هل حقا صامدون نحن في السويد؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هل حققت التظاهرات التي خرجت في بعض مدن العالم شيئا يُذكر للمسيحيين العراقيين في بغداد والموصل؟
وهل حقاً أستطاع قادة هذه التظاهرات، أستثمار أستعداد الناس في الخارج، لترك أعمالهم وأنشغالاتهم التي لاتنتهي، والخروج الى الشوارع والساحات "النظيفة" البعيدة عن الدورة ببغداد، وحي النور بالموصل، لوقف الأرهاب " ضد المسيحيين "!؟
هل وصلت مطالب المتظاهرين حقاً الى البرلمانيين وصُناع القرار، وقبلها الى وسائل الأعلام وشاشات التلفزة الدولية؟ وهل هناك حقا عقلاء يفكرون بأن خروجنا بهذه الطريقة الى الشوارع سنوقف الأرهاب ضد المسيحيين في أزقة الدورة وأحياء الموصل؟
لا شك التظاهر حق مشروع، ووسيلة حضارية للتعبير عن الرأي بدلاً من العنف والسلاح، وجميل أن شاهدنا في بعض المظاهرات الكل متوحدين وصادقين في التضامن مع شعبنا، ضد الأرهاب. لكن هل ساهمت هذه التظاهرات في التأثير على الرأي العام العالمي، وتدويل قضية الأرهاب التي يعاني منها، لا بل هل كان في تفكير منظميها الضغط على السياسيين في الدول التي يقيمون فيها لكسر صمتهم وتجاهلهم لما يحدث!
أتاح عملي في قناة " عشتار" الفضائية، التي جاهدت مشكورة - وأنا شاهد على ذلك - من أجل الوصول الى كل مدينة خرجت فيها التظاهرات، أتاح لي، معايشة وقائع جعلتني أعتقد أن بعض هذه التظاهرات أضّرت ولم تنفع!
لا شك لي في إخلاص الكثير ممن خرجوا الى الشوارع، وحرصهم على الناس في الداخل، الذين مهما فعلنا لهم لايرتقي عملنا الى حجم المآساة اليومية التي يعيشونها كل ساعة!
لكن الطريقة التي نُظمت فيها هذه التظاهرات، لم تكن غير طريقة سقيمة، خالية من أي جهد حقيقي يهدف حقا لتقديم شي للناس الذين تظاهرنا من أجلهم، لا بل الكثيرين لم يكن لهم هَّم، سوى الظهور على شاشة " عشتار" والتقافز وعرض العضلات، وطرح شعارات مضحكة، وغبية، من المحتمل ان تزيد من حقد وشراسة الأرهابيين ضد المساكين المبتلين بنار الأرهاب وهزالة حكومة بغداد العاجزة عن فعل اي شي.
علينا أن لا ننسى أن المسيحيين العراقيين يُعاقبون من قبل خارجين من كهوف الظلام بأنهم محسوبين على الغرب، وكأن هذا الغرب قتل نفسه من أجلنا!
قبل أيام من أولى التظاهرات التي حدثت في ستوكهولم كنت سائراً في ساحة " سيرغل توريت " وهي الساحة نفسها التي شهدت تجمعاً خطابياً للتظاهرة، لفت نظري كاميرات ضخمة لعدة قنوات سويدية، تصّور تجمعا لم يتعدى الحضور فيه عشرة أشخاص، ستة منهم كانوا يحملون لافتات ضد الأجهاض، والأربعة الاخرون منشغلون بالقاء الكلمات!
فيما لم أجد ولا كاميرا واحدة، تصّور اكثر من الف مهاجر خرجوا بعد ايام قليلة، يصيحون في قلب ستوكهولم " اوقفوا الارهاب ضد المسيحيين في العراق"!!
على من يعيش في العراق أن لا يُصّدق أن ثانية واحدة من هذه التظاهرات عُرضت على شاشات أية قناة سويدية، وأتحدى من يقول ان الصحافة السويدية أولت اهتماما بهذه التظاهرات، عدا بعض الصحف المحلية. ألا يُشكل ذلك حدثا له مغزى؟
طيب ما فائدة ان نسير في الشواع دون ان نتمكن من إيصال مطالبنا الى صناع القرار؟ فهذه الشوارع تشهد يوميا تظاهرات لشعوب العالم المهاجرة! فالعبرة هي: كيف نستطيع ان نؤثر فعلا ونجعل مطالبنا مسموعة!
البعض ردد في مدينة سويدية الشعار التالي:" صامدين بوجه الريح.. أحنا أبناء المسيح "! ورجل دين مسيحي أخر في مدينة سويدية أخرى لم يتوانى في جرح عشرات الأخوات المحجبات المسلمات اللواتي خرجن سوية مع المسيحيين للتضامن معهم، بشنه هجوما عنيفا على دينهم!!
فيما لم نرى مظاهرة واحدة أعتصمت امام سفارة دولة من الدول التي ترعى الأرهاب في العراق، أو تعتصم امام برلمانات العالم التي تتحمل هي الأخرى مسؤوليات غير قليلة في إيصال العراق الى ما وصل اليه، سواء من دعم نظام صدام بالاسلحة المحرمة وصولا الى تواطئها مع القوى الدولية التي فتكت ببلدنا.
كثيرون آخرون من الذين لا يستطيعون التخلص من الماضي، ويتعمدون تجاهل الحاضر، يشنون هجوما عنصريا على الشعوب المتعايشة معنا، دون وجه حق، وكأنها هي المسؤولة عن مآساتنا، متناسين عن عمد أيضا، ان الشعب الكردي مثلا، هو من يحمي اليوم عشرات الاف المسييحين العراقيين المُجبرين على ترك بيوتهم من الأرهابيين.
أنا لا أفهم كيف ستتحرك دول العالم، وتشمّر عن ساعديها، وتنقذ المسيحيين العراقيين، دون غيرهم من الأرهاب، اذا كانت أرقاهم سمعةً وهي السويد، تهتم صحافتها بالكلاب والأجهاض وتقلبات الجو أكثر من أهتمامها بعدة الاف خرجوا في شوارعها؟
الم تقدم الحياة درسا مكررا لنا، بان هذه الدول لا تهتم بغير مصالحها؟ فما مصلحة هذه الدول بانقاذ مسيحيي العراق؟ لابل ما مصلحتها في انقاذ شعب العراق؟ الم يقلها الوزير الاسترالي اننا في العراق باقون من اجل النفط؟ فهل المسيحيون يملكون النفط؟
أعتقد أن ملايين العراقيين الموجودين في الخارج، بكافة قومياتهم وأديانهم وطوائفهم إذا لم يخرجوا صفا واحدا في أعتصامات مستمرة وتظاهرات ضخمة امام برلمانات العالم، وسفارات الدول التي ترعى الموت في العراق، لن يسلم أحد من نار الارهاب.
ومن يخطط لمسيرات ترفع شعارات هزيلة، ولايوجهها الى المكان الصحيح الذي ينبغي ان توجه اليه، أو يسمح بأن تصبح بعضها الى منابر لطرح شعارات صبيانية، يلعب بالنار، ويعرض الناس المساكين في العراق الى خطر متزايد!
أما "الصامدون بوجه الريح" وفي "السويد"، فلا أعتقد يقدمون شيئا لاخوانهم، فلو كانوا حقا صامدين لصمدوا بوجه أنانيتهم، وتخلوا عن الأرباح التي تأتي الى جيوبهم من الحفلات الساهرة الصاخبة، وأرسلوا بعضا منها الى العوائل التي تُهّجر من بيوتها.
نزار عسكر
nazaraskar@yahoo.com