أصداء

المصالحة العراقية بين المطرقة الإيرانية والسندان العربي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مع المتابعة المستمرة للرئيس الأمريكي للأعمال الأمنية للحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي، واستمرار تنفيذ الخطط الأمنية في بغداد وديالى وتواصل العمليات العسكرية للقوات الأمريكية والعراقية للسيطرة على العنف والإرهاب، تتزامن هذه التحركات مع طرح مشاريع سياسية جديدة على الساحة العراقية بهدف تحقيق المصالحة لغرض تشكيل كتل سياسية جديدة في البرلمان للسيطرة على الأغلبية الدستورية في مجلس النواب وقيادة العملية السياسية وإدارة الدولة العراقية، إضافة لمبادرات المصالحة السابقة المقدمة من أطراف عديدة خاصة منها مبادرة رئيس الوزراء العراقي، لضمان دخول جميع الأطراف في العملية السياسية لإدارة العملية السياسية وإقامة الأمن والاستقرار في بلد الرافدين، ولكن على ما يبدو أن تلك المبادرات لم تحقق أية خطوات عملية لانفراج الوضع الأمني الذي لا يزال بعيد عن الاستقرار في واقع تماس الأمر مع حياة العراقيين الذين يعانون من ضيق العيش وضياع الأمان.
ولا يخفى ان أخر مبادرة تم الترتيب لها في بيروت باهتمام من قبل الرئيس العراقي جلال طالباني ورئيس الوزراء المالكي لإجراء مصالحة، ولكنها لم تفلح في تحقيق النجاح وهي لا زالت بعيدة عن استثمار نتائج ميدانية على الساحة الميدانية بسبب وجود أسباب غير عراقية في المعادلة الأمنية والسياسية، فلا زال الواقع يعاني من عمليات إرهابية شديدة التأثير والفعالية بالسيارات المفخخة والعمليات الانتحارية، مع استمرار استهداف الضحايا الأبرياء من الأرواح العراقية البريئة الذي أصبح نزيفا مستمرا يوميا في المشهد العراقي، وترافق هذا الوضع بظاهرة الجثث اليومية التي تلحق خسائر بشرية مستمرة بالعراقيين بالرغم من محاولات تطويق الواقع الأمني على صعيد القيادات السياسية والعسكرية العراقية، الا ان واقع الحال لا زال بعيدا عن تحقيق نتائج ملموسة على ساحة الميدان، ولا زال المشهد يحمل رؤى ضبابية للعملية الأمنية التي تتجه نحو المزيد من التعقيدات والأزمات بسبب تواجد أسباب خارجية غير عراقية خاصة منها المطرقة الإيرانية التي تدق باستمرار على أبوب دهاليز الميليشيات الطائفية العراقية والسندان العربي الذي يعتبر المحرك والممول الرئيسي للحركات والقوى والميليشيات المسلحة السنية التي جمعت حول نفسها قوى إرهابية عربية وإسلامية وتجمعات من فلول النظام البعثي البائد.
ولكن مع كل هذه الأحداث العنيفة التي يمر بها العراقيون، تبقى بنظرنا حل آخر، يمكن اللجوء إليه لإرساء أرضية مناسبة لمصالحة شاملة وعامة بين كل الأطراف العراقية، والحل هو مشروع فيدرالية المحافظات بعد أن تم تثبيت هذا المبدأ في الدستور العراقي الدائم وتثبيت فيدرالية الأقاليم كما هو معمول به في إقليم كردستان، لأن الكيانات الإدارية المستقلة المعبرة بحجم وأداء حقيقي عن طموحات وحاجات المجموعات السكانية في المحافظات لا زالت بعيدة عن واقع الحال وهي غائبة بصورة كلية عن حياة المواطنين، والسبب في ذلك أن السياسة العامة للحكومة العراقية محصورة اهتمامها ببغداد بينما بقية المحافظات من الوسط والشمال العراقي تعاني من إهمال شديد بحجة تواجد الإرهاب والمجموعات المسلحة واستمرار العمليات العسكرية، إضافة الى عدم ترافق الخطط الأمنية بمشاريع وبرامج ومعالجات مرتبطة بالحالة الحياتية والمعيشية والمدنية للمواطن العراقي.
ولكن بالرغم من تبرير الحالة الأمنية، تبقى مسألة المطرقة الإيرانية والسندان لعربي من أهم العوامل المتحكمة بالوضع الأمني العراقي، لأن ظروف الساحة السياسية سمحت بتدخلات خارجية من خلال أدواة وأجهزة استخبارية وأمنية لتوليد العنف والإرهاب واختلاق الاحتقان الطائفي في بغداد بين السنة والشيعة وفي بعض المناطق المجاورة لها، وتدمير المراقد الدينية مثال بين لهذا التوجه المسموم الذي تقف وراءه جهات مرتبطة بالدول المجاورة، وفعالية نشاطات الأطراف المتصارعة والممولة لها، المحسوبة على الطرفين السني والشيعي في المعادلة العراقية عامل مؤثر في عدم ولوج العملية السياسية الديمقراطية في مسارها الصحيح لخدمة العراقيين، في ظل استمرار وجود الأوراق الدولية المتداخلة في الوضع العراقي خاصة المتعلقة منها بالدول المجاورة وبالملف النووي الإيراني والملف السوري والملف اللبناني في المنطقة.
لهذا نجد ان المحاولات التي تبذلها الحكومة الأمريكية لتقليص الدور الإيراني والعربي، لا زالت غير مؤثرة ولا تحمل نتائج ملموسة لإبعاد الوضع العراقي من آثار التدخلات المدمرة للأطراف الإقليمية، فظلت الحياة العراقية غير مستقرة وظلت دائرة الحوار والإقناع لجميع القوى المشاركة في الحكومة ومع القوى الرافضة للمشاركة في الحياة السياسية الجديدة بعيدة عن تحقيق مساحة كافية من الأمن الوطني للعراقيين.
ولا يخفى ان تحقيق النموذج العراقي في منطقة مكتظة بأنظمة دكتاتورية شمولية، وفق معطيات إنسانية وليبرالية جديدة على المنطقة قد شكل الهدف الأساسي لتجمع القوى الدولية الإقليمية المجاورة للعراق للتصدي لهذا النموذج الناهض بمقومات سياسية وفيدرالية وتعددية وبرلمانية واقتصادية وإنسانية ودستورية جديدة، من خلال تأزيم الوضع الأمني أمام العراقيين والتصدي لأية محاولات داخلية عراقية وأمريكية ودولية لاستقرار الحالة الأمنية، وتأتي مسألة عدم تحقيق المصالحة الشاملة بين جميع الأطراف العراقية الحاكمة وغير الحاكمة، من أكثر الأمور تعقيدا لوقوعها بين المطرقة الإيرانية والسندان العربي، لأن النموذج العراقي من بين أكثر الحالات النظامية المتسمة بمرونة كاملة لانتقال السلطة بروية وعقلانية بين الشعب والدولة مع تبني ثوابت المواطنة السليمة ضمن البرنامج الوطني، وتحقيق الثوابت الحقوقية للعراقيين بصورة صائبة، وطرح وتوجيه خطاب معاصر للدولة مواكب لرغبات وأمنيات المواطن، مع تبني برامج لتحقيق تنمية حقيقية للإنسان في جميع مجالات الحياتية والمعيشية والاقتصادية خاصة منها السكن والصحة والمرأة والطفولة لتأمين حياة مناسبة لكل فرد في المجتمع، وتبني ثقافة اللاعنف والتسامح لإرساء السلام والأخاء والنماء في حياة المواطن من خلال تحديث نظم التربية والتعليم وتجديد أساليب طرح الرؤية الدينية لتلائم معطيات وضرورات الحالة الإنسانية الجديدة في المجتمع البشري الحديث الذي تواكبه تطورات تكنولوجية وعلمية وسياسية واقتصادية رهيبة في السرعة والتأثير والانتقال.
لهذا عندما نمعن النظر في النموذج العراقي، نجد ان ما استجد به الحال للتقدم نحو الأمام، قد خلق حالة من الهستيريا في الدول المجاورة للعراق، خوفا من سقوط أنظمتها الحاكمة أمام شعوبها، فدفعت بكل ما تملك لاختلاق حالة مستديمة من العنف الشديد والإرهاب الموحش في العراق، وإبعاد أهلها وحكومته السياسية من كل وحدة وطنية شاملة، وحصر أية مصالحة بين الأطراف العراقية بين مطرقة تعمل على خنقها بكل ما أوتيت من قوة على سندان معد بكل تعمد وسبق إصرار لقتل وفناء الحالة العراقية الساطعة التي لم تقدر على تدميرها لا الحروب ولا النكبات.
من خلال هذه الرؤية الخارجة من قراءة الوقائع والأحداث برؤى ميدانية، نجد أن المصالحة المبنية على ثوابت عراقية وطنية بالرغم من التكالب المستمر للمطرقة والسندان، من شانها ان تساهم بفعالية في إسقاط أركان العنف والإرهاب في بلد الرافدين، والمشاركة بوضع لمسات لتطوير وتحسين برنامج المصالحة العراقية ستساهم بفعالية في تحقيق الأمن والسلام، لهذا نأمل ان تسعى كل الجهات القادرة على دفع المصالحة العراقية الى الأمام لتحقيق الإجماع العراقي الوطني لتحقيق الأمن والاستقرار، لتكون المصالحة مقتدرة وموفقة من قبل العراقيين جميعا ومباركة انشاءالله من قبل الرحمن الرحيم لإرساء حياة صحيحة، قيمة، ناهضة للأمة العراقية، حاضنة لكل الآمال العريضة للعراقيين مع ضمان واقع مستقر ومستقبل مشرق لأبناء بلاد الرافدين.

د.جرجيس كوليزادة
Gulizada_maktab@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف