أصداء

لا ديمقراطية فوق خراب الدكتاتورية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تنموا البنى الإجتماعية بكل إتجاهاتها في المجتمعات الإنسانية عندما ينمو الكائن البشري فيها بكل طاقاته، ذلك عندما يظهر نظام ديمقراطي متين يساند و يدعم بالدرجة الأساس عملية بناء الإنسان من كل النواحي الثقافية، الإجتماعية، السياسية، الإقتصادية و الحضارية..و هذا يتحقق تزامنا مع ظهور نخبة سياسية و حزبية تكنوقرطية بكفاءة عالية تثق بنفسها خارج المنظمومة الإجتماعية و السياسية المتخلفة و خارج المنظومة الدكتاتورية التي لم تخلف سوى دمار الإنسان و القيم الإنسانية على مدى سنوات الحكم.. و العراق نموذجاً..


من غير الممكن بكل حال من الأحوال قيام نظام ديمقراطي صحي تام على أنقاض نظام دكتاتوري، مثلما يحدث الآن في العراق، ما يحدث الآن هي محاولات لفهم الديمقراطية، و ربما أقل من ذلك، هو محاولة للإقتراب من معنى الديمقراطية، و ليس محاولات بناء الديمقراطية أو تطبيقها كما يدعي البعض، لأن الديمقراطية هي هي ثقافة و هي عملية طويلة الأمد، لا تبدأ من حيث سقط النظام الدكتاتوري و إنما تبدأ بالتوافق بدأ من تنظيف الأرض من أشواك الديمقراطية و أعشاب البغض و الحقد و سياسة فرق تسد، و فلاحتها و تسميدها من ثم زرعها من جديد، و هذه عملية تستغرق زمناً أطول مما نفكر به..


فليست هناك أساساً تجربة ديمقراطية حقيقية، لأن من بالداخل الآن ليسوا في حالة تؤهلهم لإستيعاب دروس الديمقراطية وسط الهلاك و الخراب و الإرهاب الدائر حالياً على أرض الواقع، و تورط أفراد متنفذة في السلطة و من داخل مراكز القرار الحكومي في جرائم الإرهاب و إنكشاف ضلع لهم في العمليات الإرهابية.. و من هنا لا يمكن بناء الديمقراطية بأيد زرعت سابقاً بذور الإرهاب و سقتها من ينابيع الدكتاتورية، و هي أيدي متهمة بالإرهاب و تواطوءها مع الشيطان.. عليه من المستحيل تثبيت أركان و دعائم الديمقراطية على أرض جدباء أو أرض لم تنموا عليها أعشاب الديمقراطية قبلاً، لأنها مزروعة أصلاً ببذور الدكتاتورية منذ عهود طوال.. و لأن الثقافة الوحيدة التي تغلب الآن على أرض الواقع و التي هي من مخلفات النظام البائد، هي ثقافة الدم و إلغاء الآخر و الإرهاب و الدمار.. فلن تنموا على المدى البعيد على هذه الأرض بذور الديمقراطية، البذور التي يتم زراعتها بالخطأ على أرض مليئة بطفيليات و بذور الإرهاب و مخلفات الدكتاتورية، و لن تزدهر بساتين أحلام الديمقراطية مالم يغيروا الواقع و يغيروا الأعماق و العقول، و كما تقول الآية: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.." و لن تغير السياسة الأمريكية ايضاً شيئاً في العراق مالم تأتي مبادرة و إرادة التغيير الحقيقية من داخل أهل البلد أنفسهم.. عليه ليست هناك تجربة ديمقراطية تنموا في أحشاء الدكتاتورية، و ليست هناك فلسفة فكر ديمقراطية تقوم على خلفية فكر دكتاتوري سابق.. فهذه التعقيدات و الإشكالات الفكرية و المذهبية و القومية لن تزول إلا على أيدي النخب السياسية التي تعمل ضمن المنظومة السياسية و العملية السياسية الحالية في العراق، من ثم يولد فكر و ثقافة سياسية و حزبية جديدة على أرض لم تعرف لون الدم و لم تتعامل مع معطيات الإرهاب و لم تتعاطاه، بحيث يمكننا في النهاية تحديد ملامح الدولة الديمقراطية لكن على مراحل ستأخذ منا الوقت و الجهد الكثيرين.. إضافة إلى ذلك علينا أن نفرق بين النخب السياسية و النخب الحزبية، و النخب الدينية و أخرى عقائدية و أخرى قومية، فتجري الآن خلظ في أورراق المصالح المختلفة، من إقتصادية، سياسية و مذهبية و قومية و أخرى مصالح ترتبط بدول الجوار و المنطقة بشكل عام.. و علينا أن نعترف بحقيقة أن ليس كل من يمارس السياسة الآن على أرض العراق هو سياسي و ليس كل حزبي حزبي بالفعل، كما ليس بالضرورة كل الحزبيين سياسيين، لأن ما يحدث الآن هو عبارة عن عملية خلط الورق إستعداداً للهملية السياسية الكبرى التي ستطرح ثمارها بعد سنوات طوال و ليس على المدى القريب..


لأنه ببساطة ليس هناك فهم لكل معطيات الديمقراطية و ليس هناك إستعداد نفسي و سايكولوجي لدى الإنسان السياسي العراقي لإستيعاب دروس الديمقراطية بنفس السرعة التي يحدث فيها الإرهاب و بنفس السرعة التي تسيل بها الدماء.. ففي هذه الحالة يضطر الكثير من السياسيين العراقيين ترك الكثير من حصص الديمقراطية و اللجوء إلى بعض أدواة الدكتاتورية بدعوى محاربة الإرهاب من أجل إحداث توازن في القوى السياسية و السيطرة على الوضع المتأزم حالياً على أرض العراق..
لابد من أن نعترف أيضاً أن البعض من النخب السياسية في العراق على إختلاف إنتماءاتهم القومية و الدينية لها مصالح مع إٍستمرار الوضع السياسي المتأزم و عدم الإستقرار الذي هما من مخلفات النظام البائد، أولاً من أجل تحقيق المزيد من المصالح و المطامع التي لا تتحقق إلى في أجواء سياسية متأزمة و على أنقاض السياسة الشوفينية البائد، و لأنهم لا زالوا لا يؤمنون يحتمية تداول السلطة سلمياً و ديمقراطياً بين أبناء الشعب.. و ثانياً بسبب صعوبة الإنتقال مرة واحدة من دكتاتورية أسست لسنوات طوال لثقافة القتل و التشريد و التهجير و التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، إلى نظام ديمقراطي قائم على أسس و مباديء إحترام حقوق الإنسان و مبني على ثقافة القبول بالآخر، و هذه أصعب مرحلة و أصب عملية، ستأخذ سنوات طوال من عمر العملية الديمقراطية في العرق..


و إن لم يتم تهيئة أرضية حقيقية نظيفة قائمة على اساس العدالة و المساواة و التسامح و مستمدة روحها من ثقافة التنوع العرقي و القبول بالآخر مهما كان لونه، و تطبيق مبدأ "نحن مختلفون، نحن متساوون" تلك الثقافة التي عمل النظام البائد جاهداً على تشويهها بين أبناء الشعب.. فلو رجعنا إلى الوراء و قسنا الزمن الذي سيستغرقه هدم تلك الثقافة الشوفينية و إنهاء كل هذا الدمار الذي خلفه النظام الدكتاتوري بالزمن الذي إستغرقته عملية زرعه لتلك الثقافة الشوفينية و تجذرها في الأرض العراقية، فإننا بدون شك سنصل إلى حقيقة قاسية و هي أن جيلين سيتوالان إلى أن يزول كل الخراب الذي أورثه النظام البعثي الغاشم للإرهابيين من بعده..


رغم أن الصراع و الإشكاليات السياسية الحالية في العراق لا تتمثل فقط بصراعات من طائفية و مذهبية و قومية، بل هي أيضاً صراعات داخل الحزب الواحد و المذهب الواحد و حتى القومية الواحدة، عليه فهي صراعات داخل صراعات.. من هنا فلايوجد في العراق الآن الأرضية المناسبة لتثبيت أقدام ثقافة القبول بالآخر وفق مباديء ديمقراطية حقيقية، لأنه ليست هناك ديمقراطية حقيقية أصلاً في العراق، و هذا ليس تشائم و إنما إستنتاج لما يحدث أمام الأعين.. فمن في السلطة الآن فهو يحمل المعول و يحاول هدم البعض من جدران بنيان النظام الدكتاتوري في طريقه لفهم الديمقراطية، فمن لم يشب على مفاهيم الديمقراطية من الصعب عليه إستنباطها من واقع مؤلم مثل الواقع السياسي العراقي، و من لم يشرب من ينبوع الديمقراطية في طفولته، من الصعب أن يؤمن بالحلول الديمقراطية لمعضلة مثل المعضلة العراقية، و هذه هي الحالة العراقية الآن بيد ساستها.. و من بوادر فشل الديمقراطية في العراق أنها تبنى على أ{ض مزروعة ببذور الدكتاتورية، و قبل قلع تلك البذور..

فينوس فائق

venusfaiq@yahoo.co.uk

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف