أصداء

الصحوة المتأخرة للرئيسين الطالباني والبارزاني

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في ضوء الواقع المأساوي المعيشي الراهن للأغلبية الفقيرة من الكردستانيين في الإقليم العراقي الفيدرالي، الذي يتركز أزماته الرئيسية في ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن والرعاية الصحية، فإن أعمال الرئاسة والحكومة والبرلمان في إقليم كوردستان لا تتسم بأية جدية للخوض في تلك المشاكل والأزمات الحقيقية التي يعاني منها المواطنون، وبالعكس على ذلك فان هذه المراكز القيادية قد أدخلت نفسها في سبات عميق لا مجال فيها لاختراق أصوات الشعب الجائعة آذان قيادات هذه الرئاسات التي تلج في نوم غارق وسط صرخات الفقراء والمساكين الكرد الذين بدأت حياتهم بالرجوع الى عصور العبودية والتجارة بالرق التي كانت سائدة في الأزمان السابقة، رغم الدعوة الأخيرة والصحوة المتأخرة للرئيسين مسعود بارزاني وجلال طالباني لإصلاح الوضع الكوردستاني المتأزم، صحوة يمكن اعتبارها ميتة بكل الحسابات لأنها آتية في وقت ضائع لا تأثير لها ولا فعل.
وما كتبه نائب الرئيس الوزراء العراقي ونائب السكرتير العام في حزب الطالباني الدكتور برهم في صالح في مقاله "وخزة لكنها مؤلمة" في إيلاف، برهان ودليل قاطع على ما ذهبنا اليه في مقالاتنا السابقة في إيلاف وفي مقالنا "التماسيح الكردستانية" بخصوص الفساد الرهيب للسلطة الحاكمة للحزبين الحاكمين الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكوردستاني برئاسة جلال طالباني، ورغم هذا الاعتراف المر من قيادي كوردي عراقي رفيع المستوى بالواقع الأليم الذي يعانيه الحضور الكردستاني فان هذا الاعتراف يسجل صورة مظلمة لواقع الحكم في الإقليم، وتدل على ان الأغلبية الفقيرة في كردستان مرمية في حلبة لمصارعة همجية أمام أقلية حاكمة على هيئة ديناصورات ووحوش كاسرة لا تملك ذرة من الرحمة ولا ذرة من الإنسانية، جل هم هذه الوحوش الإنسانية امتصاص دماء الشعب ونهب أموالهم المخصصة من الميزانية الفيدرالية في بغداد التي تقدر بستة مليارات دولار سنويا وسرقة ما تجمع ما إيرادات في الإقليم الذي يقدر بملياري دولار سنويا، إضافة الى نهب أموال المساعدات والمنح الدولية التي تقدم سنويا للعراق وتستقطع جزء منها لإقليم كوردستان، كل هذه الأموال الطائلة المستباحة من المال العام مقسمة بين الحزبين باتفاق بين رئيسيهما ومكتبيهما السياسيين.
لهذا وتزامنا مع نهجنا الصريح في كشف الحقائق أمام الكردستانيين والعراقيين من خلال هذا المنبر الحر، مع إبداء حرصنا على أن لا يكون كلامنا جزافا على الرئاسات الكوردستانية وعلى الحزبين الحاكمين المتسلطين على رقاب الكردستانيين بفساد أعمالهم، فإننا نطرح بعض الحلول العملية العاجلة لمعالجة الفساد المتفشي والمشاكل والأزمات الحياتية والاقتصادية التي يعاني منها الكردستانيون في الواقع الراهن بشفافية أمامهم، لدراستها والكشف عنها للاستفادة منها ضمن الاختيارات المفتوحة لتغيير الواقع في الإقليم من منطلق خلق حالة حقيقية متسمة بالإصلاح الجدي لدى البعض من القيادات الكوردية ممن بقي لديهم كم من قطرات شرف النزاهة في قلوبهم ليتقدموا المسيرة السياسية في كوردستان لمناهضة أهل الحكم من الفاسدين والجائرين المتسلطين، والحلول الأساسية تنحصر بما يلي:
أولا:
الكف عن تشكيل المجالس واللجان الرئاسية، باسم المجلس السياسي الأعلى للأحزاب الكوردستانية، المجلس الأعلى للرئاسات الثلاث الرئاسة والبرلمان والحكومة، لعدم وجود أي تأثير فعلي لهذه المجالس الرئاسية لتقليل هموم الشعب ومعاناتها وحصر أعمالها بتوزيع الامتيازات وترك الأغلبية الفقيرة من الشعب على حالها، في ظل وجود حالة متسلطة من مظاهر التمايز الطبقي بين شرائح فقيرة كثيرة النفوس وشريحة قليلة العدد من أهل الحكم والسلطة تعيش في بروج عالية تحتضن أصحاب الأموال المنهوبة من قبل مسؤولين في الحزبين الحاكمين وفي الرئاسة والحكومة والبرلمان والأطراف المشاركة على الساحة السياسية، منهم أصحاب النفوذ الذين استحصل البعض منهم على ثروات منهوبة طائلة بين ليلة وضحاها مستغلين السلطة والمنصب على حساب الشعب، وذلك من خلال إرساء حالة رهيبة من استباحة المال العام الكوردستاني من أجل المنافع الشخصية والحزبية والعائلية.
ثانيا:
تحرير الاقتصاد الكوردستاني من براثن أرباب السلطة الحاكمة، ووضع تشريعات نافذة وفعالة لحماية الشعب، في ظل وجود حالة من الغلاء الفاحش، نتيجة سيطرة واحتكار أهل الأموال والتجارة والشركات من أهل الحكم على الأسواق وجميع مكامن التجارة الكوردستانية، نتيجة تقاسم أهل السلطة ودولة الإقليم بنفوذهم مع التجار المتاجرين بقوت الشعب، لجني منافع مالية وتجارية وسوقية بحتة لا مجال فيها لذرة من الانتماء الوطني والإخلاص المهني، ووجود حالة من الاحتكار الشديد لدى البعض من أرباب السلطة للمكونات الأساسية للتجارة والاقتصاد والاتصالات في الإقليم.
ثالثا:
تخصيص صندوق بمليارات الدولارات من الأموال المنهوبة من المال العام الكوردستاني عند الحزبين ومن أرباب السلطة الحاكمة لمعالجة أزمة السكن من خلال بناء عمارات وشقق سكنية في جميع المناطق السكنية في الإقليم، في ظل وجود أزمة خانقة للسكن في الإقليم، مع ارتفاع باهظ في الإيجار، وارتفاع خيالي في أسعار الأراضي والعقارات، والمشكلة أن هذه الأزمة تقف ورائها كل المسؤولين القياديين والحكوميين للحزبين الحاكمين والأحزاب المتطفلة الصغيرة في كوردستان وعلى رأسهم الرئيسين بارزاني وطالباني، لأن ملكية أغلب العقارات والبنايات والعمارات والأراضي تعود لهم حتى باتت مدن سكنية بالكامل، تعود ملكيتها لأسماء بارزة على الساحة السياسية والتجارية والاقتصادية من أرباب السلطة الحاكمة بصيغة التملك الغير المباشر، مدن وعوالم تبنى في الإقليم وكأننا نعيش في عالم خيالي لا وجود له الا في أفلام هوليود، كالمدينة الأمريكية والإنكليزية والفرنسية والعمارات السكنية الفارهة الحالمة التي لا يقدر على شرائها الا من يمتلكون الملايين بالعشرات والمئات والآلاف من أصحاب الفرهدة والنهب التي يعج بهم بلاد الكورد وبلاد العراقيين طولا وعرضا.
رابعا:
إقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة تكنوقراط بكفاءات وشخصيات نزيهة تتسم بالوطنية والانتماء الفعلي لكردستان والعراق، وتغيير أعضاء البرلمان الكوردستاني، بسبب وجود حالة من السبات العميق لجميع الأطراف الحكومية والحزبية بجميع مستوياتها الرئاسية والحكومية والبرلمانية والحزبية، وكأنهم راقدون في شرانق لا حياة فيها ولا موت سوى سلب الامتيازات ونهب المال العام للشعب الكوردستاني، ودليلنا على عجز الحكومة هي الأزمات الحياتية الخانقة التي يعيشها الكوردستايين والتي أخذت بالارتفاع مع بدايات التشكيلة الجديدة للحكومة الموحدة، وللاستدلال على عجز البرلمان هو عدم دراية وإلمام رئاسة وأعضاء البرلمان الكوردستاني بأية مفردة من مفردات ميزانية الإقليم المطروحة أمامهم لعام الفين وسبعة لجهلهم وعدم درايتهم بأبسط المعلومات الإدارية والمالية والاقتصادية والسياسية، لأنهم دمى للحزبين الحاكمين منصوبين فقط لملء الكراسي في البرلمان لا قرار لهم ولا رأي.
