أصداء

تكعيك أو تفكيك الماركسية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ما كان ليرد إلى ذهني مثل هذا العنوان الغريب لولا السيد معتز حيسو وقد عقب على ما كنت قد كتبت حول تقريره عن الندوة التي دعا إليها حزب يوسف فيصل "الشيوعي" من أجل اكتشاف المسالك المؤدية " لتهديم الماركسية ". يرى الكثيرون أن أحد أهم المسالك لتهديم الماركسية هو تكعيكها. وبقراءة تعليق السيد حيسو في " الحوار المتمدن " بعنوان " مرة أخرى: الماركسية والماركسيون " يلاحظ المرء أن السيد حيسو هو أمهر الكعّاكين الشوام الذين هم أمهر الكعّاكين في العالم. السيد حيسو يكعّك من العجين ألف كعك وكعك، كعكاً يناسب كل الأذواق من مختلف الطبقات من الرأسمالية الإحتكارية إلى البروليتاريا مروراً بطبقة البورجوازية الوضيعة ومنها الفلاحون.

كما يكعّك العجين يكعك السيد حيسو الماركسية ولأجل جعلها قابلة للتكعيك كعوكاً مختلفة فهو يلتها لتاً ويفككها تفكيكاًً حتى تغدو مجرد " منظومة معرفية ماركسية أساسها التنوع والاختلاف (!!)" بدلاً من أن تكون كما هي "علم الماركسية" أو " النظرية " الماركسية على الأقل، منظومة معرفية كما يكون القاموس اللغوي، القاموس اللغوي الذي يعلم المفردات ولا يعلم اللغة. لقد أجهدني السيد حيسو كي أتمكن من تذوّق كل كعوكه وتمييز محتوياته من الروائح والطعومات والبهارات وأعترف بأنني لم أفلح تماماً في الأمر حيث أن قضية تهديم الماركسية تتجاوز إمكانياتي المحدودة ـ أصحاب المشاريع في تهديم الماركسية تدربوا طويلاً فيما هم فيه وتدعمهم موازنات هائلة ليست مطهرة من دم البروليتاريا.

بداية أود أن أفارق حيسو في المفردات اللغوية حيث أنه اعتقد أن وصف البورجوازية بالوضيعة إنما يقصد به التحقير وهو ما لا تقبل به البورجوازية الوضيعة التي تدعي ـ دون وجه حق ـ أن لها كرامتها التي تحافظ عليها وذلك ليس للقيام بدور سياسي بل من أجل الكرامة ذاتها. المترجمون العرب، وجميعهم من طبقة البورجوازية الوضيعة أنفوا من مفردة " الوضيعة " وهي الترجمة الدقيقة لمفردة (petite) الفرنسية و (petty) الإنجليزية فاستخدموا كلمة " صغيرة " عوضاً عن " وضيعة " من باب الحرص على الكرامة الشخصية تحديداً وليس الحرص على دقة المعنى. أنا لست معنياً بالحرص على كرامة البورجوازية الوضيعة العربية بل بالمعنى العلمي لتعبير ماركس (la petite bourgeoisie) وهو البورجوازية الوضيعة وليس الصغيرة. " الصغيرة " تعني الصغر بالحجم بينما يعلم الجميع أن البورجوازية الوضيعة تشكل أكثر من 90% من حجم المجتمعات العربية فهي ليست صغيرة في الحجم. وقد تحاشينا مفردتي " التافه " و " الحقير " وهما أدق دلالة لكلمة (petty) الإنكليزية لأنهما غير مناسبتين في السياق السياسي ولأننا لم نرم ِإلى تحقير أحد. لذلك أرجو السيد حيسو وجميع الذين يكتبون في الماركسية أن يكتبوا البورجوازية الوضيعة وليس الصغيرة لأجل الدقة في المعنى والتدليل على ما قصده ماركس حيث قصد وضاعة إنتاج البورجوازية الوضيعة ووضاعة إمكاناتها ومقدراتها كما وضاعة طموحاتها فهي في كل الأحوال لا تستطيع أن تقيم نظاماً إجتماعياً خاصاً بها ـ باستثناء النظام الدولي القائم اليوم، وهو ليس نظاماً ـ لأنها لا تمتلك وسيلة إنتاج حقيقية قادرة على تموين المجتمع كما يمتلك الرأسماليون والعمال.

