الشريعة والقانون كمان وكمان (3)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ذكرنا فى المقال الأول من هذه السلسة أن ما يطلق عليه "الشريعة الإسلامية" " لم ولا ولن يعرف أحدا كنهها ونصوصها المنضبطة أبدا". وأن الفتاوى قادرة بشغل الجلا جلا أن تجد الحكم وضده فى ذات الوقت وكله من "الشريعة". وقلنا أن أفضل ماجاءت به الحملة الفرنسية على مصر هو فتح الطريق لمصر وغيرها
الشريعة والقانون وفتح عينك تاكل ملبن!
الشريعة والقانون وشغل جلا جلا..2
من دول الأعراب لتدوين نصوص منضبطة عامة مجردة فى صيغة قوانين، وجدير بالذكر أن من يقرأ فى كتابات الدكتور السنهورى -أبو الدساتير والقوانين العربية جميعا- يجد جميع النصوص القانونية أو اغلبها لها سند "ما" من الشريعة برضه. وها من قبل أن يجف حبر كتابة ذلك المقال خرج علينا الشيخ صالح الفوزان بفتوى تكفير جميع الليبراليين -حسب الشريعة-، ثم عاد وتراجع عن فتواه برضه حسب الشريعة!؟وفى المقال التالى أوضحنا أن الفقهاء والمتفيقهين قد أورثوا ألاعيبهم تخريجاتهم وتخريفاتهم الفنتازية للقانويين العرب وأولهم بالطبع المصريين. وقلنا أن "الضمير" مصطلح فضفاض جدا يستحيل على الضبط والتعريف الدقيق. ومن الآفات التى تصيب الضمير وتتلف تقديره قلة الوعى والإدراك وبلادة الإحساس، وأيضا والأهم الإفساد والتشويه المتعمد مع فقدان القيم وإنعدام القدوة، وهذه كلها توفرت بكثافة فى السنوات الأخيرة لدى الناطقين والقارئين بالضاد! وقلنا أن الخضوع للقانون وإحترامه من جانب الجميع رؤساء وأفراد وقضاة بالذات أفضل وأدق وأضبط من الكلام العائم الغائم عن الضمير الذى تختلف أحكامه وقيوده لدى كل فرد من الناس عن الآخر!
تنص كل الدساتير العربية تقريبا على أن "الشريعة الإسلامية" هى مصدر أو المصدر للتشريع... ونتحدى أن يقوم أحد بتعريف جامع مانع لأحكام الشريعة الإسلامية المشار إليها، أو أن يضبط أحكامها بنصوص يمكن معرفتها مقدما للحاكم والمحكوم!؟ هذا شعار تهويمى مضلل غائم جدا لا يختلف أبدا وبأى حال عن الشعار التضليلى المنافس "الإسلام هو الحل"! لا أحد يقول لنا ماهو المقصود بالشريعة الإسلامية بطريقة محددة يعلمها ويتفق عليها كافة المحكومين بها فى وطن واحد من رؤساء وأفراد... ولا أحد يستطيع أن يفصل لنا كيف أن "الإسلام هو الحل"!؟
وفى دول الأعراب لا يوجد اليوم قانون بمعناه الدقيق إطلاقا. ويكفى أن يسأل المرء نفسه عن أى واقعة أو علاقة فى بلاد الأعراب ويرى إن كان يستطيع أن يستقرأ الحكم فيها مقدما بعيدا عن "مزاج" القاضى أو موقع الأطراف من الهيئة الإجتماعية بل وديانتهم ايضا!؟ هذا بافتراض نظافة اليد حسن النية! ومثال على ذلك لو قلنا إن قتل مواطنا آخر، على سبيل المثال، فما هو الحكم المتوقع؟ يختلف الحال إن كان القاتل قد قتل فيما يسمى جرائم الشرف عن غيرها! وكذلك يختلف الحال حسب الديانة والثراء والموقع من الهيئة الإجتماعية... والقتل هو جريمة المفروض أنها وعقوبتها شديدى الإنضباط لتعلقها بأمن المواطن، ومجرد إرتكابها يمثل قمة الإستهتار بالحياة الآدمية، وهو إنتهاك لسيادة الدولة ومبرر وجودها فى أقصى درجاته. ويزيد غموض الأحكام وهلاميتها كلما دقت الجريمة مثل جرائم التزوير وإغتيال المال العام والخاص والنصب والإستغلال وتهديد السلم والأمن العام ألخ... هذا عن الجرائم فما بالك بالقضايا المدنية والتجارية!
ليست الأحكام القضائية فقط هى التى تمتع بالضبابية والتجهيل، ولكن المشرع العروبى أيضا لديه ذات الآفة، وهى الكذب والغش وشغل الجلا جلا... جميع الساتير والقوانين العربية تحتمل الشىء ونقيضه، وكل حقوق الإنسان معلقة بمزاج المشرع ورئيس السلطة التنفيذية، إن شاء تبغبغ وتشدق بمبادئها، وإن شاء ألغاها بمجرد قول وليس حتى بجرة قلم... يمكن للحاكم بكلمة أن يلغى جميع القوانين ويحيل من يشاء إلى محاكم عسكرية ويحاكم بعقوبات عجيبة ويقرر قرارات شاذة، ويتولى ترزية القوانين وصبية الأعلام الإقناع وتمرير ما لا يمر وتزيين ما لا يتزين... ويكفى أن ترزى بدرجة أستاذ قانون يتولى رئاسة مجلس الشعب المصرى قد "أفتى" أن هناك مواد وأحكام فوق دستورية يستطيع أن يخرجها لنا من كم قميصه إذا دعت الحاجة!؟
عادل حزين
نيويورك
Adel.hazeen@gmail.com