انقلاب حماس في غزة وخزة موجعة في قلب فلسطين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حين تولت حركة حماس المتطرفة قيادة الحكومة الفلسطينية ارتفعت الأصوات المعتدلة في العالم تطالب قادة الحركة بالتخلي عن مواقفهم السياسية والأيديولوجية المتصلبة وغير العملية بغرض ضمان التعاون مع السلطة الفلسطينية التي تقودها حركة فتح، فضلاً عن ضمان المضي في مسيرة السلام مع الإسرائيليين. انتظر الكثيرون اعتدالاً حماسياً يقوم على المعطيات الوطنية والإقليمية والدولية التي فرضت واقعاً رفض التطرف وقبل بالاعتدال، ولكن هيهات. طال الانتظار أياماً وشهوراً وسنيناً، ولم تغير حماس من مواقفها المتطرفة. كانت النتيجة السلبية تتركز في نقطيت الاولى أن توقفت عجلة التنمية البطيئة في الأراضي الفلسطينية القابعة في فقر مخيف بعدما أوقف المجتمع الدولي دعمه المالي عن الفلسطينيين، والثانية أن ماتت عملية السلام التي رأى البعض فيها أملاً في سلام دائم في المنطقة. بالطبع لم تقتصر سلبيات حكومة حركة حماس على موت عملية السلام وتوقف عجلة التنمية، ولكنها امتدت لتشمل عملية تقنين التواجد المسلح لرجال الحركة في الشارع الفلسطيني، حتى أصبح رجال حماس المسلحين يشكلون التحدي الأكبر للأمن الوطني والسلام الإجتماعي في الأراضي الفلسطينية وبخاصة في قطاع غزة.
كان امتناع حركة حماس عن إدماج مسلحيها في قطاعات الأمن الفلسطيني يعكس رغبة محمومة منها في إحكام نفوذها وسيطرتها على قطاع غزة عبر تطويع رجالها واستخدامهم في تحقيق أهداف الحركة السياسية والامنية. ولقد سعت العديد من الدول وعلى رأسها مصر والسعودية و الأردن وقطر للوساطة بين حركتي فتح وحماس بغرض تحقيق التوازن بين مسلحي حركة حماس وقوات الأمن الفلسطينية التي تخضع لسيطرة حركة فتح منذ أن تشكلت وحدات الأمن الفلسطيني بعيد اتفاقات أوسلو، ولكن كل هذه الوساطات باءت بالفشل بسبب تعنت حماس ورغبتها في فرض سطوتها المطلقة على قطاع غزة وتحويله إلى مجتمع مغلق ينطوي تحت جناح الحركة. والحقيقة أن الوساطات بين فتح وحماس حكمتها الصراعات بين القوى الإقليمية المتمثلة في سوريا ومصر والسعودية ومن ثم نقصتها الرؤية الثاقبة للأمور التي تضع مصلحة الشعب الفلسطيني في المقدمة. فلم تسع أي من الوساطات العربية لإيجاد حل جذري للصراع بين فتح وحماس عبر توحيد قيادة قوات الأمن، ونزع سلاح حماس أو دمجها في قوات الشرطة الفلسطينية.
لم تكن الوساطة السعودية التي رعاها الملك عبد الله متكاملة رغم جديتها، حيث ركزت على حقن دماء الفلسطينيين عبر وقف إطلاق النار بين حركتي فتح حماس. ومن ثم فقد فشلت الوساطة في تمهيد الطريق لاتفاق الحركتين على عدد من النقاط مثار الصراع على رأسها توحيد قوى الأمن وقيادة وزارة الداخلية. وفي حين كانت الوساطة الأردنية هامشية وغير مؤثرة رغم اتسامها بالموضوعية، فقد كانت الوساطة القطرية منحازة لحركة حماس بصورة فجة وسخيفة. أما الوساطة المصرية، التي استمرت شهوراً طويلة والتي تعهدها فريق أمني قاده رئيس المخابرات عمر سليمان، فلم تكن ناجحة على الإطلاق ربما بسبب عدم تمتع النظام المصري بثقة حركة حماس. والوساطة المصرية حكمتها بالمقام الاول مصالح النظام المصري في المنطقة وشكل تدهور علاقاته مع الولايات المتحدة قوة دفع جامحة لها. المؤكد أن علاقة رجال النظام المصري بقادة حركة حماس لم تكن أبداً على ما يرام، ولكن الطرفين سعيا باستمرار للحفاظ على هذه العلاقة مراعاة لمصالحهما الغير مشتركة.
لم يحبذ النظام المصري مطلقاً فكرة وجود حكومة إسلامية على حدوده الشرقية، ومن ثم لم يدعم النظام المصري يوماً حكومة حركة حماس ولم يسمح بتهريب الأسلحة إلى رجالها عبر الحدود المصرية مع غزة، ورغم ذلك فقد النظام المصري سعى للحفاظ على الحد الادنى من الحوار والتفاهم مع حكومة الحركة. وقد أقدم النظام المصري، الذي عرف عنه عداوته التاريخية والأيديولوجية لجماعة الإخوان المسلمين التي تعد حركة حماس فرعها الرئيسي في الأراضي الفلسطيني، على خطوات غريبة وغير محسوبة للحفاظ على الحد الادنى من علاقاته مع حركة حماس. تمثلت الخطوة الأكثر خطورة التي خطاها النظام المصري في ما يمكن تسميها بـ'صفقة المصالح الغير مشتركة' التي أبرمها مع جماعة الإخوان المسلمين والتي سمح بمقتضاها النظام لجماعة الإخوان المسلمين، المحظورة رسمياً، بممارسة السياسة على مستوييها الداخلى والخارجي في مقابل لعب الجماعة لدور في بناء الثقة بين النظام وبين حركة حماس. ولعل عودة النظام إلى أسلوب قمع جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات مجلس الشورى في مطلع الشهر الجاري، والتي تزامنت مع انقلاب حركة خماس على السلطة الفلسطينية، لهو دليل على انهيار صفقة النظام-الإخوان المؤقتة التي استفادت منها الجماعة خير استفادة حين اشتركت في انتخابات مجلس الشعب المصري التي جرت قبل نحو عامين وفازت فيها بما يقترب من ربع مقاعد المجلس. وعلى ما يبدو فقد أراد النظام المصري أن يحتفظ بعلاقاته مع حركة حماس لغرضين اولهما تكريس النفوذ المصري في المنطقة، وثانيهما استخدام العلاقة مع حركة حماس كورقة ضغط ضد الإدارة الامريكية التي تدهورت علاقة النظام المصري بها في السنتين الأخيرتين.
ولكن جهود الوساطة على تعددها لم تفشل فقط بسبب ضعفها وعدم موضوعيتها، ولكن لان أنظمة وجماعات عملت بشكل جدي ليس فقط على إطفاء كل بارقة أمل في تعاون بين حركتي فتح وحماس، وإنما أيضاً على تأجيج الصراع بين الحركتين. كان على رأس هذه الانظمة نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي وفر الملاذ الآمن لكوادر حركة حماس الفارة ونظام آيات الله في إيران المتطرف الذي وفر المساعدات المالية السخية للحركة وحكومتها. النظامان السوري والإيراني اللذان سعيا بكل ما امتلكا من قوة لعرقلة أية اتفاقات بين الحركتين الفلسطينيتيين رفضا أيضاً بإصرار فكرة نزع سلاح حماس بهدف جعل الحركة شوكة في ظهر إسرائيل وغصة في حلق حركة فتح المعتدلة الساعية للتفاوض والسلام مع إسرائيل. ولم يكتف النظامان السوري والإيراني بهذا فقط وإنما عملا بدأب على تسليح حركة حماس عبر مساندة عمليات تهريب الأسلحة إلى الحركة عبر حدود غزة مع مصر، وهي العمليات التي ساهمت بشكل كبير في تدهور العلاقات المصرية السورية ووقف الحديث عن تطبيع العلاقات بين مصر وإيران في الآونة الأخيرة.
وفي صدد ذكر الأنظمة والجماعات التي عملت على إشعال الصراع بين فتح وحماس، غني عن التذكير هنا بالدور الذي لعبه تنظيم القاعدة الإرهابي في دعم حركة حماس وتقوية عضلاتها في قطاع غزة، حيث حظيت الحركة باستمرار بدعم لوجيستي ومعنوي من التنظيم الذي أسس فرعاً له في غزة بغرض تثبيت دعائم التوجه المتطرف لحركة حماس وإضعاف وجود حركة فتح في القطاع.
من غير المعلوم إلى أين تتجه غزة في المستقبل القريب. الصورة تبدو قاتمة تماماً. المتوقع أن تثمر إية جهود في إيقاف التدهور الخطير الذي تشهده الساحة الفلسطينية في ظل الغباء السياسي المنقطع النظير الذي يستولي على قادة الفصيل المتمرد حركة حماس، وهو الغباء الذي يضع الولاء الطائفي والحزبي فوق الولاء الوطني، وأثمر عن اقتتال داخلي نتج عنه عشرات القتلى ومئات الجرحى، وتدمير للبنية الأساسية، وفوق هذا وذاك تمزق وطني وتقسيم سياسي وطائفي وجغرافي للأراضي الفلسطينية. ولكن من المؤكد أن لا حل جذري للصراع بين الشرعية والخارجين عنها سوى:
أولاً بعزل ومحاكمة كل قادة حركة حماس المتورطين في الانقلاب الذي حدث في غزة وعلى رأسهم اسماعيل هنية.
وثانياً بنزع سلاح القوى الخارجة عن الشرعية مثل حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وتنظيم الفاعدة وغيرها.
ثالثاً: بتوحيد قيادة قوات الامن الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لقد طعنت حرب النفوذ والسلطة الدائرة بين حركة حماس المتطرفة وحركة فتح الحلم الفلسطيني القديم بإقامة الدولة المستقلة. وبعدما كان قطاع غزة بمثابة القلب النابض بالحيوية والكفاح والأمل للوطن الفلسطيني الحلم، أصبح القطاع، بعدما سيطرت عليه حركة حماس المتطرفة والمشكوك في وطنيتها، يشكل وخزة موجعة في قلب فلسطين الوطن الحلم. هذه الوخزة قد تصيب فلسطين في مقتل وربما تقضي عليها بالسكتة المميتة. لذا سيبقى قطاع غزة مرشحاً فوق العادة للعب دور شديد الخطورة في المرحلة القادمة والتي قد تشهد حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي تهدد منطقة الشرق الاوسط برمتها.
جوزيف بشارة