الكلمة الأولى في خطابات البورجوازية الوضيعة الهادفة إلى تفكيك الماركسية أو تهديمها وطرحها جانباً هو قولها المكرور بعدم امتلاك أي طرف بما في ذلك ماركس نفسه ـ وهو المقصود ضمنياً دائماً ـ امتلاك كل الحقيقة أو الحقيقة المطلقة. وينبثق من هذه المقولة الأدبية القول بحق الإختلاف وبالتعددية. ثمة كثير من الزيف في مثل هذه الأقوال غير البريئة. عندما يقول هيجل أن حركة الطبيعة هي حركة ديالكتيكية، وعندما يقول ماركس أن المادية الديالكتيكية بموادها الثلاث هي القانون العام للحركة في الطبيعة، فإنهما يمتلكان كل الحقيقة بل الحقيقة المطلقة حيث انتهت العلوم إلى نتيجة تفيد بأن الديالكتيك هو الطبيعة ذاتها. الديالكتيك هو الحقيقة المطلقة، إنه الكون. الرأسماليون الذين امتهنوا الإنسان أيما امتهان ينطلقون في هذا من الحق في الإختلاف الذي يطالب به حيسو بل يقدسه. هم يدْعون الجميع ومنهم كل الذين امتهنوهم إلى الإنتخابات كل أربع سنوات ويفوز الرأسماليون في كل مرة استناداً إلى الحق في الإختلاف!! قام خروتشوف يهاجم ستالين عام 1956 ويسخر من مبدأ الصراع الطبقي ومن دكتاتورية البروليتاريا عام 59 وسكتت الأحزاب الشيوعية عن تلك الهرطقات من باب الحق في الإختلاف، بل ورحبت به!! ماذا كانت النتيجة؟ خسر العالم مشروع لينين وتأخرت الإنسانية لقرن أو قرنين إلى الوراء!! أنبه السيد حيسو في هذا المقام إلى أن مقولة " الحق في الإختلاف " إنما تستدعي ضمنياً محاصرة الصراع الطبقي وإخماده حيث أن الحق في الإختلاف تنفي آلياً الحق في الصراع. ثم من يوزع الحقوق كي يقال الحق في الإختلاف وامتناع الحق في الصراع؟ أهي الدولة أم لجنة من الحكماء والقانونيين أم مجمع الإكليروس؟ من يوزع الحقوق يا سيد حيسو؟ لا تقل لي منتدى يوسف فيصل أو وصال بكداش أو الجبهة التقدمية بقيادة البعث !! النظام الإجتماعي يعمل بصورة آلية يا حيسو لا يقيم حقوقاً من خارجه ولا يوزع حقوقاً ليست من طبيعته، وآخر ما يتعرّف عليه هو العدالة الإجتماعية طالما أنها من خارج طبيعته وقد جعلتها قضيتك الأولى والأخيرة مع أنها ليست من أشياء هذا العالم !! وإذ نقول أن معتز حيسو ويوسف فيصل عادا إلى أصلهما، إلى طبقة البورجوازية الوضيعة، التي من نسيجها تشكلت الأحزاب الشيوعية العربية، فلا يعني ذلك أنكما خائنان بل العكس هو الصحيح فأنتما الأمينان على تراث الأرومة وقد عدتما إلى الأصل كما هي عودة الإبن الضال فليس خيانة أن يعود المرء إلى أصوله سواء كانت البورجوازية الوضيعة أم البورجوازية الكبيرة وليقل ما يقول فؤاد النمري ومن هم على شاكلته من البروليتاريا المهزومة اليوم!! ـ نحن نشرّح (anatomize)طبقياً ولا نخوّن يا سيد حيسو.

السيد حيسو لم يقرأ ماركس بل أعداء ماركس، ولذلك تحدث عن الأصولية والفهم العقائدي للماركسية. كل الذين يبحثون عن مسالك لتهديم الماركسية، كما ورد نصاً في ندوة يوسف فيصل ـ معتز حيسو، كل هؤلاء يبدؤون بمثل حديث حيسو عندما يحبطون في مواجهة القوى المطلقة للماركسية. هم يريدوننا أن نتخلى عن مثل هذا الذخر التاريخي الذي أكد قواه المطلقة في بناء الإتحاد السوفياتي كما في انهياره، بل إن الانهيار كان أشد تأكيداً على قوى الماركسية المطلقة حيث لم يصل التخلي عن الصراع الطبقي ودكتاتورية البروليتاريا وهما مبدءان أصوليان (؟) في الماركسية إلا إلى الإنهيار الكارثي الذي ستتذكره الإنسانية جمعاء طيلة الألفية الثالثة وتلعن المرتدين والمنحرفين الذي تخلوا عن أصول الماركسية فكانوا السبب الأوحد والوحيد وراء انهيار المشروع اللينيني.

وليسمح لي السيد حيسو أن أستحضر ذاكرته إلى خمسينيات القرن الماضي، ولعله يشكرني من أجل ذلك. في العام 1950 جرت مناقشات حامية في قيادة الحزب الشيوعي البلشفي بمشاركة نشطة من ستالين ومن مجموعة من المتخصصين في الإقتصاد والإقتصاد الزراعي بوجه خاص. كان هدف النقاش هو تحديد الوسائل للإلغاء طبقة الفلاحين الكولخوزيين من المجتمع السوفياتي. كان ستالين أكثر المتناقشين محافظة ورأى أن عملية الإلغاء يجب أن تستغرق بضع سنوات قد تصل إلى عام 1957 يتم خلالها إغراق الإقتصاد الفلاحي بالمنتوجات الصناعية من السلع الاستهلاكية. من سخرية الأقدار أن خروتشوف في العام 1957 قرر برنامجاً معاكساً يزيد من طبقة الفلاحين نحو 200 ألفاً من الفلاحين وبكلفة 30 ملياراً من الدولارات؛ وفي العام 1959 قرر إلغاء دكتاتورية البروليتاريا وتحويل الدولة إلى " دولة الشعب كله " وكان شعاره هو شعار حيسو اليوم " لا للجمود العقائدي "، وماذا كانت النتيجة؟ كان أن انحدر الإتحاد السوفياتي بذات القوة التي ارتفع بها حتى الإنهيار والتلاشي عام 1991.

نهاجم التفكيكيين والتحريفيين لتمنّعهم عن عبور برزخ الإشتراكية نحو الشيوعية فيهاجموننا بتهمة الجمود والعقائدية ! نمسك بتلابيب شعرهم ونجرهم بكل قوة وبعنف ليعبروا معنا برزخ الإشتراكية لكنهم يقاوموننا بقوة أكثر وبعنف أشد. يخطط ستالين لإلغاء طبقة الفلاحين قبل انتهاء عقد خمسينيات القرن الماضي فيقرر خروشتشوف توسيع طبقة الفلاحين قبل نهاية العقد! نجرهم إلى الأمام فيسحبوننا للخلف !! كيف يجوز والحالة هذه اتهامنا بالجمود وبالعقائدية؟!! لا أعتقد أن يوسف فيصل ومعتز حيسو لم يشعرانا نشدهم والعالم كله إلى الأمام حتى يتهمانا بالجمود وبالعقائدية. نحن من نقل روسيا القيصرية والجمهوريات الخمس عشرة الملحقة بها من دول متخلفة لم ترَ بصيص الحضارة بعد عام 1917 إلى دول تتقدم معظم بلدان العالم خلال سنوات قليلة فقط بل ونبحث في إلغاء الفلاحة من تاريخ البشرية قبل أن يبدأ النصف الثاني من القرن المنصرم. ونشق عنان الفضاء لأول مرة في تاريخ البشرية عام 1957. كيف لعاقل اتهامنا بالجمود وبالعقائدية؟!!

السيد حيسو يدافع عن حرون التحريفيين والتفكيكيين بل عن رجوعهم إلى الخلف بحجة الديموقراطية وقبول الآخر. هنا أعود لمعنى الحرية الذي شرحته قبل أيام في الحوار المتمدن وأوضحت أن الحرية تتجسد قبل كل شيء في إزاحة العوائق من طريق التحرر الإنساني المتمثلة برحلة الأنسنة أو بالوصول الحر لأدوات الإنتاج. قمع المحرنين عن عبور برزخ الإشتراكية هو أروع تجسيد للتحرر والديموقراطية. المحرنون عن عبور برزخ الإشتراكية ليسوا هم " الآخر " بل هم الأعداء دون ريب، أعداء الإنسان في حجة الأنسنة الأبدية. كيف نساوي بين العدو وبين الآخر المختلف؟؟ فعل المحرنين في هذه الحالة يعطل تماماً فعل الثوريين التقدميين ولذلك تغدو مقاومتهم وقمعهم واجباً أولياً.

لأن السيد حيسو يبتذل الماركسية ويضعها في خانة المنظومة المعرفية التي لا يضطر التفكيكيون والتحريفيون إلى العودة إليها إلا بمقدار ما يعود الكاتب إلى القاموس لاستجلاء معنى مفردة بعينها، نعم لأنه يبتذل الماركسية فإنه لا يرى ما يمنعه من القول.. ـ التطور التقني ساهم في تقلص حجم الطبقة العاملة وتغيّر بنيتها، و.. فإن الواقع الراهن في بلداننا الذي لم ينتج تبلوراً طبقياً واضحاً فإنه يفترض تحالف كافة جهود القوى الإجتماعية المتضررة من تناقضات الرأسماليات المحلية المرتبطة بنيوياً مع الرأسمالية العالمية ـ إزاء مثل هذا الهذر (التكعيك الفريد) يتساءل المرء.. هل لحيسو علاقة بالماركسية؟؟ وهل صدف أن قرأ حيسو شيئاً من ماركس؟؟ وإذا ما افترضنا أن حيسو كان، أو ما زال، عضواً في حزب يوسف فيصل، فما الذي كان يفعله فيصل لحيسو حتى كان ما هو كائن اليوم؟؟ وليعذرني السيد معتز حيسو الذي علي أن أحترم شخصه الكريم لكنني أتساءل بمثل هذه الأسئلة لأميز بين السياسي أو الأحرى ممتهن السياسة من جهة والماركسي الشيوعي من جهة أخرى. ممتهن السياسة مثله مثل ممتهني المهن الأخرى كالطب والهندسة والمحاماة حيث يتركز الامتهان في الكسب المادي. لقد ألقى أيتام خروشتشوف بالماركسية جانباً وامتهنوا السياسة ولذلك تجد أحدهم يستولد تناقضات موهومة وينادي كل الشعب ليتحد خلفه لمحاربة رأسماليات غير موجودة. نعم انحدر معتز حيسو ويوسف فيصل من شيوعيين إلى ممتهني سياسة. وعلى فرض أن الشعب اشترى مثل هذه البضاعة الزائفة فما عسا حيسو أن يفعل؟؟ كيف سيفك الروابط المزعومة بين الرأسماليات المحلية الموهومة والرأسمالية العالمية المتخيلة؟؟ كانت البورجوازيات الوطنية قد اعتمدت كلياً على الإتحاد السوفياتي عندما قامت بثورة التحرر الوطني وفكت روابطها مع مراكز الرأسمالية الإمبريالية 1946 ـ 1972، فعلى أية قوى سيعتمد حيسو في فك روابط الرأسمالية المحلية مع الرأسمالية العالمية؟؟ بل أسأل إذا ما كان أحد غير حيسو يرى رأسماليات محلية في سوريا عداك عن أية علاقات مزعومة مع الرأسمالية العالمية؟! وكيف سيفك حيسو التناقضات بين جماهير الشعب من جهة والرأسماليات المحلية من جهة أخرى؟؟ مجرد أسئلة برسم الإجابة من قبل كافة الشيوعيين الذين انحدروا إلى ممتهني سياسة ولن يجيبوا ـ أنا أراهن !!

الإنتاج الرأسمالي يا حيسو في الولايات المتحدة الأميركية الموصوفة سابقاً بقلعة الرأسمالية الكلاسيكية هو أقل من 17% من مجمل الإنتاج القومي. والإنتاج الرأسمالي في البلدان العربية يقل عن 3% باعتبار أن الصناعات الإستخراجية ليست صناعات رأسمالية عن أنها ملك الدولة. عن أي رأسماليات محلية وعن أي تناقضات تتحدث يا حيسو؟؟ وكيف تقول أن واقع بلداننا لم ينتج تبلوراً طبقياً وتزعم مع ذلك أن تناقضات الرأسماليات المحلية انعكست بالضرر البليغ على مختلف جماهير الشعب؟؟ ما هذا الإنشاء السياسي الرث؟! عجيب كيف لكاتب مثلك عليه أن يراعي مصداقيته يتجرأ فيأتي بمثل هذه المفردات الغريبة على واقع الحال والمتناقضة بذات الوقت!! الأزمة التي نحن فيها يا حيسو تنبع أولاً من أنه ليس لدينا رأسماليات أصلاً وتنبع ثانياً من أن الأحزاب الشيوعية العربية وفي مجمل بلدان العالم الثالث كانت قد تشكلت كوادرها من طبقة البورجوازية الوضيعة فكان أن انتهت إلى امتهان السياسة بعد أن ساعدت ولو بمقدار وخاصة خالد بكداش شخصياً على انهيار المعسكر الإشتراكي وهدم مشروع لينين حتى الأساس. وأنت تعلم أن ممتهني السياسة هم دائماً بحاجة لمنبر، لذلك يصيحون بالجماهير لأن تتحد خلفهم لمقاتلة طواحين الهواء!! اسمح لي يا أخي حيسو أن أعبر عن حزني العميق على مصير هؤلاء الأخوة الشيوعيين سابقاً، ممتهني السياسة حالياً. ليس لدي شك في أنهم يستطعمون اليوم في أفواههم مرارة الإحباط. وبغريزة الدفاع عن الذات يبحثون عن أسباب مأساتهم فلا يجدون، لعظيم دهشتي، إلا ستالين الذي قاد الثورة الإشتراكية العالمية في انتصار تلو الإنتصار حتى وصلت أعلى سقوفها لدى وفاته. وبعضهم يعزو مأساته للينين طالما أنه هو من إقترح مشروع الثورة الإشتراكية في روسيا عام 1917. والبعض مثلكم ومثل منتدى يوسف فيصل يلوم ماركس الذي هو أصل " البلاء " فيبتذله كما تفعلون في ندواتكم!!

أود هنا وفي مقام مخاطبة الشيوعي السابق معتز حيسو أن أهيب بمختلف حلقات الشيوعيين سابقا في سوريا وغير سوريا أن يتحولوا إلى منتدى عام واحد يبتعد عن كل ما هو سياسي على الإطلاق ويكرسوا كل نشاطاتهم لدراسة الماركسية وتعميمها على مختلف شرائح الشعب حيث لا يمكن معرفة العدو الطبقي واكتشاف التناقض الرئيس اللاعب على المسرح الدولي قبل الإحاطة بالعلوم الماركسية من فلسفة، وهي الأهم، ومن سياسة واقتصاد. حينئذٍ فقط لا يمكن أن يتواجد أحد بينهم مثل السيد معتز حيسو يقول أن النظام الإشتراكي يبحث عن العدالة الإجتماعية وقد لا يتعارض مع حق الملكية !!! ليس من قبيل المماحكة أو المناكفة أقول هنا لمعتز وغير معتز من الشيوعيين السابقين أن كارل ماركس كرس كل حياته ونشاطاته وكتاباته لدحض مثل هذه الأقوال السخيفة التي لا تستحق أي اعتبار. مستوى تطور أدوات الإنتاج هو ما يحدد نمط حياة الناس، وتطور الأدوات الناجم عن العلاقة الديالكتيكية بين أدوات الإنتاج من جهة وقوى العمل البشرية من جهة ثانية، هذا التطور ينحو دائماً وأبداً إلى هدف واحد وهو زيادة الإنتاج أو زيادة تفعيل الآلة في شغلها مع الطبيعة. ومن السخف القول بأن تطوير الآلة يستهدف العدالة في التوزيع. ولو كان الأمر على مثل ما يدعى حيسو لما كان النظام الرأسمالي هو أكثر الأنظمة ظلماً للإنسان كما أكد ماركس.

السيد حيسو مأخوذ (بالتقدم) الاجتماعي في بعض الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة. الفقر المعرفي هو المنظار الذي ينظر من خلاله حيسو لهذه المجتمعات. فالتقدم الذي يراه حيسو إنما هو تقدم زائف تشكله وتلونه ديون دولة مفلسة توشك على الانهيار. هي كذلك في الولايات المتحدة حيث تصل مجموع الديون العامة لأربعة أمثال مجمل الإنتاج القومي أي 44 تريليون من الدولارات. أما ألمانيا وفرنسا فمهددتان من قبل البنك المركزي الأوروبي بالطرد من دائرة اليورو نظراً للعجوزات الهائلة في ميزانيتيهما وصناديق الضمان الاجتماعي فيهما خاوية تماما ومدينة بما فوق قدرتهما. أما بريطانيا فتعتال على مساعدات الإتحاد الأوروبي التي تصل إلى ثمانية مليارات من الدولارات سنوياً. ولعلم حيسو فإن أحوال الشعوب السوفياتي في الخمسينيات، قبل تصفية البلاشفة من الحزب، كانت أفضل بكثير من أحوال الشعوب الأوروبية رغم كل الخسائر التي لحقت بالإتحاد السوفيتي خلال الحرب وكانت أضعاف أضعاف ما خسرته أوروبا، ورغم أن أوروبا كانت قد تلقت مساعدات من الولايات المتحدة بلغت 12.5 ملياراً من الدولارات بموجب مشروع مارشال في الوقت الذي كان السوفييت يسددون الديون الضخمة للولايات المتحدة ومنها عشرات السفن التي استعادتها الولايات المتحدة وقامت بإحراقها قبالة الشواطئ السوفياتية تعبيراً عن حقدها على الإشتراكية وما حققت من انتصارات ـ ما يتوجب تأكيده في هذا السياق هو أن الجيوش السوفياتية هي التي هزمت وفككت الجيوش اليابانية في شرق آسيا ولولا ذلك لاحتلت اليابان الولايات المتحدة حتى بعد عارها في هيروشيما وناغازاكي!!

لن أختتم قبل أن أشير إلى المغالطات التي أتى بها حيسو إذ قال.. " ومن المؤكد بأن ماركس كان أول من دعا إلى تغيير بعض ما ورد في البيان الشيوعي عندما رأى أنها لم تعد تتناسب والمتغيرات الإجتماعية في حينها" ـ الفيصل بيني وبين حيسو هو التحدي الذي أطرحه عليه ليأتي بأي قول لماركس يؤكد ما ذهب إليه. وكي أهزم حيسو بالضربة القاضية فإنني أقتطف الترجمة الحرفية لما كتبه ماركس في مقدمة الترجمة الألمانية للبيان الشيوعي (المانيفيستو) المؤرخة في 24 يونيو 1972، قال ماركس.. " بغض النظر عن مقدار التغيرات في الأحوال التي يمكن أن تكون قد حصلت خلال الخمس والعشرين سنة الأخيرة فإن المبادئ العامة التي ضمها المانيفيستو ما زالت بالإجمال صحيحة كما كانت أبداً ". وأيضاً يزعم حيسو.. " أن ماركس لم يضع تحديداً نهائياً للدولة المستقبلية". مرة أخرى أقول لحيسو: بل وضع. قال ماركس في نقده لبرنامج غوتا.. " تعبر المجتمعات الاشتراكية بقيادة دولة دكتاتورية البروليتاريا وتموت وتضمحل وتتلاشى دولة دكتاتورية البروليتاريا بعد الإنتهاء من عبور الإشتراكية ". أبعد هذا من تحديد؟!! ـ أنا أفهم أن يتخلى حيسو وفيصل عن الماركسية لكنني لا أفهم مطلقاً الافتئات على ماركس !!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف