتمر ميونخ 1938 وفيه تكرم رئيس وزراء بريطانيا تشيمبرلن ورئيس وزراء فرنسا دالادييه بتكريم هتلر بامتيازات ليست في الحسبان ومنها إقتطاع منطقة السوديت من تشيكوسلوفاكيا كهبة لهتلر واعترافهما باحتلال النمسا وضمها إلى ألمانيا. إزّاء مثل هذه المؤامرة الكبرى ترتب على الحزب الشيوعي السوفياتي أن يطهر صفوفه المتقدمة كتأهيل لها لمواجهة وحوش النازية المعبأة حقداً وكراهية لكل ما هو اشتراكي.
فيما بعد طرد تروتسكي من الحزب ثم من الإتحاد السوفياتي، إنتهج كل من جريجوري زينوفييف وصهره ليف كامينيف اليهوديان نهج تروتسكي اليهودي أيضاً في الإقطاع السياسي وأدارا محافظة لينينغراد كإقطاعية تعود إليهما. بعد أن استطاعة اللجنة المركزية بقيادة مولوتوف من إزاحة الرجلين عن قيادة الحزب في لينينغراد تكشف في التحقيق أن لهذين القائدين في الحزب الشيوعي دوراً رئيسياً في اغتيال الزعيم الشيوعي المرموق، رفيق ستالين والرجل الثاني في الحزب، سيرجي كيروف. حوكما وأدينا بجريمة التآمر على الحزب والدولة وتم تنفيذ الحكم بإعدامهما في أغسطس آب 36. وفي العام 37 حاك رئيس هيئة أركان الجيش الأحمر ميخائيل توخاتشيفسكي، وهو بطل الحرب الأهلية، مؤامرة إنقلابية تطيح بالحزب وبالدولة السوفياتية والمفاجئ أن توخاتشيفسكي استطاع أن يضم إلى صفوف المتآمرين كل كوادر القيادة من الرتب العالية وقد تجاوز عددهم ثلاثة آلاف ضابط وقد ساعده في ذلك المركز والصيت الرفيعين اللذين اكتسبهما بفعل مساهمته الكبيرة في الحرب الأهلية. تمت محاكمة هؤلاء المتآمرين بصورة سريّة بخلاف كل المحاكمات الأخرى نظراً للمعلومات العسكرية الهامة الواردة فيها. اعترف المتآمرون بأن إنقلابهم العسكري المبيت كان سيجري بالتنسيق مع هتلر. أدين هؤلاء العسكريون وجرى إعدامهم جميعاً. وفي العام 38 تعاظم نشاط نيقولاي بوخارين ورفيقه أليكسي ريكوف ضد سياسة الحزب. كان بوخارين وريكوف عضوين في المكتب السياسي للحزب وعارضا بقوة سياسة الفلاحة التعاونية والتصنيع السريع لاعتقادهما أن تحديث وتطوير الزراعات الفردية من شأنه أن يدعم الإقتصاد الإشتراكي ويساعد في تقدمه. كان قد أدين هذا الشخصان بمحاكمة علنية في مطلع الثلاثينيات واعترف كلاهما بخطئه وتم العفو عنهما واستأنفا نشاطيهما في الحزب والدولة. وصل الأمر بهما في عام 38 إلى الإتصال بهتلر والتآمر معه على سلامة الدولة. قبل صدور الحكم عليهما بالإعدام ألقى بوخارين خطبة تاريخية يعترف لأول مرة بجريمته ويؤكد أن حكم الإعدام سيكون أقل مما يستحق.
اليوم ينظر عامة الناس إلى كل تلك المحاكمات والإعدامات بنظرة الريبة والهول وهم ليسوا ملامين على ذلك لأنهم غير قادرين على تصور دموية الصراع الطبقي الذي جرى منذ ربيع 1918 حين رفعت جميع الأحزاب في روسيا السلاح بوجه البلاشفة، بقصد إبادتهم أكثر منه استعادة السلطة من بين أيديهم القوية، وحتى نهاية حرب فيتنام 1974. في الحرب العالمية الثانية كانت تصل خسائر الجيش الأحمر في معركة واحدة إلى ما يزيد على نصف مليون جندي. الرأسمالية المتوحشة هي التي أوصلت الصراع لمثل ما جرى من تقتيل ودمار في حروبها الكبرى كما في حروبها الصغرى. لم يتوان البلاشفة في الدعوة للسلم والتطور السلمي للمجتمعات استناداً إلى مبادئهم الأولية، إلا أن الرأسماليين يعلمون جيداً أنه لا يتم لجم التاريخ إلا بالسلاح.
برر ستالين ما يوصف ب " التطهير الأعظم " للصفوف الأولى في الحزب والدولة كونه شرطاً لازما لانتصار الاشتراكية على النازية والفاشية الأوروبية. لا يمكن لكائن من كان دحض تبرير ستالين خاصة وأن الحلفاء الغربيين لم يحاربوا ألمانيا إلا في معركة جانبية عديمة الأهمية هي معركة العلمين في شمال أفريقيا أما قتالهم فيما بعد 6 يونيوه حزيران 1944 فلم يكن أكثر من القدوم إلى بوتسدام لاقتسام الغنائم كما وصف ستالين ذلك مخاطباً تشرتشل في نفس مؤتمر بوتسدام. على الذين يهاجمون ستالين بسبب " التطهير الأعظم " أن يشرحوا لنا كيف سيكون خيراً للبشرية انتصار هتلر واستعباده البشرية جمعاء من واشنطن وحتى لندن وباريس وموسكو لألف عام كما اقتضى إعلان الرايخ الثالث بغير " التطهير الأعظم "!! فشلهم في هذا يؤكد أن عليهم أن يتوقعوا قرف البشرية من سحناتهم التي تفيض كذباً ورياءً. يكذبون بوقاحة مفضوحة، يهاجمون ستالين وهو الذي لم يوقع على أمر إعدام أحد حيث أنه لم يشغل أي منصب في الدولة بعد رحيل لينين قبل عام 1941. جميع أحكام الإعدام كانت تأخذ صفة القطعية بتوقيع مولوتوف رئيس الوزارة منذ 1929 وحتى 1941. ما يؤكد كذب ونفاق أعداء ستالين هو أن هالة الرجل الطيب تحيط بفياتشسلاف مولوتوف في الإعلام الغربي وبالمقابل يرسمون بريشة الضغينة الهالة الشيطانية حول ستالين وهو الذي حررهم من شياطين النازية والهتلرية ولعل تشرتشل يدرك أكثر من غيره فضل ستالين هذا وهو الذي تضرع إليه باكياً من أجل فك طوق الحصار عن الجيوش البريطانية والأميركية في جبال الآردنز في الشمال الغربي من فرنسا، الحصار الذي هدد عدداً من جيوش إنزال النورماندي بالفناء التام.
في الإعلام الغربي، الذي كسب العديد من الثرثارين شيوعيي البورجوازية الوضيعة، يضطرون إلى الكذب الوقح لسبب لم يفطن له ربما شيوعيو البورجوازية الوضيعة وهو أنه يستحيل أن تسوّد صفحة الإشتراكية دون أن تسوّد صفحة ستالين. ستالين هو الباني الوحيد للإشتراكية التي عرفتها البشرية في الإتحاد السوفياتي ولم تعرف غيرها. أن تسب ستالين فذلك يعني أنك تسب الإشتراكية. ولن يستطيع أحد أن يعترض على صحة هذه المعادلة قبل أن يثبت أن ثمة اشتراكية أخرى قامت في العالم غير تلك التي بناها ستالين في اتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفياتية وليس هذا في التاريخ.
ستالين السفاح الذي فتك بأعداء الإشتراكية بنى " إمبراطورية الطفل " كما وصف الزوار الإتحاد السوفياتي في الخمسينيات وبنى " مملكة المرأة " حيث تمتعت المرأة السوفياتية بامتيازات شتى في مختلف الحقول لم تعرف مثلها إمرأة أخرى في العالم. كيف لأحد لم يفقد بصره وبصيرته أن يصدق أن ستالين لم يكن حادي ركب الإنسانية؟! لقد كان حقاً البولشفي والتلميذ النجيب للينين. شعار " أنسنة الإشتراكية " الذي رفعه شيوعيو البورجوازية الوضيعة بعد غورباتشوف ينطبق على خروشتشوف ومن خلفه فقط فالاشتراكيه السوفياتية قبلهم كانت تفيض إنسانيةً.
ظل ستالين يكرر حكمته التي تقول .. " الحقيقة تحرسها جيوش جرارة من الأكاذيب " . أن ننتصر للإشتراكية يعني فقط أن نعيد لستالين وجهه المشرق أبداً. سجف غيوم الحقد الأسود لن تحجب نور الشمس عن ربيع الإشتراكية.
فـؤاد النمـري
www.geocities.com/fuadnimri01