عندما سالت الدماء فى غزة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكن القول أن حركة حماس حققت بقوة السلاح في قطاع غزة مالم تستطع تحقيقه سياسيا. فالصراع المُر على السلطة في المناطق الفلسطينية المحتلة المجزأة بدأت نُذره حين، ظلت حماس تضع قدما في السلطة وأخرى في المعارضة ومتشبثة بمواقفها الأيدلوجية، رافضة بشدة القبول بالاتفاقات الدولية او التزحزح قيد أنملة في موقفها الرافض الاعتراف بشكل صريح بإسرائيل.
كما ساهم الحصار الاقتصادي على الحكومة التي تقودها حماس من قبل المجتمع الدولي في تآكل المؤسسات الفلسطينية القائمة وانهيار مقومات الدولة في المناطق الفلسطينية المحتلة عموما وعلى وجه الخصوص في قطاع غزة.ولأحداث غزة تداعيات خطيرة، على القضية الفلسطينية فاولا، لقد دمّرت احداث غزة واستيلاء حماس المسلح عليها، الآمال بإمكانية قيام دولة فلسطينية. فقد قسَّموا الضفة الغربية وغزة إلى إدارتين متناحرتين، وأظهروا عجز الفلسطينيين على حكم أنفسهم بأنفسهم، وحفروا في قلب منطقة الشرق الأوسط خندقا تتمترس فيه حركات متطرفة، ولا أحد يتجرأ في الوقت الحالي على الحديث عن خارطة الطريق، والدعوة لتدخل القوات الدولية هو أمر غير واقعى. حيث المثال اللبناني يوضح لنا، أن قوات حفظ السلام الدولية، يمكن أن تصبح بلا حول ولا قوة في مواجهة المليشيات المسلحة.
وبغض النظر عما سيخلص إليه الصراع في غزة، فلا يوجد في نهاية المطاف منتصر. والأسوأ في هذا كله، أن الضحية الأولى لكل ما يجري هي المؤسسات الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية، وبدلا من السلطة الشرعية التي تأتي عبر انتخابات حرة، لدينا الآن فوضى السلاح، ونحن نشهد الآن انهيار الديمقراطية التي تم الاحتفاء بها كنموذج في المنطقة العربية. ولتحتفل حماس بنصرها الملطخ بالدم إن أرادت، لكن دون أن يغيب عنها أن مشروعية وعدالة القضية الفلسطينية برمتها، قد تكون ضحية لدوامة العنف هذه.
ثانيا، الانطباع العام الذى وصل الى حد قناعة المجتمع الدولى، إن تأكيد إسماعيل هنية على أن حركته لا تنوي إقامة دولة في قطاع غزة، يتعارض مع حقيقة أن حماس المتعطشة للسلطة قد بدأت ومنذ وقت طويل في تطبيق "النموذج الطالباني" باستخدام القوة. كما ان الخطاب السياسي/ الإعلامي الذي ظهر به بعض قادة حماس في الأيام الماضية، يشير الى طبيعة نوايا الحركة. فقد أعلن احد المتحدثين بإسم حماس بأن "عصر العدالة وسيادة الإسلام قد بدأ"، بينما ذهب ممثل قيادي أخر في الحركة الى ابعد من ذلك حينما وصف سيطرة حركته على قطاع غزة بأنه " التحرير الثاني"، لقطاع غزة، على إعتبار أن التحرير الاول كان بخروج القوات الإسرائيلية من القطاع عام 2005، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يعيد زحف حركة حماس نحو السلطة وبسط نفوذها فيما يبدو وكأنه وضع اللبنات الأساسية الأولى "لدويلة إسلامية متطرفة" في قطاع عزة، وهو ما يعيد ظروف قيام الثورة الإسلامية في ايران عام 1979 الى الأذهان.
ثالثا، أن هذا الأمر يقود المجتمع الدولى، إلى استنتاج مفاده أن منطقة الشرق الاوسط،، قد تكون على عتبة تحول فاصل فيما يتعلق بالصراع على السلطة بين القوى المتطرفة من جهة والقوى المعتدلة المستعدة للقبول بالحلول الوسطية من جهة أخرى. وأن نصر حماس كان بكل بساطة كارثة وعلامة تنذر بنهاية محادثات السلام مع الإسرائيليين، وعزلة دولية مطولة، وحكما قمعيا قادما على يد زمرة من المتطرفين ذوي الفكر الضيق المحدود، والمستعدين لإنزال عقوبات قاسية بحق الجميع: النساء والعلمانيين والليبراليين الذين لا ينسجمون مع إيديولوجية الحركة المتعصب.رابعا، هناك احتمال كبير لهجوم اسرائيلى على قطاع غزة، فصحيفة التايمز اللندنية نقلت عن مصادرها، إن وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد إيهود باراك يخطط لهجوم على غزة في غضون أسابيع لسحق مسلحي حماس بعد سيطرتهم على القطاع. وتقول الصحيفة، مستشهدة بمصادر عسكرية إسرائيلية بارزة، إن الخطة تشمل 20 ألفا من القوات البرية بهدف تدمير أغلب القدرات العسكرية لحماس خلال أيام. وتشرح الصحيفة بالرسوم والأرقام خطة مفترضة على ثلاثة "مستويات" تشمل استخدام طائرات بدون طيار من على ارتفاع 10 آلاف قدم لضرب صواريخ تستهدف القادة المسلحين، ثم مقاتلات إف-16 على ارتفاع ألفي قدم لدعم القوات البرية، فضلا عن مروحيات على ارتفاع 100 قدم لتوجيه صواريخ وتحريك القوات. ويتزامن ذلك مع 20 ألفا من القوات الخاصة على الأرض لمهاجمة غزة من كافة النواحي، بحسب الصحيفة، فيما يدير قائد المنطقة الجنوبية، الجنرال ألوف يوآف جالانت، الهجوم من خندقه على الحدود مع غزة. وتنقل الصحيفة، عن مصدر بوزارة الدفاع الإسرائيلية القول "لقد نجحت إيران في زرع فرقة إيرانية إلى الشمال (قاصدا حزب الله) والآن بات لها موطئ قدم في الجنوب متمثلا في حماس". وتنقل الصحيفة عن مساعدين مقربين من إيهود باراك القول "لن تتحمل إسرائيل وجود حماستان على بوابتها الخلفية.
ان اسرائيل مسئولة بشكل كبير عما حدث فى غزة، والدليل على ذلك التقرير الذي نشرته صحيفة الغارديان والذي اعده مبعوث الامم المتحدة السابق إلى الشرق الاوسط الفارو دي سوتو حول الاوضاع في غزة والاراضي الفلسطينية، فتقول إن جزء كبيرا من المسؤولية عن الاحداث التي يشهدها القطاع حاليا يقع على عاتق المجتمع الدولي بسبب اصراره على مقاطعة الحكومة الفلسطينية التي تترأسها حماس وقراره بفرض حصار شامل على المناطق الفلسطينية. وتقول الغارديان إن الشروط التي وضعها المجتمع الدولي من خلال الرباعية الدولية لفك الحصار صيغت بشكل لا يمكن لحماس ان تقبلها مهما كان الثمن حيث سيعني قبولها تخلي الحركة عن هويتها كحركة سياسية اسلامية ناهيك عن خسارتها لعمقها الجماهيري.
وتقول الصحيفة إن شروط الرباعية احتوت على الكثير العصي وقليل جدا من الجزر، ونتيجة لذللك حكمت الرباعية على حكومة الوحدة الوطنية بالفشل. ولكن حماس لم تغير من سياستها.
فإسرائيل تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية الظروف المأساوية التي يمر بها قطاع غزة، الذي اضحى اشبه بالسجن الكبير. و إسرائيل، بوصفها السجان، تتحمل مسؤولية ما يجري داخل هذا السجن.
د. عبدالعظيم محمود حنفى
خبير الدراسات الاستراتيجية القاهرة