أصداء

قراءة في مسيرة الكفاح المسلح للحركة الأحوازية1/3

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


لاشك أن الكفاح المسلح لم يكن يوما من الأيام غاية لدى الحركة النضالية الأحوازية التي تأسست أولى خلاياها في منتصف خمسينيات القرن الماضي، بقدر ما شكل هذا الفعل وسيلة لدفع الظلم و ردع سلطات الاغتصاب الفارسي وإجبارها على الاعتراف بالحقوق القومية للشعب العربي الأحوازي بما فيها حقه في تقرير مصيره بنفسه.
وعلى الرغم من شرعية هذه الحقوق وعدالة القضية التي تناضل من أجلها الحركة الأحوازية، إلا أن العمل المسلح كان دائما هو آخر الخيارات التي لجأت أليه هذه الحركة وذلك لعدة اعتبارات هامة بعضها تتعلق بالجوانب الإنسانية والخشية من أراقت الدماء التي ربما يهدر بعضها من دون وجه حق، وأخرى تتعلق بالضروف الموضوعية التي كانت تواجهها الحركة الأحوازية واهما موقف الجوار الإقليمي و علاقاته الغير مستقرة مع الدولة الإيرانية أبان حكم النظام البهلوي وبداية حكم النظام الحالي. هذا من جهة ومن جهة ثانية خشية اغلب أعضاء الجوار العربي من فتح جبهة جديدة مع إيران قبل أن تكون الأمة قد أغلقت جبهتها مع الكيان الصهيوني و حل القضية الفلسطينية التي اجمع العرب( بما فيهم الشعب الأحوازي ) أنها قضيتهم المركزية، هذا بالإضافة أيضا الى وجود ضروف ذاتية كانت وما تزال تعاني منها الحركة الأحوازية حيث يتعلق بعضها بالوضع التنظيمي وقلة الخبرات والإمكانيات، والبعض الآخر يتعلق بقوة العدو وحجم الدعم السياسي الذي كان وما يزال يتلقاه من لدن بعض الدول العظماء. الا أن كل هذه العوامل لم تستطع أن تحد من ظهور حركة احوازية مسلحة مستغلة بعض المتغيرات السياسية الإقليمية التي كانت تحدث بين فترة و أخرى لتمارس نضالها ضد السلطة الإيرانية. ومن خلال قراءة الأحداث التي عاشتها الأحواز منذ مطلع الستينيات وحتى أواخر الثمانينيات يجد المتتبع أن وتيرة العمل النضالي والكفاح المسلح منه تحديدا ،لم تكن مستقرة على مستوى معين بل إنها كانت تتراوح بين هبوط و صعود وذلك وفقا للمتغيرات السياسية التي كانت تمر بها علاقة إيران بدول الجوار العربي من جانب،و تعامل الحكومات الإيرانية المتتالية مع الشعب الأحوازي من جانب آخر.
وبالعودة الى تاريخ الكفاح المسلح في الأحواز نجد أن انطلاقته تزامنت مع بدء تشكيل أول تنظيم سياسي ثوري حديث عرفته الساحة الأحوازية وهو تنظيم " جبهة تحرير عربستان، اللجنة القومية العليا " التي تأسست في عام 1956م على يد عددا من أبناء زعماء القبائل والعشائر العربية الأحوازية من الذين كانت لهم مكانة مرموقة في المؤسسات الحكومية في الأحواز و من بينها شركة النفط وغيرها من الدوائر الهامة الأخرى،( وكان على رأسهم الشهيد محي الدين حميدان الناصر الكعبي ، الشهيد دهراب شميل الناصر الكعبي ، الشهيد عيسى مذخور النصاري وشخصيات بارزة أخرى من أمثال المرحوم عبد الودود الأنصاري ، المرحوم نوري سعيد السبعاوي ، المرحوم عيسى الزهراوي، عبيد حميد المياحي ، اسكندر جعفر الويسمي ، ترياك شبيب و المرحوم محسن مرزوق الشايع. وقد أعدمت السلطات الإيرانية بتاريخ 14/6/1964م ثلاثة من هؤلاء القادة فيما حكمت على الآخرين بالسجن لمدد طويلة )، وقد استطاعت هذا الجبهة، بالاشتراك مع مجموعة من الضباط العرب الذين كانوا منخرطين في الجيش الايراني، من تشكيل جناحا مسلحا لها معتمدة على الدعم العسكري الذي وفرته لها بعض التنظيمات القومية في العراق، وكان أحد أهم الداعمين للجبهة الأحوازية آنذاك الرئيس العراقي الراحل عبد السلام عارف الذي قدم بعض الأسلحة للأحوازيين كان من بينها " رشاش بور سعيد " الذي سبق للعراقيين الحصول عليه من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر قبل الإطاحة بنظام عبد الكريم قاسم المعادي للقومية العربية، وقد استطاعت " جبهة تحرير عربستان" قبل أن ينكشف أمرها القيام بتنفيذ عدت عمليات مسلحة ضد معسكرات الجيش الإيراني.
و من أهم العمليات التي نفذتها الجبهة آنذاك يمكن ذكر تلك العملية الشهيرة التي وقعت بمدينة الأحواز في 15حزيران عام 1963م بقيادة الرائد عبد القادر حبيب التميمي،الذي اعتقل بتاريخ 20/4/1964م مع النقيب احمد السعودي والملازم عبد الوهاب صالح التميمي و اعدموا جميعا فيما بعد. وكانت هذه العملية أشبه ما تكون بالانتفاضة المسلحة غير أنها تعرضت لقمع وحشي شديد من قبل القوات الإيرانية التي قامت بقصف جوي للقرى والمناطق المنتفضة شارك فيه الطيران الأمريكي الذي كان مستقرا آنذاك في القاعدة الجوية الرابعة بمدينة دزفول شمال الأحواز وقد أحصت البيانات الضحايا بأكثر من خمسمائة من الرجال والنساء والأطفال العرب بالإضافة الى استشهاد 17 من المناضلين وقادة الانتفاضة.
أما ثاني اشهر عملية نفذتها الجبهة بتاريخ الثاني من آذار عام 1964م حيث قامت مجموعة من المناضلين بتفجير محطة لضخ النفط في منطقة "الخنبة " في مدينة عبادان حيث كانت تعمل على ضخ النفط الى مصفاة عبادان الشهيرة ،وقد بقيت النار مشتعلة فيها لعدة أيام وقد تناقلت وكالات الأنباء العالمية أخبار العملية لأهمية المحطة المستهدفة.
هذا بالإضافة الى العديد من العمليات المسلحة الأخرى التي نفذتها الجبهة والتي أنزلت من خلالها خسائر فادحة بأرواح و أموال قوات النظام البهلوي ، الا أن انكشاف أمر التنظيم و إعدام ثلاثة من ابرز قادته في عام 1964م وسجن عدد آخر منهم ، أدى الى توقف العمل المسلح للجبهة و اصاب النضال السياسي المنظم برمته بنكسة كبيرة حتى تمكن عدد من المناضلين الأحوازيين ممن كانوا في التنظيم السابق من تأسيس تنظيم جديد لسد الفراغ وقد أطلقوا عليه اسم " الجبهة الوطنية لتحرير عربستان " وقد سار التنظيم الجديد على خطى سلفه برفع راية الكفاح المسلح الا انه لم يعمر طويلا حيث سرعا ما تم اكتشافه من قبل جهاز " الساوك " وتم قتل قادته بعد الكشف عن محاولة اغتيال شاه إيران محمد رضا بهلوي أثناء قيامه بزيارة مدينة المحمرة في يناير عام 1969م حيث كان من المقرر أن يقوم التنظيم بتفجير جسر على نهر في منطقة المحرزي قرب الحدود مع العراق الا أن الساواك( جهاز الشرطة السرية) تمكن من كشف الخطة و قامت القوات الإيرانية على أثرها بارتكاب مجزرة كبيرة في منطقة المحرزي قتل خلالها اغلب قادة الجبهة الوطنية لتحرير عربستان.
لقد خلقت هاتين الحركتين وعلى الرغم من قصر عمرهما وعيا قوميا كبيرا في نفوس النخب الشابة من أبناء الأحواز كما أن ظهور حركات التحرر العربية في الجزائر وفلسطين والثورات المسلحة التي شهدتها مختلف دول العالم في تلك الحقبة التاريخية ساهمت هي الأخرى بزيادة حماس الأحوازيين لممارسة الكفاح المسلح مما دفعهم الى إنشاء تنيظمات عدة في تلك الفترة أهمها " الجبهة القومية لتحرير عربستان" بقيادة الفقيد خليل عبد الله التميمي ( أبو عبد الله ) " الذي اختفى أثره في سوريا أواخر الثمانينات" وكانت الجبهة قد بنت استراتيجيتها على الكفاح المسلح و استطاعت أن تنزل خسائر كبيرة في صفوف القوات الإيرانية من خلال العمليات العسكرية الناجحة التي تنفذها بدعم و إسناد معنوي ومادي من العراق وليبيا وسوريا. الا أن اختراق عناصر الساواك الإيراني لجهاز الأمن العراقي الذي كان يرأسه آنذاك عميل الشاه المعروف " ناظم كزار" وقيام الأخير بتسليم عدد من أعضاء الجبهة القومية الى المخابرات الإيرانية وجه ضربة قوية للجبهة مما أدى الى تشتيت أعضائها بين العديد من الدول العربية ، غير أن ذلك لم يمنع الأحوازيين من القيام بتأسيس تنظيم مسلح آخر يضم في صفوفه خيرة من الرجال الواعين من ذوي الشاهدات والخبرات السياسية والعسكرية إضافة الى بعض الوجوه العشائرية التي كانت تحضا بثقل اجتماعي كبير، وقد حمل هذا التنظيم اسم " الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز" و قد أبلت الجبهة بلاء حسنا في كفاحها المسلح ضد سلطات الاغتصاب الفارسي بعد أن استطاعت أن توحد العديد من المجموعات العسكرية الصغيرة التي كانت تعمل في المنطقة تحت رايتها ، ومن أهم تلك المجموعات كانت مجموعة الشهيد عبدالكريم جعلوش المعرف باسم " حتة " الذي اصبح فيما بعد أحد قادة الجناح العسكري للجبهة الشعبية قبل أن تغتاله أجهزة المخابرات الإيرانية عن طريق أحد عناصرها الذي كان مدسوس في التنظيم.
لقد تمكنت الجبهة الشعبية من توجيه العديد من الضربات القوية للمؤسسات الاقتصادية والعسكرية الإيرانية ،وتعد معركة "جبل مشداخ " الخالدة من اشهر المعاركة المسلحة التي خاضتها الجبهة ضد لقوات الإيرانية، وقد استمرت الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز بممارسة كفاحها المسلح حتى سقوط النظام الشاهنشاهي وانتصار ثورة الشعوب في إيران عام 1979م فعندها أعلنت الجبهة عن حل نفسها انسجاما مع المرحلة الجديدة وذلك لإعطاء قادة الثورة والنظام الجديد في إيران الفرصة على أمل أن يصححوا ما كان سائدا من ممارسات عنصرية بحق الشعب الأحوازي ويعيدوا الحقوق العربية المغتصبة من قبل النظام البهلوي.

صباح الموسوي
rlm;02rlm;rlm;/rlm;07rlm;rlm;/rlm;2007rlm;
الكاتب: رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف