حرب تموز 2006...لازال لبنان فيها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ليس مدخلاً صحيحاً في ظروف لبنان الحالية الحديث عن منتصرين ومهزومين في حرب تموز 2006، إذ كثرت القصص حد الأساطير التي تضلل الرأي العام وراء كل حرب مدمرة مع إسرائيل، وتعالت وتيرة الشحن وأشكاله بين المختلفين عن مسببات الحرب ونتائجها،وللأسف كلها تمثل حطباً فوق رمادها التي تعس في الواقع اللبناني الأهلي والسياسي بشتى الصور والأشكال، وفيما يعتبر البعض أنه يملك حقاً "إلهياً" بالتصرف بدولة وشعب كما يريد ومتى شاء، ويعتبره وحياً بلغه إياه هذا "الفقيه " أو ذاك الوصي، يعتبر البعض الآخر أن لبنان الحر الديموقراطي بحكم تاريخه وتكوينه ووجوده الجغرافي وتقاطعات مصالح القوى الإقليمية والدولية فيه وحوله، يستحيل أو بشكل أدق يصعب رغم صغره إدخاله في خرم إبرة طائفي أو مذهبي أو حتى سياسي، يبقى احتمال تكسيره وهذا هوواقع الحال، ومابين التباين في المقاربتين هناك مساحة أرادها بعضهم حمراء بينهما يعمل عليها اللبنانيون وأعدائهم كلهم لتنفيذ أجندتهم الإستراتيجية وحماية مصالحهم على أرض لبنان وعلى حساب الدم اللبناني وعلى حساب أمن اللبنانيين واستقرارهم.
وفي حرب تموز 2006،يبقى الأساس فيها هو نتائجها على المستوى الداخلي اللبناني والذي تكمن فيه الإجابة العملية الواضحة على معرفة من المهزوم ومن الرابح فيها إلى حد بعيد؟!، وبديهي أن لكل حرب ذريعتها،وذريعة حرب تموز كانت فخ إقليمي من طراز الدوامات المستمرة، ولبنان بحكم النتائج التي ترتبت عليها، لم يكن له أي مصلحة فيها على الإطلاق ولاحتى للمقاومة نفسها قبل الآخرين،،إذ أي مصلحة تلك؟ التي دفع ثمنها 1200ضحية وآلاف الجرحى وتدمير البنية التحتية وآلاف مساكن المواطنين وتشريد مئات الآلاف منهم، وزعزعة الإستقرار الداخلي وتدمير الإقتصاد ووقف عجلة الحياة فيه، وطرد المقاومة إلى شوارع بيروت، وإحداث شرخ وطني وسياسي كبير في لبنان لم يشهده في تاريخه، وجر لبنان إلى بؤرة التجاذبات الإقليمية والدولية، وبالمحصلة مقدمة لتدويل لبنان من جديد! هنا بالضبط تكمن القدرة السياسية وصدقيتها على استقراء الحدث وطبيعة الفعل والرد عليه والفائدة فيه، من قوى مقاومة لها مشروعها السياسي والوطني والأخلاقي التي بنت عليه وجودها وشرعيتها ودورها كله على مستوى لبنان والمنطقة، ليس من المنطقي أن تقع في الفخ بهذه البساطة،ولازالت تدور فيه،لعل الفردية في القرار هي إحدى أهم أسباب الإرتجاج في الرؤية، وتحديد الصورة من خلال رؤيتها بمصالح الآخرين وأجندتهم الإقليمية والدولية، وهنا يكمن بعد النظام السوري الإيراني ودوره في التأثير على مسار الحرب والسلام، الصراع والإستقرار في لبنان، هكذا كان وسيبقى إلى أجل يقر فيه اللبنانيون جميعاً بأولوية الإنتماء إلى لبنان والعمل بمتطلبات مصالحه وحماية مواطنيه والحفاظ على استقراره، دون التخلي عن حقوقهم المشروعة على هذا المسار أو ذلك، مقدمة نريد منها القول حان الوقت المتأخر لرؤية لبنان بعيون لبنانية.
ليس وقته العزف على الذرائع ولاعلى درامية المشهد اللبناني،بقدر ماهو وقت العقلانية لمقاربة نتائج الحرب وأخطرها هو هذا الإستقطاب السلبي بين شركاء الأمس وأعداء اليوم، العقلانية التي تدفع جميع الأطراف باتجاه النظر الصادق والجريء إلى مخلفات الحرب على المستوى اللبناني الذي أخذت أبعاد أزمة وطنية سياسية دستورية خطيرة على مستقبل لبنان، وتعليقه على بسامير القوى الإقليمية لينزف باستمرار والكل يتفرج عليه، ويتمترس في سراديبه ويتوكل على نخوة القوى الإقليمية وأولها النظام السوري الإيراني،الذي لايريد خيراً لا للمقاومة ولا للمعارضة ولا للموالاة،ويرى خيره ومصلحته فقط في دفع لبنان إلى الصراع الإقليمي عبر سحب الإرهاب وعتاده وعدته إليه خدمة ً لمصالحه واستراتيجيته التي تتنافى كلياً مع مصلحة اللبنانيين وسيادتهم واستقرارهم.
لكنه وقت قول الحقائق على مستقبل لبنان وليس ماضيه، وإزاحة ستار الخداع من كل الأطراف التي تضع المفخخات في طريق خروج لبنان من أزمته الراهنة، وبدايتها أن مسألة الصراع العربي الإسرائيلي هي ليست من اختصاص المقاومة اللبنانية، وتحرير فلسطين عبر البوابة اللبنانية هو ليس من واجب لبنان وحده، وفي مستوى الحريق المشتعل في لبنان والمنطقة يجب على كل الأطراف وخاصةً المقاومة أن يكون هدفها الأول هو الحفاظ على وحدة لبنان واستقلاله وإخراجه من دائرة النظام السوري الإيراني والتجاذب الإقليمي الخطير، وعدم الإنجرار وراء المهزومين لنصف قرن والمطبلين للصمود والتصدي والجولان المحتل يئن تحت الإحتلال، والمزمرين للسلام العادل والشامل سراً وعلناً وبدون حياء، والمحرضين على إشعال الفتنة في لبنان وتفجيره من الداخل، وفي مقاربة الصراع العربي الإسرائيلي هناك تاريخ طويل هو أكبر من قدرة لبنان والدول العربية كلها في الوقت الحاضر، وسبل حله لايمكن بتوريط المقاومة ولبنان في صراع إقليمي دولي له أبعاد متعددة، باختصار يجب على اللبنانيين أن لايسمحوا بأن يكونوا اليد الضعيفة التي يستخدمها النظام السوري الإيراني في صراع إقليمي هو غير قادر موضوعياً وضمن موازين القوى المادية على التعامل المباشر معه، وبالتالي يستخدم لبنان كورقة مساومة على بقاؤه في السلطة هنا، واستراتيجيته هناك على حساب خراب لبنان واللبنانيين.
الخلاصة هو أن ماحدث قد حدث ويعيش اللبنانيون جميعاً نتائجه، لابالتبسيط والإعتراف بخطأ هذا الطرف أوصواب ذاك، ولوم المعارضة ومديح الموالاة، ولاالتكهن وراء أسباب التدهور المستمر والإنكسار المخيف في الوضع اللبناني، فمؤشراته أصبحت واضحة للمعارضة والموالاة أكثر من أي وقت مضى، لكن بحدود التعقل والنظر إلى واقع لبنان الحالي وخطورة الوضع فيه بمسؤولية وإرادة مستقلة للخروج منه، وأولى بواشر الصحوة هي العودة إلى الوعي الوطني ورجوع كافة اللبنانيون إلى حقيقتهم وهي الحرص على العيش المشترك، وفيه امتحان شرعية مشاريعهم وصدقيتها وقدرتهم على الخروج من دوامة المخططات الخارجية والقوى الإقليمية، والإقرار السريع بأولوية مصالح لبنان، وليحافظ الآخرين على مصالهم وحروبهم وسلامهم خارج الجسم اللبناني والأرض اللبنانية وبالطريقة التي يريدون، وأولوية الأولويات هي التعامل من واقع الأمور وبالشكل الذي يحفظ لبنان من الإنحدار إلى الهاوية، والخلاص من حبال النظام السوري الإيراني المتعددة الذي أوقع لبنان داخلها ليتحكم فيه كما يشاء، ولبنان اليوم وبعد سلسلة طويلة من الحروب والإغتيالات التي بمحصلتها العامة يجب أن تكون ضريبة الإستقلال والسيادة والعيش المشترك وليس فاتورة يدفعها لبنان بالنيابة عن هذا النظام أو ذاك،أو هذه الجهة الإقليمية أو الدولية أو تلك، لبنان اليوم كما المنطقة كلها، على مفترق طرق خطير للغاية،والعدالة والإستقلال هي البوابة الإجبارية الوحيدة التي بقيت أمام اللبنانيين لخروجهم من دائرة الموت وتجار السياسة، وعلى اللبنانيين الذين أضاعوا فرصة الحرب،،وأحدثت ذلك التمزق والتمترس في نقاط خلافية ممكن حلها بالحوار والتوافق وأهملوا التاريخ والحاضر والمستقبل والعيش المشترك، أن لايضيعوا فرصة الحفاظ على الدولة اللبنانية ويزدادوا ضياعاً في متاهة فوضى النظام السوري وأطماع النظام الإيراني،اللذان يتصرفان بشكل غير أخلاقي بدماء الآخرين ومصالحهم.
د.نصر حسن