لم تكن ( وخزة ) بل ضربة في المقتل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الإنتهاكات الصارخة التي أوردها تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان داخل سجون الأمن في كردستان، والتي إعتبرها الدكتور برهم صالح بالأدب الرفيع المعروف عنه ( وخزة مؤلمة)، كانت بالنسبة لنا ضربة سيف أصابت فينا مقتلا، لأنها إنتهاكات جاءت من أبناء جلدتنا ممن إنتخبناهم بحر إرادتنا،وجعلناهم أسيادا علينا، وسلمناهم مقاديرنا ومصائرنا، ولم تأت من صدام حسين الذي كان يوزع ظلمه وطغيانه على الجميع!!.
فقد كنا نسمع حكايات وروايات عن أساليب التعذيب الوحشية في سجون هذا الجلاد ومعتقلاته الرهيبة يشيب لها الولدان، وتضع كل ذات الحمل حملها بمجرد سماعها لتفاصيل الأساليب الهمجية في تعذيب السجناء،فكيف بالذي كان يذوقها، وتبقى آثاره شاخصة على جسده، هذا إذا لم يكن جسده مقطوعا بالمنشار الكهربائي، أو مذابا داخل حوض الأسيد!!..
كان فينا صدام ويكفينا، فما الذي حدث من بعده حتى يكون هناك من يستن بسنته وينتهج أساليبه القمعية والوحشية؟!.. فهل هذا جزاء من أعطى ولم يأخذ، ضحى ولم يجن ثمرة تضحياته؟؟!!!.
قد يكون الأخ برهم صالح أول وآخر مسؤول عراقي يعترف بتلك الحقيقة المرة بشجاعة وجرأة غير معهودتين عن حكام هذا العصر،وهي شجاعة وجرأة إفتقرت إليهما جميع مؤسساتنا الحكومية بما فيها وزارة حقوق الإنسان الإقليمية التي كانت في بعض المرات تبرر لأجهزة الحكومة الأمنية إنتهاكها لحقوق الإنسان التي هي ذاتها ( أي الوزارة) راعية لها ومراقبة لإنتهاكاتها لأن ذلك من صلب مهامها، أو هي من أولى أسباب وجودها!!..فهل عميت تلك الوزارة عن تلك الإنتهاكات الصارخة داخل السجون والمعتقلات الكردية التي بدت واضحة وضوح الشمس أمام وفد منظمة دولية جاء الى كردستان لبضعة أيام؟؟!!. حتى لو كانت وزارة حقوق الإنسان الكردية رايحة في سابع نومة، لكانت آهات وأنين السجناء المعذبين تصل الى آذانها،اللهم إلا إذا وضع مسؤولو تلك الوزارة في آذانهم وقرا؟؟!!..
منذ فترة طويلة ونحن نسمع عن أساليب التعذيب داخل سجون كردستان التي يديرها بعض الأزلام ممن ورثوا تلك الأساليب من النظام الدكتاتوري السابق، ونرى عيانا العديد من الأحداث والوقائع على الأرض الكردستانية وهي مناقضة لكل الأعراف والحقوق الإنسانية، فالأزمات التي تطحن المواطن الكردستاني اليوم، لا تقل وطأة عن الإنتهاكات داخل السجون الأمنية، فالغلاء الفاحش وأجور السكن الخيالية وأزمات الوقود المستفحلة، وإحتكار السلطة، وتجويع المواطن وتهديد قوت أطفاله، وهي أزمات قلنا فيها ما لم يقله مالك في الخمر، كلها حولت كردستان الى سجن كبير يعاني منه المواطن أشد المعاناة الإنسانية تشكل بمجملها مخالفات صارخة للدستور الذي دفعتنا قياداتنا السياسية للتصويت عليه لأنه كما قيل لنا سيكون هذا الدستور ضمانة لحياتنا ومستقبل شعبنا!!..
سأحاول في هذا المقال أن أركز فقط على بعض تلك المخالفات الدستورية.وهو الدستور العراقي الملزم تطبيقه في كردستان أيضا، بموجب المادة (13) الفقرة (أولا) التي تنص على أن " هذا الدستور هو القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزما في أنحائه كافة، وبدون إستثناء".
ففي المادة (15) من الدستور جاء ما يلي: ( لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقا للقانون، وبناء على قرار صادر من جهة قضائية مختصة)..
فأين حق المواطن في الحياة وهو لا يستطيع في ظل تلك الأزمات الخانقة من تدبير مستلزمات حياته وحياة أطفاله؟؟!!.
تؤكد المادة (16) من الدستور على أن ( تكافؤ الفرص حقٌ مكفولٌ لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك).
فأين ذلك التكافؤ وكل مشاريع الإعمار والبناء والخدمات،وكل منافذ ومفاصل التجارة محصورة بيد متنفذين فاسدين في السلطة أو من أعوانها؟. وأين فرص الآخرين وكل الفعاليات الإقتصادية يمسك بها حفنة من المنتفعين والمحسوبين على رجالات تلك السلطة؟؟!!.
تنص الفقرة (ثاني عشر) من المادة (19) من الدستور أنه ( لا يجوز الحبس أو التوقيف في غير الأماكن المخصصة لذلك وفقاً لقوانين السجون المشمولة بالرعاية الصحية والاجتماعية والخاضعة لسلطات الدولة)..
فماذا عن السجون الحزبية التي تزخر بالموقوفين والمحتجزين لأسباب سياسية أو غيرها، ولعل الكثيرون يعرفون أن السجون والمعتقلات الحزبية ما زالت قائمة وفيها سجناء رأي؟؟!.
تقول المادة (22) من الدستور العراقي أن( العمل حقٌ لكل العراقيين بما يضمن لهم حياةً كريمةً).
فماذا عن الخطة الجديدة لحكومة الإقليم القاضية بطرد نصف مليون موظف من وظائفهم بذريعة التخفيف عن ميزانية الحكومة التي تدعي أن نسبة 75% منها تذهب لرواتب موظفيها.، فأين حق العمل المكفول بالدستور لكل مواطن في الإقليم؟!.
تقول المادة (28) من الدستور ما يلي: ( اولاً:ـ لا تفرض الضرائب والرسوم، ولا تعدل، ولا تجبى، ولا يعفى منها، إلا بقانون.. ثانياً:ـ يعفى اصحاب الدخول المنخفضة من الضرائب، بما يكفل عدم المساس بالحد الادنى اللازم للمعيشة، وينظم ذلك بقانون).
فماذا عن الزيادات التي يضطر المواطن أن يدفعها كل فترة على أسعار الوقود ( النفط والبنزين والغاز)، حتى باتت تلك الأسعار تفوق أسعار الوقود السائدة في العديد من البلدان الأوربية المتقدمة والغنية، أليست تلك الزيادات ضرائب تقصم ظهر المواطن وتمس بالحد الأدنى اللازم للمعيشة؟؟!!.
تنص المادة (29) من الدستور في الفقرة ( ب) أنه ( تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وترعى النشئ والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم).
فأين تلك الحماية للشيخوخة وهناك آلاف الشيوخ من رواد هذا المجتمع ( فنانين وكتاب وأدباء وصحفيين ورياضيين ورسامين) أفنوا زهرة شبابهم في خدمة شعبهم ومجتمعهم وخصصت لهم الحكومة مكافئات شهرية تقديرية لسنوات عطائهم الفكري والإبداعي، وهي المكافئات الى تتراجع عنها الحكومة اليوم وتقطعها عنهم، بعد أن عول هؤلاء على ذلك الدخل الإضافي لتدبير مستلزمات حياتية بسيطة لعوائلهم وهم في سنوات الشيخوخة؟؟!!..
وتنص المادة (30) من الدستور ( أولاً:ـ تكفل الدولة للفرد وللأسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرةٍ كريمة، وتؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم.. ثانياً:ـ تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم أو البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم، وينظم ذلك بقانون ).
أين تلك الكفالة والضمان الإجتماعي للشيخوخة، ووقايتهم من الخوف والفاقة؟!. فهل أن قطع رواتبهم ومخصصاتهم ومكافآتهم سيقيهم من الخوف والفاقة، أم سيرعبهم ويزيدهم فقرا على فقر؟؟!!..
تنص المادة (33) على ( أولاً:ـ لكل فرد حق العيش في ظروفٍ بيئيةٍ سليمة..ثانياً:ـ تكفل الدولة حماية البيئة والتنوع الاحيائي والحفاظ عليهما).
أي كفالة لحماية البيئة ومدننا تغرق في دخان السيارات والمصانع والأتربة والوساخة،ولا تجرؤ وزارة البيئة ذاتها على حماية أشجار المدن من الإقتلاع بذريعة مد الطرق الإسفلتية و توسيع شوارع المدينة، والدليل على ذلك هو،إقتلاع آلاف الأشجار من الشارع الستيني في العاصمة أربيل بحجة تنفيذ مشاريع توسعة وهي مشاريع وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع ذهبت أرباحها الى جيوب أبناء العلالي، وهذا دليل على بؤس هذه الوزارة التي تسمى بوزارة البيئة، التي أتحدى وزيرها إن وجد عشر معشار الشعب الكردستاني يعرفون بوجودها أصلا؟؟!!.
تؤكد المادة ( 35 ) من فصل الحريات على ما يلي: ( أولاً:ـ أـ حرية الإنسان وكرامته مصونةٌ.. ب ـ لا يجوز توقيف أحد أو التحقيق معه إلا بموجب قرارٍ قضائي.
ج ـ يحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقاً للقانون.
ثانياً:ـ تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني).
لن أعلق على هذه الفقرات لأن تقرير هيومان رايتس ووتش يكفي لفضح سلطات الإقليم عن تلك الإنتهاكات الصارخة لمباديء الدستور العراقي والحريات التي تكفلتها، بالإضافة الى الحريات المصونة وفق العهود والمواثيق والقوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان..
تؤكد الفقرة ( أولا) من المادة (36) على( حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل).وسأروي هنا حادثتان توضحان مدى إحترام حرية التعبير عن الرأي في كردستان، أولهما حادث تعرض أحد الصحفيين الأكراد الى الخطف والشتم والإهانة والضرب بأخمص البنادق على يد أفراد حماية مسؤول إعلامي كبير قبل عدة أشهر، وهو مسؤول عن ترويج مباديء حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي في صحف وإعلام حزبه، لمجرد أن هذا الصحفي تجرأ في ندوة عامة على توجيه بعض الإنتقادات لذلك المسؤول الذي ينص الدستور على إلزام حكومة حزبه بإحترام حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل؟؟!!.
والحادث الآخر وقع لزميل آخر عندما هجم عليه أحد أزلام وزير مثقف مطرود من وزارته، وكسر ثلاثة من أسنانه الأمامية لأنه تجرأ أيضا بالحديث في مناسبة عامة عن الفساد المستشري في وزارة الثقافة؟؟!!.
إذا كان الحال هكذا مع أزلام وزراء ومسؤولي إعلام مثقفين،فكيف يلام عريف الأمن الكردي الذي يوسع نزيل السجن ضربا بالكيبل الكهربائي أو يعلقه على مروحة سقفية ليذكرنا بفعلته هذه بعريف الأمن العامة أو ضابط إستخبارات المنظومة الشمالية في العهد البائد؟!!.
هذه هي بعض النصوص الدستورية التي تنتهك من قبل قياداتنا الكردية في وضح النهار،وهي التي تتحدث في كثير من المناسبات عن بعض الإستحقاقات الدستورية مثل المادة (140) من الدستور التي أصبحت لدى تلك القيادات نصا إلهيا مقدسا لا يمكن الإجتهاد فيه بتغييره أو تعديله أو تأجيله أو المس به؟؟!!.
إن الدستور العراقي الذي صوت له قادة شعبنا، وصوروا مراسيم تصويتهم لبثها في القنوات الفضائية الى أرجاء المعمورة، تنص الى جانب قدس الأقداس (140 ) على المادة 13 التي تؤكد أن ( هذا الدستور يعد القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزما في أنحائه كافة، وبدون إستثناء).
شيرزاد شيخاني