خامسا:
إحداث تغيير شامل في جميع المواقع الحكومية والحزبية استنادا الى سلسلة أنظمة إصلاحية متسمة بالمهنية والتخصصية الكاملة، بسبب حصر جميع المواقع والمناصب والوظائف الحكومية بالحزبين المسيطرين على الساحة السياسية دون الاعتماد على الكفاءة والخبرة والشهادة، وكأنها ملكية مطلقة لهم دون حياء ودون استحياء، وهذا العمل خرق فاضح لقواعد حقوق الإنسان التي تستند الى المساواة وتوفير فرص التساوي أمام الجميع، وهو خرق فاضح أيضا للمبادئ والحقوق والقواعد الدستورية في الدستور العراقي الدائم.
بعد سرد هذه الحلول المقترحة لمعالجة الفساد والأزمات الحياتية في إقليم كوردستان، لا بد أن نبين ان الاستحقاقات الحكومية تجاه الكوردستانيين منذ الانتخابات البرلمانية التي جرت في العراق لم تتحقق أي استحقاق منها في ظل وعود أطلقها الحزبين والرئيسين طالباني وبارزاني والحكومة الموحدة، عند عرض برامج عملهما، لهذا بقيت الأزمات الحياتية على حالها ولم تقف عند هذا الحد بل سايرتها معاناة أكثر ومصاعب أشد في حياة المواطن في الإقليم، فتولدت عنها حالة من الفقدان التام للثقة بين الشعب والحكومة، وهذا ما بينها إحدى برامج استطلاعات الرأي في فضائية كوردستان، نتيجة انتشار مظاهر الفساد والثراء الفاحش المبني على استغلال السلطة، وفقدان مظاهر تنمية الأنشطة الاقتصادية والتجارية لتوفير الفرص الاقتصادية الصغيرة للفقراء الكورد، وفقدان مظاهر تنمية القطاعات الزراعية والصناعية لإعادة عجلة الإنتاج الى الاقتصاد المحلي، وفقدان مقومات تغيير وضع المرأة وتحصينها اقتصاديا واجتماعيا، وتفشي ظاهرة هدر قتل النساء، وفقدان الاهتمام بالشباب وتوفير فرص العمل لهم بالتساوي، وغياب توفير مقومات تكوين الحياة الأسرية، وفقدان الوسائل الرادعة التي تحد من الحصول على الثروة بأساليب غير شرعية واستغلال السلطة، ووجود أزمات حياتية خانقة كالكهرباء والسكن والبطالة وفرص العمل.
لذا فان الحلول لمقترحة في هذا المقال يمكن اعتبارها من المهام الوطنية الآنية أمام رئاسة الحزبين الحاكمين وأمام رئيس الإقليم والرئيس العراقي، وفي حالة تطبيقها ستمنحنا الأمل الكبير للعمل على مناهضة الفساد وإعادة الأموال المنهوبة الى المال العام، ومعالجة الأزمات الخانقة المتواجدة على الساحة الكوردستانية الحياتية، لهذا نأمل ان لا تكون الصحوة المتأخرة للرئيسين طالباني وبارزاني ميتة بعيدة عن إحساس الزمن الجاري، وهذا ليس بحلم صعب المنال للارتقاء بالنموذج الكوردستاني، لإرساء نظام رئاسي وبرلماني وحكومي فعال يتناسب مع مستلزمات البنية الاجتماعية والاقتصادية التي أخذت تترسخ في اقليم كوردستان في ظل العراق الفيدرالي الجديد، لاسيما وأن الشعب الكوردستاني أثبت دائما أنه أهل لحياة حرة كريمة لتأمين حاضر مشرق منشود لأبنائه وضمان مصير آمن ومستقبل زاهر لأجياله القادمة.

* ينشر في "إيلاف" بالتزامن مع جريدة "الصباح الجديد" العراقية

د.جرجيس كوليزادة
Gulizada_maktab@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف