للمؤسسات التعليمية في الدول العربية دور في التخلف والارهاب؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هل للمؤسسات التعليمية في الدول العربية دور في التخلف والارهاب؟
يرى بعض المثقفين العرب ان النقد الذاتي- الذي لم يبدأ عندنا بعد- يروه جلدا للذات وعندما نبدأ النقد نواجه بنقد النقد ويطالبوننا بالتوقف من دون ذكر الأسباب علما ان الجلد قد يمنعنا من تكرار ارتكاب الأخطاء،فعندما تترسخ ثقافة جلد الذات تنتقل بعدها الأمة الى التوقف عن الاسباب او الافعال التي توجب الجلد.
سأحاول في هذا المقال التوفيق بين الطرفين المؤيدين والرافضين للجلد سأجلد الذات ثم أقدم الحل والطريق القويم (من وجهة نظري طبعا فأنا لاأدعي امتلاك الحقيقة)الذي ان مشينا عليه فسوف نقلل او نتلافى الجلد نهائيا وفي النهاية أتمنى أن اكون قد نلت رضا الطرفين رغم علمي ان "رضا الناس غاية لاتدرك".
ان انجح الأطباء أحسنهم في تشخيص الداء فحين يشخص الداء يصبح سهلا أختيار الدواء. نحاول هنا تشخيص مرض تخلفنا العلمي، وأستحقاقنا عن جدارة لقب "ظاهرة صوتية"لاقتصار نتاجاتنا على علوم اللغة والادب والخطابة والشعر."أشرقت الحكمة على ثلاث: عقول الفرنجة،أيادي الصينييين،وألسنة العرب"( قول مصري قديم).
كرست هذه الظاهرة(الظاهرة الصوتية) أول مدرسة في الدولة الأسلامية وهي المدرسة النظامية التي تأسست في بغداد عام 1067 م وأوكل مؤسسها الوزير العباسي نظام الملك رئاستها الى الأمام الغزالي. المدرسة النظامية أصبحت العمود الفقري للتعليم والتي تمخض عنها تأسيس الجامعة المستنصرية وهذه الجامعة نموذج للجامعة اللاهوتية لأنها أرتبطت بالجوامع في كل بقاع الدولة الأسلامية وهي من أقدم جامعات العالم. درست المستنصرية الشعر العربي القديم وعلوم القرآن و الجوانب الاخلاقية المستوحاة منها وعلم الكلام الذي هو عبارة عن خليط من علم اللاهوت وديالكتيك الدفاع عن العقيدة الاسلامية وأوصدت الباب أمام العلوم اليونانية والفلسفة لأن الفلسفة"حسب الغزالي"لاتصلح الا للمسائل القابلة للقياس والملاحظة كالطب والرياضيات والفلك التي لم ير الغزالي ضرورة شمولها بمناهج الدراسة. كان الأمام الغزالي احد اعظم اللاهوتيين في التاريخ البشري وكان تقيا زاهدا متصوفا فكان من الطبيعي ان يؤسس مدرسة لأعداد الأجيال لما بعد الممات وليست للحياة واعطى أولوياته لللأخلاق المستمدة من العقيدة ونقاوة اللغة وبلاغتها فجسدت مناهج الجامعة المستنصرية مذهب العرفان(الغنوسطية) الذي يعتبر المادة شر و الخلاص يأتي فقط من المعرفة الروحية (لاتختلف مواد التدريس المعتمدة في مدارس طالبان او المسجد الاحمر اوالجامع الأزهر أو الحوزات العلمية والجامعات الأسلامية كثيرا عن افكار المعلمين الاول في المستنصرية).
وفي فترة ما سمي بالعصور المظلمة فحتى هذه الجامعات تقلص دورها لتصبح "كتاتيب" تدرس علوم القرآن واللغة ورغم نجاح هذه الكتاتيب بتخريج اجيالا من الأئمة وحفظة القرآن والشعراء والكتاب ولكن ليست هذه الاختصاصات وحدها ما تحتاجه أية أمة للنهوض. وحتى بعد الثورة الصناعية وظهور علم الأقتصاد ومذاهبه وبدأ التركيز في الغرب على العلوم الطبيعية والتطبيقية بقي التعليم في الدول العربية على حاله عدا بعض المحاولات الخجولة لتطويره من هذه الدولة العربية أو تلك وحتى هذه المحاولات ماكانت جادة لتغييره جذريا بما يتلائم والتطور العلمي والاقتصادي العالمي.
تعالوا نرى ماذا حصل في الجانب الغربي من الكرة الأرضية والذي كان اهله من أكثر شعوب المعمورة تخلفا بشهادة مسلمي تلك الحقبة قال الرحالة والمؤرخ الاسلامي علي بن الحسين المسعودي" يسكن أوروفا-أوربا-أناس تنقصهم روح الدعابة،أجسامهم كبيرة، طباعهم فضة،بطيئي الفهم،ثقيلي اللسان،أخلاقهم خشنة، وكلما اتجهت الى الشمال كلما وجدتهم أكثر غباوة"(كتاب أفكارل بيتر واطسون). وفي "تصانيف الأمم" لسعيد بن أحمد قاضي توليدو الاندلسية لم يكن للغربيين مكانا بين ثمانية أمم شاركت في التقدم العلمي فما الذي حصل فجأة وقلب التاريخ رأسا على عقب ليقود الغربيون ركب الحضارة؟.
بالحقيقة يختلف المؤرخون الغربيون أنفسهم في تفسير سبب القفزة الأوربية الهائلة من قاع الظلام الدامس الى فضاء النور الساطع. من المؤكد انه كان هناك أكثر من عامل لكن أهمها هو ايلاء الجانب المادي للحياة اهتماما أكبر من الجانب الروحي. لقد بدأ الاوربيون من حيث توقفنا وبنو حضارتهم على أنقاض حضارتنا ولابأس في ذالك حيث قيل ان" الحضارة،أية حضارة، اما ان تبني على انقاض حضارة مندثرة او تتأثر بحضارة معاصرة" والحضارة الأسلامية نفسها كانت نتيجة لتلاقح حضارات عالمية دارسة أو معاصرة.
دفع انتصار الاوربيين على رجال المؤسسة الدينية الذين جثموا على قلوبهم لقرون عدة والذين أوغلوا في العلماء والمفكرين حرقا وصلبا وسجنا وتعذيبا دفعهم الى النزوع الى التحرر نهائيا ليس من سلطة الكنيسة فحسب بل و حتى من سلطة اله الكنيسة "اذا انفجرت الحرية في داخل كائن حي لم تبق للآلهة سلطة على ذلك الكائن"(تولستوي)" الحرية هي عدم الشعور بالدونية لأي كائن"(جون ديوي). فبدأت عندهم حركة اعادة النظر في كل ماكان شائعا وأطاحوا بكل ماهو مقدس من افكار سائدة لأقترانها بفترة الأضظهاد الديني. بدا الجيل الأول من مفكري وفلاسفة النهضة من أمثال (ديفيد هيوم وفرانسيس بيكون وبركلي وجون لوك) وغيرهم من تبني الفلسفة التجريبية البراكتيكالية في التعليم لجسر الفجوة بين المدرسة والسوق والتخلي عن جماليات وأخلاق ميتافيزقيا سقراط وأفلاطون لايقانهم بعدم وجود اليه علمية او منطق رياضي يمكن الاعتماد عليه للبحث في الروحي او ماوراء الطبيعي واعتبروه ترف رومانطيقي لاترجى منه أية جدوى، وان البحث في الميتافيزقيا مضيعة للوقت والجهد، فانصبت جهودهم على دراسة المادي/الفيزيائي وكان لهكذا أفكار الدور الأكبر في الثورة الصناعية في أوربا. وفي القرن التاسع عشر ذهب فلاسفة امريكا الى ابعد من التجريبية فأسسوا لأحدث وانجح فلسفة علمية أطلق عليها مؤسسها جارلس ساندرز بيرس "البراكماتية" ومنظري هذه الفلسفة متحررين من كل الأطر الفكرية التقليدية واثقين من قدرة الانسان على صنع الواقع الذي يروم دون الأعتماد على الألهة فكانوا بعيدين عن "الحتمية" للحد الذي أراد معه وليام جيمز الأنتحار لتأكيد حرية الأرادة والتحرر من نير "التسيير" قبل ان يغير رأيه.أعاد هؤلاء المفكرون أختبار فائدة كل الأفكار السائدة والمتراكمة عبر قرون من الزمان من خلال اخضاعها للتجربة" الأفكار ليست حقائق مالم يثبت ذلك بالتجربة"(جون ديوي). وعرفوا فائدة الأفكار على انها الفائدة الناتجة من تطبيقها عمليا. جردت هذه الحركة الفلسفية المؤسسة الدينية من كل الامتيازات عدى التي تخص العقيدة واصبح المواطن الامريكي يحترم المادي ويطلق عليه علمي أكثر من الروحي الذي صار يعرف على انه علاقة الانسان بربه وتم حصره بالعبادات لأن المعاملات يحددها الدستور ومنعت المؤسسة الدينية من غزو المدارس ولم ينجح القساوسة حتى في حشر قصة خلق الكون الانجيلية في المناهج الدراسية الى جانب نظرية النشوء والتطور الداروينية، فوحد العلم الشعب الأمريكي واوصله الى ماهو عليه الآن عندما عجز الدين عن ذلك في اوربا القرون الوسطى.
الآن وبناءا على ماتقدم فنحن أمام خيارين لاثالث لهما أما الدنيا واما الآخرة لأن الحياة تعقدت كثيرا وتعذر الجمع بين الأثنين، فاذا اخترنا الأولي فعلينا ان نحدث ثورة في مؤسساتنا التعليمية لتحويلها الى دور علم والفصل بينها وبين دورالعبادة أما اذا اخترنا الثانية فعلينا القبول بالواقع الراهن وما يحويه من فقر وأمية وتخلف وارهاب والسلام خير ختام.
نعيم مرواني
شروكي عراقي مهجر
Marwan1997@yahoo.com