أصداء

دكاترة ام قوم لايفقهون؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لطالما خانتني الذاكرة ولم تسعفني كما يجب، لكنني لم ولن انسى ابداً يوم الحادي عشر من ايلول سبتمبر عام 2001، ليس لهول ما جرى من حدث رهيب صباح ذلك اليوم، ولا لفظاعة المشاهد الحية التي بثت عبر الفضاء وعلى شاشات التلفاز، فقد شاءت الصدفة ولسوء حظي، ان يكون الاجتماع التقييمي الشهري الذي كنا نعقده نحن الزملاء في العمل مرة كل شهر في مساء ذلك اليوم، وكوني المسلم الوحيد بين جموع الحاضرين، ادركت منذ اللحظة الاولى انني سأكون نجم الامسية والاجتماع دون منازع، وبالفعل كان في انتظاري العديد من الاسئلة والاستفسارات الفضولية، ووجدت نفسي بالرغم من المعرفة المسبقة لزملائي بتوجهاتي الليبرالية في موقع لايحسد عليه، فأنا مسلم وقادم من الشرق الاوسط، حالي كحال منفذي الجريمة الانتحاريين، وشعرت حينها بنظرات الجميع تتجه نحوي وتبحث عن اجوبة فورية، ولحسن الحظ كنت قد حضرت نفسي جيداً لمثل هذا الموقف، وما كان علي سوى المبالغة في ابداء اسفي وتعاطفي مع ضحايا الحادث الارهابي، وفي الوقت نفسه حاولت قدر جهدي نقل صورة مشرقة ومشرفة عن حقيقة الاسلام والمسلمين، وبينت لزملائي اننا نحن معشر المسلمين بعيدين كل البعد عن الافعال الشنيعة وارهاب الانتحاريين القتلة المنحرفين، والقيت بلوم على السياسات الغربية التي دعمت كل الطغاة في منطقتنا وامدتهم بالقوة والسلاح حتى كان نصيب شعوبها الجهل والجوع والاستبداد، واتذكر جيداً انني قلت حينها عن مرتكبي جرائم 11 ايلول انهم مجرد جهلة وقوم لايفقهون، وحتى اثبت اننا نحن ابناء الجالية الاسلامية سفراء سلام للاسلام المسالم في بلاد المهجر والغربة، غادرت الاجتماع وانا القي التحية على الجميع بلغة القرأن الكريم، وقلت لزملائي فردا فردا وانا اصافحهم "السلام عليكم" .


اليوم وبعد مرور ستة اعوام تقريباً على حوادث 11سبتمبر الارهابية، وتصاعد وتيرة الارهاب الاسلامي وتفجيرات مدريد ولندن، وماجرى ويجري في العراق من قتل بشع للمدنيين من قبل الجماعات الاصولية، ومشاهد الذبح القاسية على ايدي الملثمين من القاعدة، والعمليات الانتحارية في مشارق الارض ومغاربها، والسيارات المفخخة، وبعد ان اصبحت الحوادث الارهابية هاجس لا يفارق مواطني الغرب وحديثهم اليومي، اجد نفسي كبقية المغتربين العشرين مليون مسلم في اوروبا وامريكا، في حيرة من امرنا مع حدوث كل عملية ارهابية، كما نجد انفسنا في موقع الاتهام وفي افضل الاحوال الاشتباه في بلاد الغرب، بعد ان فتحت تلك البلاد ابوابها لنا ولاولادنا، وعاملتنا بالمعروف والطيبة والضيافة الحسنة، واغدقت علينا بكرمها وخيراتها وامنها وحصانتها، ومعوناتها الاجتماعية والمادية، ومنحتنا حقوق المواطنة والجنسية وجوازات سفر محترمة، وعاملتنا معاملة الابناء مثلنا مثل غيرنا من اصحاب البلاد الاصليين .


العمليات الارهابية التي تستهدف المدنيين في عواصم الغرب، فتنة شديدة "ما بعدها فتنة"، ان لم تتوقف ستكون نتائجها وخيمة ومؤلمة علينا نحن ابناء الاقلية المسلمة في اوروبا وامريكا، اما بالنسبة لي شخصياً وعلى خلاف اقراني من المهاجرين، العملية الارهابية الفاشلة الاخيرة في لندن والتي كان ورائها سبعة اطباء لا سامحهم الله، بالرغم من احباطها كانت اشد وقعاً من غيرها من العمليات في حياتي وربما مستقبلي، وكلما شاهدت زملائي في العمل احاول ان اتجنبهم، بعد ان اكتشف الجميع حقيقة الانتحاريين وحقيقة حديثي في تلك الامسية اللعينة، واتذكر بحسرة ماقلته عن انتحاريي يوم الحادي عشر من سبتمبر ووصفي لهم بالجهلة والاميين، والسلام عليكم وعلينا .


درويش محمى

كاتب سوري

d.mehma@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف