أصداء

ماذا يحدث في سورية، وأين هي ( الدولة )؟ (2)

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لاجدال ولاسجال عن ماهية (الدولة ) في سورية، ولاخلاف حول طبيعة من يحكم سورية، ولانقاش حول الشرعية التي يعطيها النظام لنفسه عبر نسبة 97 - 99و99% وهي وحدها كافية لشرح وتعرية طبيعة (الدولة)، وآلية عملها ودورها في تشويه البنى السياسية والإجتماعية،إذ هكذا نسبة لم يتمتع بها حتى ماذا يحدث في سورية، وأين هي ( الدولة )؟ 1الأنبياء (صلوات الله عليهم) ولامصلحي وعباقرة التاريخ البشري كله ولاالعظماء بناة الحضارة الإنسانية، فمابالكم بمجموعة فاشلة (رثة) بكل المواصفات الأهلية والإجتماعية والإنسانية،وعاجزة عن أداء مسؤوليتها القانونية في كل مجالات الحياة وباحترام كرامة المواطنين وحقهم الطبيعي في حياة حرة آمنة شريفة وبالحد الأدنى الذي يحفظ إنسانية الإنسان وآدميته، وأي وصف (لدولة ) مشروعها الطموح هو زيادة عدد السجون والمعتقلين، ونصف عدد السكان فيها تحت خط الفقر؟!، ونسبة البطالة فيها بين الشباب 40%!، وتحكم بفرد واحد بالحديد والنار، وتحرم التعددية التي هي صفة الحياة البشرية، ويلغى الرأي الآخر، وتسرق الثروة الوطنية والمال العام من قبل النظام والأجهزة السرية والمخبرين الذين يعدون أنفاس المواطن ويحصون عدد كلماته، وأي ( دولة ) هذه التي لم يستطع عباقرة السياسة والإقتصاد فيها لنصف قرن من إنتاج معادلة للتنمية والقضاء على البطالة والفقر؟!، ونجحوا في براءة اختراع معدل دخل للفرد السوري هو الأدنى في العالم كله ( أقل من مائة دولار في الشهر)، وأي (دولة ) تسرق مواطنيها وتذلهم وتسجنهم وتخفيهم في زنازين لايعرف عددها ومستوى الخدمة "الوطنية " فيها سوى الضحية والجلاد نفسه؟!

لكن السؤال يطرح نفسه هو مادور المفكرين والمثفقين والسياسيين في توضيح مفهوم (الدولة ) وتعرية حالها السوري؟! وتبديد الإلتباس واستبعاد الغموض ووصف حقيقة (الدولة ) في سورية،بدلالاتها الواقعية على الأرض وليس برمزيتها السلطوية التي يضخها النظام وآلته الأمنية والإعلامية بالحديث عن (دولة ) في سورية، وبعيداً عن المقاربة الفلسفية والمدرسية التي تزيد الطين بلة لفهم من يحكم سورية وماهي تركيبة السلطة فيها، وماهو مشروعها السياسي؟، وماهو برنامجها للحفاظ على الثوابت العامة للمجتمع ومصالح الناس؟، وماهو دورها في صيانة وحدة المجتمع وهيكلية الدولة؟، وماهو تطبيقها على المستوى العملي في احترام القانون والمؤسسات؟وماهي شرعيتها؟،والشعب السوري أصابته التخمة من الكذب والنفاق والظلم من نظام لم يفلح بشيء سوى القمع والفساد والتضليل، ومن تحليلات نظرية لبعض الأبرياء الذين يرون في عصابة تقمع المواطنين وتسرقهم وتزيف وعيهم وتنفيهم وتلغي وجودهم وتحشرهم في سراديب التخلف والخوف واليأس والتطرف (دولة)! ناهيك عن العلاقات غير الطبيعية التي أنتجتها وهي ماقبل وطنية وأدنى من مدنية، بل وجردت المواطنين من إنسانيتهم، وحصرتهم في دائرة خطيرة من الفساد والنفاق والرشوة وكل التداعيات المخزية المخلة بالطبيعة البشرية.

ببساطة شديدة سورية ليست هي الأولى ولاالأخيرة التي خضعت لنظام ديكتاتوري شمولي بكل ماتحمله الكلمة من دلالات، لكنها الوحيدة التي تخضع لنظام غريب، وغرابته أنه هجين، وهو ليس له وصف قانوني ولافكري ولاسياسي ولاحتى طائفي،و هناك العديد من المجتمعات التي تتعايش فيها طوائف مختلفة،لكنها استطاعت أن تنقل الوعي الطائفي من مستواه الأهلي إلى المستوى المؤسسي المدني الذي يحافظ على كرامة المجموع وينظم حياتهم وفعالياتهم وعلاقاتهم على قاعدة القانون الواضح الصريح الذي يحترمه الجميع، حقيقة الأمر أن مايدعى (الدولة ) في سورية هي استثناء الإستثناء بشرعيتها وتركيبتها وبأهدافها وبفعلها وبأخلاقها وبآلية عملها، نظام يعمل بطقوس ملكية لكنه (جمهوري )! ويتبع نظرياً نظام انتخابي برلماني،لكنه عملياً ملكي وراثي متخلف! وفيه نظرياً سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية! لكنه يعمل بصمام واحد هو الديكتاتور القابع فوق جميع السلطات! ومؤسسات الدولة أصبحت هي أجهزته ومخابراته السرية والعلنية،منتجة القرارات وناظمة عمل النظام كله،وباتت مهمة السلطات الثلاث التي هي ركائز الدولة، التسبيح بحمد الديكتاتور وتبرير عجزه وتغطية فساده وتعظيم شخصه ووصف عبقريته وتعداد مكتسباته وانتصاراته في واقع بائس يائس ومهزوم في كل شيء، مهزوم في السياسة والإقتصاد والعلم والصحة،وفي كل الفعاليات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والإنسانية التي تعبر عن وجود (الدولة )!.

وإذا كانت الدولة تعني فيما تعنيه أنها مؤسسة فوق الجميع وأعلى منهم وأكثر حكمة وعقل ومسؤولية، أي في صورتها الواقعية هي خلاصة عقل الشعب وتاريخه وثقافته وتطوره،تعبر في اللحظة الراهنة عن شكل قانوني يضمن تفاعل مجموع عناصرها وإنتاج صيغة مدنية حضارية تلزم المجموع باحترامها والعمل في حدودها، ولانريد تعقيد المسألة والخوض في الصراعات الإقتصادية والإجتماعية والفكرية وعبر مراحل من التاريخ دفعت البشرية ومنها سكان سورية الكثير من التضحيات والصراعات الداخلية والخارجية وأنتجت هذه المنظومة من العلاقات التي تحافظ على السلم الأهلي ومصالح المواطنين ضمن حاضنة مشتركة هي الدولة، لكن بشكل عابر نقارن بين ماهو معلن في أدبيات النظام وبين مايجري على أرض الواقع، والمقارنة لاتحتاج مختصين وعلماء ومختبرات،بل هي في وصف المواطن العادي الذي سئم الدولة وسئم نفسه لكثرة القمع والذل ومحاصرته في أبسط جزئيات حياته، يطغى عليه إحساس العيش فقط ليكون مادة حية يستهلكها النظام في رهاناته ومقامراته الخاسرة داخلياً وخارجياً، الدولة في سورية هي في علاقة المواطن بالسلطات فيها، فهو بعيد عن المشاركة في التشريع،ومنتقى على أسس معينة ليكون في الجهاز التنفيذي وحتى ضمن أصغر حلقة فيها، إذ أن الإنتساب إلى أي دائرة يحتاج موافقة السلطة المشرعة وهي المخابرات، وهناك مؤسسات بأكملها مغلقة لحساب طائفي معين، وحكماً لايستطيع المراقبة والمحاسبة،لأنه ممنوع من ممارسة أبسط مظاهرحقوق الرأي، والقضاء بدوره أصبح سوط بيد السلطة تجلد فيه المواطن صبح مساء.

خلاصة القول وبساطته: هو أن الدولة هي مؤسسات وقانون وسلطات وشعب تعمل في مجموعها بحرية وبالتكامل والتوازي للتعبير عن مصالح مجموعة من البشر تعرف أنها الشعب، ويشتركون في مساحة جغرافية بشكل متساوي وبدون تمييز ديني أو عرقي أو طائفي أو قومي أو سياسي وتقف على مسافة واحدة من الجميع تعرف أنها الوطن، وهذا المثلث( شعب - أرض - دولة ) هو صورة الحياة الراهنة، لكن في سورية فقد هذا المثلث أحد أضلاعه ( الدولة ) وبالتالي توازنه،لأن التوازن الحقيقي يحدد مظاهره في الواقع العملي النظام السياسي وسلطته التنفيذية وطريقة تعامله مع المواطنين، وفي حال النظام السوري بواقعه العملي نرى أنه متشابك بشكل معقد مع آلية عمل الدولة، تشابك أقرب إلى تفريغ مفهوم الدولة من عناصر قوتها الأساسية وهي حرية التشريع واحترام القانون واستقلال القضاء ومراقبة أداء السلطة التنفيذية ومحاسبتها، ومن المضحك الكلام عن سلطات دولة في سورية، والمضحك أكثر أن السلطة التنفيذية تعمل بعقد ملكي وضعته لنفسها،مفتوح زمنياً وأجرائياً وانتقائي وصارخ في انتهاكه لحقوق المواطنين، وفي نظام اخطبوطي أحد وجوهه هو الآلة الإعلامية التي تغطي طبيعة عمله وتحجب عن المواطنين حقيقة الأمور، تغيب المحاسبة ويزداد الشطط في القمع والفساد، وعليه هذا النظام الأخطبوط عشعش وفرخ في كل مواخير الدولة وأوهنها وفتت روابطها وعلاقاتها، بدل تقويتها وتطويرها إلى مستوى قانوني وأخلاقي إنساني أعلى، وحصرها كلها في فرد يشرع وينفذ ويحاسب ويحيي ويميت من يشاء من المواطنين دون رقيب أو حسيب.....يتبع

د.نصر حسن

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف