أصداء

النظام السوري في حالة انعدام الوزن

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يكاد يجمع كل المهتمين بالشأن العام في سورية أن الأزمة الراهنة التي أنتجها بمهارة الإستبداد، هي أزمة مركبة (معقدة) بهذه النسبة أو تلك، وهذا الكل هو بشكل أو بآخر لازال محشور ضمن منظومة الدولة المستبدة، الدولة الأمنية التي تتلخص عملياً بالنظام المستبد الذي يمثل أسوأ تجليات السلطة في تاريخ سورية وحتى العالم العربي الحديث، حيث يضيق هامش الحرية والديموقراطية واحترام كرامة الفرد إلى أدنى مستوى له، وينعدم الإطار الحقوقي إلى حد إلغاء المجتمع بشكل كامل، والمفارقة هنا أن الكثير من هذا الكل يتمكن نظرياً من التأشير على الأزمة، لكنه لازال يلف ويدور فيها وضمنها دون مقدرة على الخروج منها.


والمعروف أن الأزمة التي يعيشها المجتمع السوري الآن هي نتاج هجين لعلاقة سلطوية بين النظام السياسي والمجتمع، علاقة فاقدة الإطار الفكري والتنظيمي المدني، وتعكسها بشكلها الصريح مظاهرها المشوهة بين الدولة ( النظام ) وبين المجتمع، تلك العلاقة غير الطبيعية، فرضها نظام مركزي بالقوة وأنتجت هوة كبيرة أشبه بعازل بينهما، يزداد هذا العازل اتساعاً مع استمرار النظام بشكله الحالي، وتتفاقم معاناة الناس نتيجة القمع والإهمال والإقصاء بشكل كبير، يرافقها قصور عام في أداء مركبات المجتمع، وأكثر منه قصوراً في أداء المثفقين والسياسيين ودعاة الإصلاح والتغيير على مختلف انتماءاتهم ورؤاهم وأهدافهم، والمثير للجدل أكثر هو توزع ولائهم بين داخل مقموع إلى حد رصد النفس، وشكل سطحي مع خارج متأرجح لم يحدد موقف عملي من النظام والتغيير، ويتعامل بخجل شديد مع قوى المعارضة السورية يصل إلى حد الإرباك.


وعليه تطفو على السطح السياسي السوري ألويتان في الوقت الراهن، الأولى هو موضوع التغيير، والثانية تفرضها الأولى وهي نوع العلاقة مع الخارج على طريق التغيير، وكلاهما لم يحسم بعد وبالتالي فإن النظام ومعه سورية اليوم في حالة انعدام الوزن، يفسره ضعف حركيته وعدم القدرة على الحسم في واقع سياسي وإنساني يوشك أن يشل قدرة الكثيرين ليس على الفعل، بل عن الرؤية الصحيحة، فعلى مستوى التغيير لازالت موازين القوى المادية بعيدة عن متناول قوى التغيير لسبيين ذاتي وخارجي، وكلاهما لاتملك المعارضة من عناصرها إلا القليل، فعلى مستوى العلاقة مع الخارج يصبح الأمر أكثر تعقيداً، إذ تعاني مجمل الأطراف من يسارها إلى يمينها من قصور في فهم نمط العلاقة ومستواها وهي واقعة بين حالتين، الأولى فهم واقعي عملي لمستوى العلاقة مع الخارج تنقصه الجرأة السياسية وفي ظروف شعبية ضاغطة استغلها النظام لتشويه العلاقة مع الخارج ووصمها بالخيانة والعمالة وبالتالي أعطاها بعداً وطنياً وأخلاقياً هو فاقدهما ولايملك منها شيئ، يريد من ذلك فرملة حركة المعارضة وإجهاض أي تطور إيجابي في علاقتها المشروعة مع الخارج، والحالة الثانية وأتباعها كثر هي في رفض العلاقة مع الخارج والإصطفاف مع النظام بالنتيجة في حذف وإلغاء عامل أساسي كان ولازال في سورية وغيرها وفي كل دولة على وجه الكرة الأرضية له حسابه وتأثيره في أي تغيير سابق ولاحق.


وفي إطار هذه الحالة المستعصية على النظام وقوى التغيير معاً، تزداد معاناة المجتمع وتبتعد آليات التغيير السلمي، وفي ظروف المنطقة وجوار سورية الملتهب من لبنان إلى العراق إلى فلسطين، حيث تلف المنطقة غيوم الحريق والبارود والتطرف، تقترب الأمور أكثر فأكثر من حافة الإنفجار، إذ مابين مقاربات التغيير والتي بظروف سورية الراهنة تنعدم إمكانياتها بدون دعم خارجي عربي أو دولي. وفي قصور قوى التغيير على المستوى الداخلي وافتقارها إلى الإمكانيات المادية والتنظيمية الميدانية التي يمكن تعبئة المجتمع عن طريقها في مواجهة الإستبداد سلمياً وحتى مطلبياً بسيطاً يخص بعض الأمور الأساسية في حياة المجتمع، أي أن قوى التغيير والديموقراطية منها هي أقرب إلى العجز منفردة في مواجهة استحقاقات الأزمة الراهنة وعلى المستويين الداخلي والخارجي.


مرةً أخرى،ماهو العمل؟ والنظام السوري قطع مرحلة اللاعودة واللاوعي ولم يترك أي هامش مشترك مع الشعب والمعارضة، لعل خطورة الأحداث الراهنة تدفع الجميع إلى تسريع وتيرة البحث عن مخرج آمن في ظروف انعدمت كلياً شروط الأمان الوطني والأهلي فيها، بصراحة مطلوب ليس اختراعاً، بل قرباً من محور الأزمة وتأشير مستوى مقاربات التغيير في سورية ويلخصه أمرين أساسيين، الأول هو التشخيص الدقيق لمستوى الأزمة التي تعيشها سورية، سببها، عناصرها، مداها، والثاني آلية المعالجة وأبعادها على مستوى المجتمع وبشكل خاص على مستوى قوى المعارضة والمثقفين والسياسيين والمتبنين مطلب التغيير، والصراحة والجرأة والواقعية في التعامل من الموضوع، ونزع القشرة المزيفة التي يستمر النظام على تعويمها وتجنب الإسقاطات الجاهزة على مختلف أغطيتها الفكرية والسياسية، في سورية هناك سلطة قمعية تغطي نفسها نظرياً برداء مدني هو الدولة الغير موجودة أصلاً، أي أن الوطن مغتصب وهذا مايفسر غياب القانون واستباحة الشعب والفساد الذي عمت مصائبة سورية طولاً وعرضا.


خلاصة القول : أن الخلل الكبير، هو أن الدولة كنظام وآليات تنظيمية وطنية وشبكة علاقات اجتماعية وروابط مدنية غير موجودة نهائياً في سورية، والنظام ينافق ويتستر خلف ملفوظات أو محفوظات نظرية غير موجودة وغير معاشة في الواقع العملي، وأن الذي يتحكم بميكانيكية الحركة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والحياة كلها، هو الإستبداد وشبكة العلاقات ماقبل وطنية ودون مدنية، بمعنى أدق طائفية، وآلية عمل المجتمع ككل وتفاعلاته الإجتماعية الداخلية تسيطر عليها أنماط أهلية مغطاة بهذه اللافتة أو تلك خجلاً وحفظاً على الوجود ولو المهمل في الزمن، هذا هو الإنفصام الذي يتصف به نظام الإستبداد وصدره إلى الحياة العامة انفصاماً كذلك، وهو ماتعاني منه واجهات المجتمع كلها،هذا الإنفصام فرخ تباعداً بين الأزمة التي تعيشها سورية وبين مفهوم العمل السياسي العام، الأمر الذي منع المجتمع وقواه السياسية من التطور وإعادة إنتاج نفسها بشكل فاعل جديد، هذا الفصام السياسي الذي أنتجه النظام وعممه على الحياة العامة، هو الذي أنتج حالة الفطام مع مفاعيل الدولة وأدى إلى القصور والضعف السياسي العام، ونتيجته هو مانراه من ضعف في بنى القوى السياسية وفي أدائها و في حيرتها وتفككها وعدم قدرتها على إنتاج البديل المشترك للتغيير.


لامخرج بالنصائح ولابوصف النظام واستبداده، بل قد يكون هذا من متممات ومتطلبات استمراره، والمخرج كما نراه ببساطة شديدة هو محاولة إعادة آليات المجتمع المدني إلى الخدمة الوطنية والسياسية كشرط جامع، وهنا تبرز أولوية اعتماد آلية الديموقراطية الصافية الخالية من إسقاطات أمراض الماضي وشبهات الحاضر داخلية أو خارجية كانت، بل اعتمادها كآلية تنافسية لكن سلمياً وبعيدة عن أسس تنافس النظام مع الشعب القائمة على الخداع والإحتواء والإلغاء، بهذه البداية الملحة اليوم قبل الغد، وبهذا وحده تكون مقاربات الحل ممكنة ومتقاربة بين قوى التغيير التي لاتملك أياً منها منفردة ً القدرة على القيام به...والتغيير في صورته الأساسية هو موازين قوى، من يملكها يستطيع أن يخرج سورية من حالة انعدام الوزن التي هي فيها، ويخشى إن استمرت على هذا الحال طويلاً أن تذهب إلى المجهول، في حال اقتربت منها أكثر دوارات المنطقة وأعاصيرها.


د.نصر حسن

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف