غزو بريطانيا العظمي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تشكيلٌ من ستةِ أطباءٍ وفني مختبرٍ، دبروا لتفجيراتٍ شديدةٍ في لندن وجلاسجو، تعلموا لسنواتٍ طويلةٍ، انتهوا إلي أن الحياةَ لا قيمةَ لها، علي الرغمِ من دراستِهم، من السهلِ، بل من الواجبِ إهدارِها. غادروا بلادَهم لطلبِ العلمِ الحديثِ، هكذا بدوا، حقيقةُ سفرِهم كشفَت العكسَ، إنهم يُخططون للتدميرِ، للقتلِ، فُتِحت لهم الأبوابُ، دخلوا بنيةِ الغدرِ. انكشفوا، فشلوا، أهو عقابٌ من الله؟ هل فيه الدرسُ والعظةُ؟ أم أن "الجايات أكثرُ من الرايحاتِ"؟
المجتمعاتُ العربيةُ والإسلاميةُ تعيشُ انفصامٌ في شخصيتِها، ما عالَجُه علمٌ ولا داواه، انفصامٌ بين الواقعِ والمعتقداتِ الدينيةِ والمذهبيةِ والعاداتِ والتقاليدِ والأعرافِ. الحياةُ اليوميةُ تشي بمظاهرٍ توحي بالتدينِ وبممارساتٍ تناقضُه، غشٌ في المعاملاتِ، كذبٌ في الحديثِ، لا نظافةَ ولا إيمانَ، كراهيةُ وبغضاءُ، تداوٌ بالأعشابِ والخزعبلاتِ، تمييزٌ وعنصريةٌ، لاختلافِ الدينِ واللغةِ والجنس واللونِ والطبقةِ والطائفةِ.
الكلُ سواءٌ في معتقداتِهم وممارساتِهم وردودِ أفعالِهم، المتعلمُ والجاهلُ، الشهادةُ للارتقاءِ في السلمِ الاجتماعي، ليس إلا، ليست لتنمية المداركِ ولا للارتقاءِ بالثقافةِ. لا غرابةَ إذن إذا خالفَ المتعلمُ قواعدَ المرورِ، إذا قتلَ باسمِ الشرفِ، إذا ارتكبَ جريمةَ ثأرٍ، إذا فجرَ نفسَه وغيرَه، إذا بني علي أرضٍ زراعيةٍ، إذا أتلفَ ممتلكاتِ الدولةِ، إذا تهربَ من سدادِ التزاماتِه، إذا منعَ زوجَته من العملِ، إذا ميزَ أبناءه الذكورَ، إذا قصرَ في تعليمِ بناتِه.
الأغلالُ العقائديةُ والاجتماعيةُ أقوي من التعليمِ، في مجتمعاتٍ قبليةٍ جامدةٍ، المدنيةُ سطحيةٌ في المدنِ الرئيسيةُ، الابتعادُ عنها رجوعٌ صريحٌ للوراءِ، لروحِ القبيلةِ والعشيرةِ، الوجهُ القبلي والصحراءُ الغربيةُ وسيناء تناقضُ تماماً ظاهرَ القاهرة والإسكندرية، لا أثرَ فيها لحياةٍ حديثةٍ مُتفتحةٍ مُقبلةٍ، فجةً فظةً، لا تتجملُ، سائرُ الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ ليست بأفضلِ حالاً.
لا غرابةَ إذن إذا تشكلَت كتيبةٌ للتدميرِ في بريطانيا وفي غيرِها، لا اعتبارَ لكونِهم أطباءٍ متعلمين، التعليمُ لم ولن يثقفُهم، لم يسم بهم، أغلالُهم أقوي وأغلظُ، مجتمعاتُهم قشريةٌ، لا يفصلُها عن البداوةِ إلا شعرةً، غطاءٌ هشٌ مما يبدو حضارةَ، ليست بالطرقِ المسطحةِ ولا المباني التي تبدو براقةً، إنها في ثقافةٍ غائبةٍ ضائعةٍ، في القابليةِ للتأقلمِ، في الانفتاحِ وتقبلِ الغيرِ.
التغييرُ بعيدٌ، لن يقتربَ إلا بكارثةٍ، هكذا أثبتَ التاريخُ.
ا.د. حسام محمود أحمد فهمي