أصداء

النصف الثاني من تفاحة الاسلام

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

طهران طالما کانت تسبح ضد التيار فذلك يعني إنها"سمکة حية"، ذلك ان السمکة الميتة تذهب مع التيار کما يورد في الامثال لانها لاحول و لاقوة لها إطلاقا.

قوة طهران لم تأت من محتوى أو شکل نظامها السياسي کما يحاول الکثير من الکتاب"العرب"أن يصورونه في کتاباتهم و لاحتى في کاريزما معينة ترتبط بقادتها وإنما هي ترجع بالاساس الى خلفية تأريخية موغلة في القدم تشرئب جذورها أساسا من بعد حضاري راسخ يمتد لأکثر من 2500 عاما. وقطعا ان إيران قد لعبت في مختلف الادوار و الحقب التأريخية دورا مميزا جسدت خلاله حضورها الخاص.
ولئن جاء الفتح الاسلامي بمثابة صفعة قوية للاحلام الايرانية لکن السقوط الايراني لم يستمر طويلا إذ عاد في عدة صيغ فکرية و سياسية و حضارية لم تتمکن من إمتصاص الضربة فقط فحسب وإنما إستطاعت من أن تقف مرة أخرى على قدميها کند غير مألوف و تقارع"فاتحيها"لقرون طويلة بمختلف السبل العسکرية و الفکرية و السياسية، بل وإنها نجحت في أن تجعل من نفسها"النصف الثاني"من تفاحة الاسلام و رسمت في ضوء ذلك الخيوط الاساسية لمصالحها في المنطقة.

وحتى أن الصعود القوي لرضا شاه وتلك الجلادة و القوة في شخصيته والتي عکست من خلالها کاريزما إستثنائية تمکنت من إعادة الدماء مجددا في الجسد الامبراطوري للحضارة الفارسية و أوقفتها مرة أخرى على قدميها کلاعبة أساسية و مهمة مع أقوى ثلاث دول في العالم(بريطانيا، الاتحاد السوفياتي، الولايات المتحدة الامريکية) وأفلحت في فرض نفسها و مصالحها على تلك الدول بوجه خاص و العالم بوجه عام، وعلى الرغم من أن أدبيات الثورة الاسلامية الايرانية قد صورت الامبراطور الراحل"محمد رضا بهلوي" کشخية مهزوزة تعاني من الکثير من العقد وإنها کانت مجرد ظل لشخصية أخته القوية"أشرف" وانه کان تابع"ذليل"لواشنطن، فإن الحقائق التأريخية تکذب کل ذلك جملة وتفصيلا سيما وأن مايسمى حاليا بالنهضة"العمرانية" و"العلمية و الصناعية" ماهي في حقيقتها إلا إمتداد و ظل کئيب لکل ذلك الذي بناه الشاه الراحل بطموح کان يجسده في الاحتفالات السنوية بأعياد"برسبوليس"التي کانت تعيد الى الاذهان حضارة عمرها 2500 عاما.

محمد رضا بهلوي، الذي سعى من خلال أموال النفط أن يرسخ من أقدام إيران کدولة قوية لها"مرتکزاتها" و"بنيتها التحتية"الخاصة بها لم يحاول يوما لفرض إملاءات أو وصايات محددة و لاسعى لتصدير أدبيات و أفکار خاصة بنظامه السياسي أو الفکري، لکنه وعندما جاء آية الله الخميني بثورته الاسلامية فقد کانت بمثابة إنتکاسة حضارية مجددة لإيران الشاهات و عودتها مرة أخرى للعب دور "النصف الآخر" من تفاحة الاسلام وما نجم عن ذلك من کوارث و ويلات و حروب على المنطقة بدأت من الحرب العراقية الايرانية التي أنعشت العديد من مصانع تصنيع السلاح و التي کانت توشك على إقفال أبوابها، ومرورا بما أشعلته و تشعله في فلسطين و لبنان و اليمن العراق و السعودية و دول المغرب العربي من خلال تصديرها لثورتها الاسلامية التي جاءت بمثابة"صحوة"إسلامية کما إدعت و تدعي أدبيات الثورة الاسلامية ويقينا ان العالم کله بشکل عام و المنطقة بشکل خاص، بات يشعر بنوع من القلق والتخوف من تلك السياسة التي تنتهجها طهران من جراء سعيها المحموم لإمتلاك سلاح"أکبر"من حجمها الحالي بکثير وإن ما حدث في غزة أخيرا هو ذات الذي حدث في لبنان من خلال فرض قوى"مصنعة"داخل معامل"آيات الله في طهران إن المد و الجزر في الوضع العراقي هو الاخر يشير بقوة الى"قوة"الدور الايراني و سعيه لفرض إملاءات محددة بعدة إتجاهات"عراقية و عربية و دولية". إلا أن العودة الى"النصف الثاني"لتفاحة ليس هناك في الافق من قوة لإعادة إلتحامها بنصفها الاول، ذلك ان هذا النصف عاش أساسا على فلسفة إنشطار التفاحة وليس إلتحامها کما يسعى الکثير من"العلماء و المفکرين الاسلاميين". غير ان الامر الذي يجب أن نشير إليه هنا و بوضوح بالغ هو أن هناك "خيط رفيع"جدا يفرق بين سياسة الدولة الايرانية عندما توظف الاسلام بسياق سياسي لخدمة مصالحها و بين المذهب الشيعي الذي نعتقد تماما إنه براء من هکذا مساعي"نزقة" و"طائشة" مثلما نتصور أن هناك فرق کبير جدا بين آيات الله الايرانيين نفسهم، إذ ان آية الله الطالقاني و آية الله الطباطبائي"صاحب تفسير الميزان" و آخرون غيرهم هم قطعا غير آية الله مصباح يزدي و آية الله نجفي و السئ الصيت والذکر آية الله خلخالي!

وخلاصة القول، هو ان إيران بمعزل عن إستخدام الدين لأغراض سياسية قد تکون أفضل بکثير من دولة تسعى لتکون ظل الله لکن بطراز خاص على رأس کل مسلم و مسلمة وان إيران الشاه التي صفق معظم العرب لسقوطها المدوي قد أکدت الايام إنها کانت أفضل بکثير من إيران"نصف التفاحة"الحالية و کانت قطعا أقل منها سلبية في علاقاتها مع المنطقة.

وفي کل الاحوال، فإن إيران جديدة تنهض من بين رکام الشاهات و الملالي و تحاول بناء دولة تنأى بنفسها بعيدا عن الاتجاهين"وهو أمر تسعى إليه العديد من القوى الايرانية المعارضة"، سوف يکون خيارا أفضل للمنطقة و العالم وان دعم معارضة تمسك العصا من منتصفها سوف يکون أفضل بکثير من شن حرب هوجاء أو حتى فرض عقوبات لن تجدي مع نظام دأب علـى ممارسة لعبة"القط و الفأر"مع العالم..کل العالم!

نزار جاف

nezarjaff@gmail.com

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف