أصداء

ما هي الحريّـة؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

قبل نهاية النصف الأول من القرن الماضي، ولم نكن قد تجاوزنا سن الطفولة بعد، كان طلاب الصفوف العليا في المدرسة يخرجوننا من غرف الصفوف الأولية ويقودوننا في مظاهرة تجوب شوارع المدينة هاتفة بأعلى صوت بسقوط الإستعمار، وعند كل منعطف يرتقي أحدهم سلماً أو شرفة يخطب فينا خطاباً نارياً لم نع ِتماماً ما يقول لكن عندما يرفع صوته قبل أن ينهي خطابه بالقول.. " وللحرية الحمراء باب بكل يدٍ مضرّجة يدق " نصفق بحرارة ونهتف بسقوط الإستعمار. أتذكر تلك الأيام الخوالي لأتساءل.. كم كنا طيبين وبسطاء عفويين قبل أن تلوثنا السياسة بكل دهاليزها ومناوراتها اللاإنسانية!! وينتابني الحزن الشفيف على ما فقدنا من حرية بعد أن أسقطنا الإستعمار فعلاً!! هل كنا، صغاراً وكباراً، ندرك معنى الحرية التي كنا نطالب الأحرار بدق بابها بقوة حتى تتفصد الدماء من قبضاتهم فيتلون الباب بالحمرة؟! بل هل يدرك السياسيون والأحرار اليوم كما بالأمس معنى الحرية وجوهرها؟!.. جوابي بالقطع هو كلاّ لأسفي الشديد، إنهم لا يدركون.

كان معلم الإنشاء يطلب إلينا أن نكتب في موضوع " الحرية " فنكتب جميعاً ودون استثناء عن الباب الأحمر في دمشق وعن العصفور وقد امتنع عن التقاط الحبوب مضرباً عن الطعام حتى الموت بعد الزج به في القفص. لا أتذكر أن المعلم أضاف أي معنى آخر. علم السياسة البورجوازية حدثنا دائماً عن الحريات العامة، حرية القول وحرية الفكر وحرية النشر وحرية التنظيم وحرية العقيدة، وهذه جميعها تقف عند حرية العصفور! فهل حقاً للعصافير والطيور والحيوانات عامة حريات خاصة بها؟ هل سمعنا يوماً بعض الغربان تنعق نعيقاً مختلفاً فنفهم أن هذه الغربان تمارس حريتها في القول؟! وهل رأينا يوماً بعض الخراف تتمرد وتنشق عن القطيع في ممارسة لحقها في التنظيم وحرية الإجتماع؟! بل هل للحيوانات حقوق في الأصل؟؟ حياة الحيوانات في الغابة مثل صارخ على غياب القانون نهائياً وهو ما يرتب بالضرورة غياب الحقوق وبالتالي غياب الحريات. فالحيوانات ليس لها حقوق على الإطلاق وتحيا في الغابة وفق قانون " البقاء للأقوى ". دالة الحريات هي القوانين وبانتفاء القوانين تنتفي الحريات ففي المجتمع الشيوعي المتقدم بمنطق ماركس يحيا الناس بغير قوانين ودون حريات حيث لن تكون هناك أية محددات للحريات كيما يكونوا بحاجة لأي نوع من الحريات.

إذاً الحرية قيمة إنسانية ينتجها الإنسان دون كل المخلوقات الأخرى. لـكن لمـاذا ينتجـها الإنسـان دون كل المخلوقات الأخرى؟

لا بد أن يتميّز الإنسان بخاصية ليست لدى المخلوقات الأخرى وهي الخاصية التي تتطلب منه أن يبحث عن الحرية وينتجها. يقول البيولوجيون الأنثروبولوجيون أن الإنسان تميّز بالعقل عن سائر الحيوانات الأخرى إلا أن تعريف فردريك إنجلز كان الأدق علمياً وتاريخياً، باعتبار التطور البيولوجي للإنسان، حيث قال أن الإنسان هو الحيوان الذي يستخدم الآلة من أجل أن ينتج حياته، إنه الحيوان الوحيد الذي ينتج، ينتج كافة الشروط اللازمة لبقائه على قيد الحياة؛ كان سينقرض لولا أنه خرج من ذاته (تغرّب) واستخدم الآلة من خارج جسمه؛ استخدم الآلة فولج الحضارة وكتب التاريخ؛ فالإنسان هو الحيوان الوحيد المتحضر والحيوان الوحيد الذي يكتب التاريخ. لعل نظرية الطفرة في الهندسة الجينية صحيحة لكنني مع ذلك أرى أن التعقل بدأ يظهر في الإنسان عندما مدَ يده ليتناول العصا أو الحجر لاستخدامهما في الدفاع عن نفسه أو لتأمين بعضاً من قوته. ولمّا لم يظهر التعقل بكامل طاقته في الإنسان دفعة واحدة، وهذا أمر ليس محل اشتباه، فذلك يغري بنا إلى الإستنتاج أن التعقل واستخدام الأداة هما ذات الشيء الذي هو فعلاً فعل الأنسنة. تتنامى طاقة التعقل لدى الإنسان مع تطور أدوات الإنتاج والعكس صحيح أيضاً حيث أن الطرفين التعقل من جهة وأدوات الإنتاج من جهة أخرى نقيضان مرتبطان بعلاقة ديالكتيكية لا تنفصم البتة قبل أن تنقضي حياة الإنسان على الأرض.

الطريق التي سلكها الإنسان في رحلة الأنسنة منذ بدء التاريخ هي الإنتاج، إنتاج الإنسان (الحيوان) لحياته. غريزة بقاء النوع دفعت بالحيوانات الشبيهة بالإنسان إلى الخروج من ذاتها (التغريب) للتعامل مع الطبيعة وأدواتها وهو النشاط المرتبط بالذكاء ارتباطاً مباشراً. وهكذا فإن الذكاء الإنساني وأدوات الإنتاج مرتبطان ارتباطاً وثيقاً ويتطوران بإيقاع واحد يتمظهر بفعل الأنسنة. إنسانية الإنسان تتجلى بإطار ذي وجهين أحدهما تطوير أدوات الإنتاج أي الأدوات المستخدمة في التعامل مع الطبيعة والوجه الآخر هو التذاكي اللازم لتطوير هذه الأدوات والمنبثق عنها بذات الوقت.

همّ الإنسان الأول والأخير هو ألاّ تعترض أية عقبات مهما كان مصدرها أو نوعها مجال التواصل الديالكتيكي بين تذاكيه وأدوات الإنتاج، هذا التواصل الذي هو فعل الأنسنة أو رحلة التغريب الذي بدأها الحيوان الشبيه بالإنسان كوسيلة وحيدة لبقاء نوعه. كل الحريات بأنساقها المختلفة لا تتطلبها الحياة الإنسانية إلا لتحرير مجال التواصل بين العقل وفعله في التذاكي من طرف وفعل أدوات الإنتاج من طرف آخر. من هنا ميّز المؤرخون وعلماء الحياة البشرية (anthropologists) الإنسان تبعاً لأدوات الإنتاج المستخدمة فقالوا إنسان العصر الحجري وإنسان العصر الحديدي أو البرونزي..ألخ

بعض الكتبة من إعلاميي النظام الرأسمالي وسياسة استغلال الإنسان كمجرد أداة إنتاج يتجرؤون بوقاحة فريدة على المطالبة بالحرية لأولئك الذين يجهدون لإقامة العراقيل والعقبات على طريق التواصل بين تذاكي العقل وطرفه الآخر وهو فعل أدوات الإنتاج، حرية من يقيمون العراقيل على طريق الأنسنة التاريخية، طريق العبور من الحيوانية الوحشية إلى الإنسانية المكتملة. إنهم يطالبون بحرية أعداء الحرية. بوقاحة بالغة الفجاجة علا زعيقهم يستنكر التضييق على أعداء الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي حين أحاط به الأعداء من كل جانب. كان برنامج البلاشفة يقضي بتحرير التواصل بين الإنسان والآلة من خلال تحويل جميع القادرين على العمل في المجتمع إلى عمال يقاربون أدوات الإنتاج بحرية تامة. تلك هي المقاربة الوحيدة التي تسارع في تقدم الإنسان السريع في رحلة الأنسنة. المقاربة الحرة بل والتوحد مع أداة الإنتاج هو ما يطهر الإنسان من كل مواريثه الوحشية والعيوب التي لم يتخلص منها بعد في ظل المجتمعات الطبقية.

أما الليبراليون فإنهم يجرّدون الحرية من كل أغراضها ويطالبون بها ليس لأكثر من متعة الأفراد. هم هكذا لأنهم ينطلقون من إيمانهم بوسائل الإنتاج الفردية (Individual Production) وليس وسائل الإنتاج الجمعية (Socialised Production) السائدة في المجتمعين الرأسمالي والإشتراكي. وعلى المرء ألا يتفاجأ من التباين بين حرية الليبراليين وحرية الرأسماليين؛ فبالإضافة إلى حرية الرأسماليين في استغلال العمال بتشغيلهم شغلا إضافياً إلا أن هذا لا يتأتي قبل توفير حرية التعامل مع الآله التي ينشرونها بين الناس وإن بقصد زيادة أرباحهم. ما زال هؤلاء الليبراليون يرجّعون أصداء الثورة الفرنسية ما قبل الرأسمالية. لكنهم عندما يفاجئون بالحقائق على الأرض لا تتواءم مع دعاويهم يهربون إلى القول.. " تنتهي حرية الفرد عندما تبدأ حرية الآخر ". هل لأحد الليبراليين أن يتخيل روبنسون كروزو يتظاهر في جزيرته النائية يطالب بالحرية؟!! العامل يطالب بالحرية كي يرغم الرأسمالي على التخلي عن الجزء الأكبر من فائض القيمة المحسوم أصلاً من إنتاج العامل، وحرية الرأسمالي تتمثل قبل كل شيء بزيادة فائض القيمة. فإذا ما احتفظ كل منهما بكامل حريته فعندئذٍ سيتوقف الإنتاج ويموت الطرفان والمجتمع معهما. لذلك توجب فرض قوانين لتحديد وتنظيم الحريات. الحريات تتمظهر فقط في القوانين، والقوانين من جهتها ليست ضرورية إلا لتمنح البعض نسقاً من الحريات وتمنعه عن البعض الآخر. الليبراليون يفترضون بسذاجة فاضحة أن ثمة حدوداً معلومة وثابتة تفصل بين حريات الأفراد في المجتمع. بدون القوانين التعسفية الناظمة فإن الحريات التي للبعض أن يمارسها قد تصل حدودها لقتل الآخر. عمل مدراء مناجم الفحم في الصين يقتضي زج العمال في أنفاق عميقة لا تتوفر فيها شروط السلامة وهو ما يتسبب غالباً في قتل مئات العمال سنوياً والتحقيقات الرسمية في مثل هذه القضايا لا تدين المدراء.

يسيئون للحرية فيقدمها مأجورو الإعلام الرأسمالي السابق " حرية الوحوش " لتعمل في تعطيل المسيرة التاريخية للإنسان. ويقدمها الليبراليون حرية " مجنونة " لا أغراض لها وعديمة الفائدة بشكل واضح وصريح. كثيراً ما يفلح هؤلاء وأولئك في إقناع بعض البسطاء واجتذابهم إلى صفهم فيوظفونهم في الإساءة للحرية وللأحرار وشن هجومات ظالمة على قوى تكبدت مشاقاً مضنية من أجل تحرير المسالك الحقيقية للحرية من كل العقبات والعوائق. مثلنا الحي على مثل هذا هو الهجوم المسعور وبمختلف الأسلحة القذرة لا تنفك تشنه، بعد ثمانية عقود طويلة، أنساق شتى من الليبراليين والإعلاميين الذين سبق استئجارهم من قبل الرأسمالية الإمبريالية على الثورة الزراعية التي قام بها الحزب الشيوعي السوفياتي ما بين 1929 و 1931. أغنياء الفلاحين (الكولاك) رفضوا التخلي عن المساحات من الأراضي الزراعية التي كانوا يملكونها وتزيد عن قدرتهم في الفلاحة بعد أن منعت الدولة العمل المأجور وأصروا على الإحتفاظ بهذه المساحات الشاسعة بواراً. كان هدف الكولاك تجويع العمال في المدن وإسقاط الثورة الإشتراكية التي ضحى ملايين السوفييت بأرواحهم دفاعاً عنها. ترتب على الدولة إذّاك أن تصادر أراضي الكولاك الذين رفضوا الإمتثال إلى أوامر الدولة وترحلهم مع عائلاتهم إلى سيبريا حيث قاموا هناك ببناء مدن حضارية متطورة هي اليوم موضع فخار الروس. صحيح أن البؤس لحق بمئات الألوف من الكولاك وعائلاتهم لكنه صحيح أيضاً أن الوفرة دخلت بيوت عشرات الملايين من الفلاحين التعاونيين. ولنا أن نشير في هذا السياق إلى أن حزب الفلاحين التعاونيين في روسيا اليوم يطالب بقوة العودة إلى النظام القديم، النظام الإشتراكي. الليبراليون والإعلاميون المأجورون لا يحبون هذه الحقيقة لأنها تغيضهم وتسكب الماء البارد على رؤوسهم الحامية.

نعود لنؤكد أن الحرية هي توفر الشروط اللازمة لتمكين الإنسان من تطوير إنتاجه من خلال تطوير أدوات الإنتاج وهو ما يقتضي ملازمة الإنسان لأدوات الإنتاج وتشغيلها بكل فعاليتها بقصد تحقيق منفعته الكبرى. من هنا نقول أن الحرية إنما هي وعي الضرورة، وعي مثل هذه الشروط اللازمة، وهي بمعنى أكثر عمقاً الإنطلاق الحر غير المقيد بأية قيود في توق الإنسان الدائم نحو الأنسنة المكتملة. بدأت الحيوانات الشبيهة بالإنسان رحلة التغريب ( الأنسنة ) قبل ملايين السنين درءاً لخطر الإنقراض التام. ويؤكد (Anthropologists) أن حيوانات أخرى شبيهة بالإنسان لم تنجح في الخروج من ذاتها وتناول الأداة، العصا أو الحجر، فبادت وانقرضت. الحرية لم تتواجد أصلاً في حياة تلك الحيوانات المنقرضة. لم تستخدم الأداة لتنتج فلم تتعرّف على الحرية أو لم تكن بحاجة لشيء اسمه الحرية فبادت وانقرضت. ومن هنا يمكن القول أن الحرية هي الشرط الأولي لبقاء الجنس البشري، الحرية بمعناها الحقيقي وليس المزيف كما يقدمه الليبراليون والإعلام الرأسمالي البائد، بل حرية الوصول لمختلف أدوات الإنتاج وابتداع تطويراتها المختلفة.

الحرية على حقيقتها كانت السبيل الناجع في تطوير النظام الرأسمالي الذي دعا قطاعات شعبية واسعة للعمل بأدوات الإنتاج الكثيف المختلفة مما سمح بابتداع كل الأساليب نحو تفعيل هذه الأدوات وتطويرها. كان ذلك نصراً تاريخياً مؤثلاً حققته الإنسانية في العصور الحديثة عبر الحرية، وليس بغير الحرية التي نادت بها الثورة الأميركية والثورة الفرنسية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. النظام الرأسمالي الذي افتتح عصراً من آلياته التسارع التقني حيث انعكس هذا التسارع بأثر مزدوج في تنمية النظام الرأسمالي، فكان ذو أثر فعال في العمل على تأمين الأسواق من خلال تكثيف الإنتاج من جهة، ثم من جهة أخرى سمح بزيادة قوى العمل البشرية التي تؤدي أوتوماتيكياً إلى زيادة فائض القيمة أو الربح. ظل النظام الرأسمالي المنفتح والمتنامي يشجع الحريات إلى أن تجاوز تطور أدوات الإنتاج حدود مقدرته على الاستيعاب، حينذاك انقلب إلى عدو للحريات يجهد بكل قواه وأدواته الكثيرة لوقف كل تطور لأدوات الإنتاج ويرى في مثل هذا التطور حتفه المؤكد، وهو على حق في ذلك.

السلطة الوحيدة المطبوعة على الحرية والتحرر ولا تقبل بحالة من الأحوال قيد الحرية بأية قيود هي دولة البروليتاريا الدكتاتورية. إنها حقاً دكتاتورية لأنها لا تلقي بالاً لأي اعتبارات لقيد الحريات على خلاف ما يظنه الكثيرون للوهلة الأولى خاصة لأنهم يجهلون تماماً خصائص ووظائف دولة البروليتاريا الدكتاتورية. ثمة روايات كثيرة عن تعسف وطغيان دولة البلاشفة الدكتاتورية 1921 ـ 1953 وينسبون مثل هذا الطغيان المزعوم لستالين. أعداء الحرية والإشتراكية نسجوا كثيراً من هذه الروايات خارج الإتحاد السوفياتي وكان هذا أمراً طبيعياً. لكن هؤلاء النساجين زوروا فقط الجهة التي وقع عليها مثل ذلك التعسف والطغيان!! لا يجوز بداية وصفه بالتعسف والطغيان وذلك لأنه وقع على الطغاة وأعداء الديموقراطية. أولئك الطغاة وأعداء الحرية والديموقراطية قاوموا دخول جماهير الشعب مجال الإنتاج واستخدام الآلة. أصروا على الإحتفاظ بجماهير الشعب علوجاً، عبيداً لديهم، أميين، غرباء على أدوات الإنتاج المتطورة. أراد البلاشفة أن يستحضروا كل الحريات لكل الشعب فاصطدموا بأعداء الحرية أعداء الشعب. أراد البلاشفة أن يعلموا الجميع وأن يؤهلوا الجميع للانهماك في الإنتاج وأدواته فيتقدموا بخطى سريعة وحثيثة على طريق الأنسنة فاصطدموا بأعداء الإنسانية، فهل كان على البلاشفة أن يخفضوا الجناح ويهادنوا ويتركوا الشعب في دياجير الجهالة وظلام الأمية، يعاني من المرض والجوع لتنعم قلة قليلة من كبار الملاك وأغنياء الفلاحين وكبار ضباط جيوش القيصر بخيرات روسيا الغنية بثرواتها المختلفة؟ أم أن يلموا كل هؤلاء البطالين في قطارات تتجه إلى سيبريا ليخوضوا غمار الإنتاج ويشيدوا مدنا صناعية حديثة هي اليوم محط فخار الشعب الروسي؟ الحرية ذات المعنى الحقيقي على الأرض تتجسد بالإجابة " بلا " على السؤال السابق و "بنعم " على الجواب اللاحق.

الحرية شرط جوهري وأساسي من شروط فعل الأنسنة، وفعل الأنسنة لا يتحقق إلا في إطار الاشتباك مع أدوات الإنتاج حيث لا يحقق الإنسان ذاته إلا بالإنتاج. الحريات التي يدّعى بها لغير تنشيط وتفعيل فعل الأنسنة إنما هي خداع يستهدف مباشرة تعطيل فعل الحرية في تقدم الإنسانية.

وبالتالي أعيد وأكرر حقيقة لا يرتقي إليها أية شكوك وهي أنه عندما تشتبك كل قوى العمل المتجددة في البشرية جمعاء مع أدوات الإنتاج بأحدث أجيالها وتتحقق بذلك الشيوعية، وربما سيكون ذلك بعد مائة عام أو أكثر بعد انهيار مشروع لينين، فلن تكون هناك قوانين، ولن تكون هناك حريات، ولن تكون هناك دولة أو سلطة مهما كان شكلها، ولن تكون هناك علاقات إنتاج، ولن تكون هناك أجور، ولن تكون هناك أسعار. عندها فقط ستتحرر المرأة وتلغى مختلف المعادلات بين الرجل والمرأة. وعندها فقط ستتكامل إنسانية الإنسان وسيتطهر من كل أدران الوحشية الموروثة عبر ملايين السنين.

فؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف