أصداء

المغاربة الهولنديون و مسألة الاندماج

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ما من شك أن المغاربة لعبوا دورا أساسيا في بلورة الحياة الاقتصادية في هولندا، و أسسوا قاعدة مهمة في الهرم السكاني. لكن هل نجحوا في تجاوز إشكالية الاندماج و اكتساب هوية الآخر؟
تشكك أغلب الدراسات و التقارير الهولندية، في قدرة المغاربة على المشاركة في الحياة الثقافية و الاجتماعية، و تفاعلهم الايجابي مع بنية المجتمع الهولندي. ويمكن الاعتماد على الإعلام كمقياس لاستطلاع الرأي العام الهولندي بهذا الخصوص. حيث تتطرق وسائل الإعلام، و بشكل شبه يومي للأخبار و السلوكيات المؤسفة التي تصدر عن المغاربة الهولنديين. فنادرا ما نسمع أو نقرأ ما هو إيجابي حول هذه الفئة، التي أصبحت في نظر بعض الأحزاب السياسية اليمينية فيروسا خطيرا لا بد من اجتثاثه. كان آخرها تناول وسائل الإعلام لأحداث الشغب، التي حصلت بملعب (فيلم الثاني) بمدينة تولبرخ جنوب هولندا، بطريقة عنصرية استغلها حزب (من أجل الحرية) بقيادة خيرت فيلدرز لتشويه صورة الشباب المغربي الهولندي.


وهناك من الخبراء من يعتبر أن خطط الدولة في مسألة الاندماج، لا تفتقد البدائل الممكنة لرؤية مستقبلية فحسب، بل تفتقد تخطيطا استراتيجيا ناجعا لضمان نجاحها. فالمشكلة نابعة في الأساس من الكواليس الرسمية للدولة.


تشكل هذه القضية هاجس الدولة الهولندية، إذ تحاول بكل ثقلها استعمال جميع الوسائل الممكنة للوصول إلى أفضل حالات الاندماج، لكنها ترمي باللائمة في فشلها على المهاجرين المغاربة، و خاصة الجيل الثاني، الذي تعتبره نتاجا سيئا لتربية الآباء. و تجدر الإشارة هنا إلى التفاوت الكبير بين الجيلين، مما يخلق صعوبة في التواصل، فجيل الستينات و السبعينات ليس هو جيل اليوم، ذاك مازال يحلم بالعودة، و بالتالي لا يهتم كثيرا بالاندماج، مما ينعكس سلبا على هذا الذين يعتبر هولندا بلده الأم، و لقد أدى هذا إلى تشكيل لوحة دراماتيكية شارك فيها الجميع.


إذ كثيرا ما يحدث صدام بين الآباء و الأبناء، نتيجة ضغوط تقاليد الأسرة المغربية من جهة و التكيف مع أعراف المجتمع الذي يعيشون فيه من جهة ثانية، وقد لا يفهم الآباء خيارات أبنائهم، ويعتبرونها خروجا عن الطوق. مما يولد بركانا قابلا للثوران في أية لحظة.


المرأة المغربية داخل المجتمع الهولندي
ينظر المجتمع الهولندي إلى المغاربة على أنهم يعيشون في مجتمع ذكوري متسلط، يتسبب في تعطيل قطار اندماج المرأة - التي يتصورها أكثر قابلية من الرجل لمسألة الإندماج - و يجردها من حقوقها التي خولتها لها الدولة الهولندية.
و من تم ندرك سبب الهجوم المتكرر من طرف وسائل الإعلام على المغاربة التي تصفهم بالمتخلفين و المتوحشين.ونحن إذ نشجب هذا، لا ننكر بالطبع الحالات الشاذة التي تقوم بقمع المرأة، و التعدي على حقوقها المكتسبة بل حرمانها كليا منها، و ممارسة أبشع أنواع التعسف ضدها في مجتمع متحضر من المفروض أن تعامل فيه المرأة ب(قدسية).


مثلا استعمال الآباء و سائل زجرية متخلفة، كفرض قيود قمعية على فتياتهم و ذلك بإقصائهن من الحياة الاجتماعية و التربوية و الثقافية...بدعوى عدم الاختلاط، وفي أغلب الأحيان يجبرونهن على الزواج المبكر، و هذا لا يأتي إلا بالسلب على نفسيتهن.


النزعة الذكورية و المرأة المغربية المتزوجة
من خلال تواصلي ببعض النسوة المغربيات، اطلعت على قصصهن مع أزواجهن التي تحجب خلفها أكداساً من البؤس والشقاء، مما ينعكس سلبا على الإستقرار الأسري و نظرة الآخر إلى المجتمع المغربي كمجتمع متخلف رجعي. و لعل في هذه القصة الموجزة ما لا ينفي ذلك.
أمينة 48 سنة مثال صارخ على الوضعية الأسرية التي تعيشها المرأة المهاجرة في هولندا. أمينة تزوجت برجل عاش جل أيامه في المغرب، ساعدته على الإلتحاق بها عن طريق التجمع العائلي، لكن للأسف و بعد انتظار طويل حسب روايتها أصبحت تتعرض لضغوط نفسية وبدنية من طرفه، لا لشئ سوى إثبات تفوقه الذكوري. مما دفعها لطلب الطلاق مرات عدة، و التراجع عنه في آخر لحظة خوفا من نظرة المجتمع المغربي لها كمطلقة. و هذا ما جعلها تعيش في كابوس لم تستيقظ منه لحد الآن.
هذا نموذج شاذ لا يمثل الكل بقدرما يمثل حالات منفردة. لكن للأسف يتم تعميمه من طرف الهولنديين على كل المغاربة، مما يزيد من جراحهم و يمدد عزلتهم.


الحالة العامة للمهاجرين
إن المعاناة الاقتصادية و الاجتماعية و حالة التهميش التي تشهدها أحياء المهاجرين، قد ساعدت في خلق قلق دائم لدى هذه الفئة، بين الاحتفاظ بثقافتها، و بين التأقلم مع البنية الثقافية والاجتماعية في هذا المجتمع الجديد. إذ تعتبر هذه الأحياء عقبة أمام الاندماج، باحتوائها مؤسسات تعليمية و اجتماعية مستقلة عن المجتمع الهولندي، مما يخلق المزيد من الحواجز بين الطرفين. بل يعتبرها العديد من المحللين السبب الرئيسي الكامن وراء نمو التيار المتطرف في هولندا، خصوصا بعد مقتل المخرج الهولندي ثيو فانخوخ على يد محمد بويري أحد أعضاء (جماعة العاصمة) المتكونة من شباب مغاربة راديكاليين.


فمنذ هجمات 11 سبتمبر، أصبحت الدولة الهولندية متوجسة و محتاطة من الخطر الإسلامي، حيث تبنت سياسات صارمة لمعالجة شؤون المسلمين بعيدا عن التأثير الراديكالي، مما دفع بالإعلام الهولندي إلى شن حملات منظمة ضد الإسلام و المسلمين بمباركة بعض الأحزاب السياسية، التي تدعو إلى خلق إسلام أوروبي يتقمص الصيغة العلمانية. ونتيجة لهذه الحملات ابتعد المجتمع الهولندي عن كل ما هو إسلامي بدافع الإرهاب، مما ساعد على ظهور جيتوهات يصعب معها تنفيذ خطط الاستيعاب.
كما أن عدم إتقان اللغة من بين معوقات الاندماج، فضعف وسيلة التواصل يسبب نوعا من الانطواء و العزلة، خصوصا للوافدين الجدد الذين يجدون مشاكل جمة في التعامل مع اللغة الهولندية باعتبارها واحدة من أصعب اللغات.


رهان التعددية الثقافية بين الفشل و النجاح
رغم الفرضية السلبية التي يؤمن بها المجتمع الهولندي اتجاه الجالية المغربية. فإن هناك من الشباب من استطاع تخطي كل العقبات، ليبرهن على إمكانية التعدد الثقافي، من بين هؤلاء:
عبد القادر بنعلي، أحد أبرز الكتّاب الجدد من ذوي الأصول المغربية في هولندا. ولد سنة 1975. حصل على جائزة "ليبريس"عن روايته ldquo;ما تنتظره طويلاًrdquo;، و هي أهم جائزة أدبية في هولندا، كما حصل على جائزة أهم رواية أجنبية تترجم إلى الفرنسية.
مصطفى ستيتو من مواليد تطوان سنة 1974 يعتبر أحد أهم الشعراء الهولنديين فاز بجائزة ( ف س ب) (vsp) عن ديوانه (بطاقات بريدية وردية اللون كجلد الخنزير) الذي صدر سنة 2003 وهي من أهم الجوائز الأدبية.


هناك كذلك من المغاربة الهولنديين من دخل النجومية من بابها الواسع عبر السينما. من بين هؤلاء ميمون أوعيسى، الذي فتح صفحة جديدة للمغاربة الهولنديين من خلال فيلمه "شوف شوف حبيبي" الذي حقق أعلى نسبة للزوار في تاريخ السينما هولندية.
كما لا ننسى الممثلة المغربية الهولندية الجنسية مريم حسوني التي حصلت على جائزة من جوائز أكاديمية ( إيمي- أوارد) عن الفيلم التليفزيوني الهولندي "Offers" حين تقمصت شخصية "ليلى" الفدائية الفلسطينية.
على الرغم من وصول بعض المغاربة لقمة النجومية في هولندا و تخطيهم تحديات الاندماج، محتفظين بالخلفية الثقافية المغربية،إلا أن بعض الأحزاب يعتبرون أن رهانات الخطط المطروحة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المهاجرين ما زالت بعيدة المنال. فالاندماج الذي أمكن تحققه لحد الآن هو الاندماج المدني و المواطني، وليس الاندماج الثقافي و الاجتماعي. و قد ذهبوا إلى تأكيد التفكير في وضع استراتيجية جديدة للاستيعاب الكلي و الشامل، حفاظا على الهوية الهولندية من الشوائب. بينما يدعو آخرون إلى ضرورة التأقلم مع الثقافات المختلفة، والاستئناس بالتعددية و الالتفات إلى مسائل أخرى أكثر تعقيدا و خطورة.
و قد أدركت الدولة مؤخرا أن عملية الاندماج، هي مهمة تقع على عاتق كل مكونات المجتمع. و لإنجاحها لابد من الاهتمام بجميع مجالات الحياة، الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية، و هذا ما يتبدى واضحا في سياستها الحالية.

زويريق فؤاد
كاتب مغربي مقيم بهولندا
s_zouirik@hotmail.com

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف