أصداء

الأفكار الثلاث الأهـم

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

.. حول ثورة أكتوبر سألني الأخوة في منتدى الفكر الإشتراكي فيما إذا كنت أرغب في الحديث إليهم بالمناسبة عن ثورة أكتوبر، فأجبت بالإيجاب، فاشترطوا ألاّ أطيل أكثر من عشر دقائق، فصدعت للأمر رغم أني رغبت بعشر ساعات وذلك ليس لأن ثورة أكتوبر تمس حياتنا مباشرة من مختلف أطرافها وحسب بل لأنها قبل ذلك تشكل محطة رئيسة تمر عبرها كل الأفكار الكبيرة. وعليه فإنني أطلب الصفح إذا ما حشرتكم بعشر دقائق فقط مع ثلاث أفكار أعتقدها الأهم فيما يخص ثورة أكتوبر الاشتراكية اليوم مؤملاً أن تستوقفكم لما يكفي لأن تتساءلوا عن صحّة هذه الأفكار وأحقيتي في طرحها ـ

الفكرة الأولى- يقدّر علماء الأنثروبولوجي أن الإنسان ظهر على الأرض قبل خمسين مليون سنة كحيوان متوحش وظل كذلك لخمس وعشرين مليون سنة إلى أن فجأته في أهم منعطف مرّ به تغيرات جينية وبيولوجية كانت مفتاح طريق جديدة له هي طريق الوعي. بقي الإنسان في فجر الوعي لثلاثة ملايين سنة وبزغت شمس الوعي مع تناول الإنسان الحجر واستخدامه كأداة إنتاج. فالوعي إذاً بدأ باستخدام الأداة أو الآلة وتقدم مع تطورها.
فقر أو قصور أدوات الإنتاج هو دالّة قطعية على قصور الوعي أو من الاتجاه الآخر على طغيان الوحشية في الإنسان. قصور أدوات الإنتاج يؤسس في المجتمعات نظام الملكية ونظام استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وهذان النظامان كما تلحظون هما من سمات الوحشية ومن هنا فقط يمكن تفسير العلاقة الوثيقة بين الملكية والاستغلال من جهة وتعلق الإنسان بالخرافة والميتافيزيق من جهة أخرى. ما زال إنسان القرن العشرين على قدرٍ كبير من الوحشية - إنه يملك، إنه يستغل إنه يدين بالميتافيزيق.
بمقدار ما كانت الحاجات المادية والحيوية للإنسان تؤكد نوازعه الوحشية كان الوعي بالمقابل يؤكد فيه التسـامي والانتصار في صراع البقاء وفي قهر الطبيعة. المجتمعات البشرية التي عرفت حتى اليوم كان ناظمها الرئيس حاجات الإنسان الحيوية ولذلك كانت وحشية وقامت على الملكية والاستغلال. المجتمع الشيوعي الذي سيحرر الإنسان من كل حاجـاته المادية على تزايدها هو ما سيحسم الصراع بين الوعي والوحشية لصالح إنسانيـة الإنسان وتكامل وعيه وتطهيره من كل أصوله الوحشية.

الفكرة الثانية- أول من باشر في انتقال الإنسانية إلى المجتمع الشيوعي كان كارل ماركس حين أصدر مع رفيقه إنجـلز " البيان الشيوعي " قبل أكثر من قرن ونصف. وفي عام 1864 تقدم ماركس لتشكيل الأممية الأولى التي سرعان ما وقعت أسيرة لمثقفي البورجوازية الوضيعة الثوريين مما دفعه إلى حـلّها عام 1873. وفي عام 1889 أعاد إنجلز تشكيل الأممية ومرة أخرى وقعت الأممية في أيدي مثقفي الطبقة الوسطى مما دعا لينين إلى رسم حدٍ فاصل بين الثوري البروليتاري والثوري البورجوازي وتكريس جلّ نشاطه ما بين 1902-1917 لفضح زعماء الأممية الثانية وتواطئهم مع قادة الرأسمالية الإمبريالية باشتراكهم في الحرب العالمية الأولى في صف عسكر الإمبريالية. وفي أكتوبر عام 1917 قام البلاشفة الروس بثورة اشتراكية وكلهم حرص على ألاّ تقع مقاليد الثورة في أيدي ممثلي البورجوازية الصغيرة أو الطبقة الوسطى كما حدث من قبل. ولأنـهم نجحوا في ذلك وأداروا صراعاً طبقياً فذّاً وشاملاً حققت ثورة أكتوبر ما عجز العقل البشري القاصر عن استيعابه. لذلك قامت قائمة الإمبريالية العالمية واستطاعت أن تجند ألمانيا النازية لتصفية الثورة. كان على الثورة أن تبذل كل طاقاتـها لحماية نفسها وسحق النازية. تمّ لـها ذلك لكن ما تبقى فيها من عزم لم يكن كافياً للتغلب على العدو الطبقي في الداخل. وهكذا اغتال مرة ثالثة طلائعيو الطبقة الوسطى من مثقفين ومهنيين وموظفين، اغتالوا الثورة وتسلموا قيادتـها ليعلنوا بكل صفاقة عام 1959 ومن تحت علم المطرقة والمنجل ومن أمام تمثال لينين أيضاً إلغاء دكتاتورية البروليتاريا وتحريم الصراع الطبقي. لثلاث مرات رُدّت حـملة البروليتاريا من على طريق الشـيوعية من قبل طبقـة البورجـوازية الوضيعة أو الطبقة الوسـطى، أفلا يجـب على البروليتاريا أن تتعلم الدرس؟ اليوم مطلوب من البروليتاريا أن تدرك بأن الطبقـة الوسطى إنما هي الشرنقة التي تحتمي داخلها الرأسمالية كلما داهمها خطر الإبادة. سحق الشرنقة لا بدّ أن يتقدم على إبادة الحشرة!

الفكرة الثالثة- يظن العامة أن ثورة أكتوبر قد ماتت واندثرت وأن الرأسمالية تجددت وانتصرت. هذا ظن خاطئ ومغرض ومضلل. ثورة أكتوبر الاشتراكية استطاعت أن تقلب العالم وتفكك النظام الرأسمالي. لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة أعلنت منذ عام 1972 عن انتهاء أعمالها والرأسمالية لا تحيا بدون استعمار لذلك رأينا الدول الرأسمالية الخمس الكبرى تجتمع في باريس عام 1975 لتقرر أغرب قرار عبر التاريخ ألا وهو التخلي عن كل ما توفر لديها من أموال وإسالتها نحو الدول المستقلة أو النامية بقصد إغراقها وخنق ثورتـها الوطنية. هيئة أركان الرأسمالية نجحت في تحقيق هدفها أيما نجاح لكنه فاتـها أن هذا الفيضان سيتدفق إلى أراضيها ليغرق النظام الرأسمالي حتى الأساس. الدول التي استقلت رافضة امتصاص فائض القيمة الرأسمالي هذه الدول وبنتيجة تـهديم أسس إنتاجها الوطني لم تعد قادرة على امتصاص هذا الفائض. تفجّرت الرأسمالية في مراكزها وتطاير حطامها ليستقر في الأطراف وللعجب فإن هذا ما يسميه كتبة الرأسمالية بالعولمة أو ما يزعمونه عن رسملة الأطراف وهذا مثير للسخرية فحطام الجرّة لا يحفظ ماءً.

نقف اليوم في أخطر مفصل من مفاصل التاريخ فالنظام الدولي الجـديد هو اللانظام. انـهارت العـوالم الثلاث التي عرفناها بعد الحرب العالمية الثانية ونحن اليوم بلا اشتراكية وبلا رأسمالية وبالتالي بلا حركة تحرر وطني بالطبع إذ لا حركة تحرر وطني بدون ثورة اشتراكية عالمية. إزّاء هذا لا نملك إلاّ أن نستهجن من مثقفي العالم الثالث وخاصة العرب منهم فهم ما زالوا يصوغون خطابـهم بروح ما قبل الانـهيارات، بروح التحـرر القومي وبناء المشـروع الوطني!! يخاطبون عالماً لم يعد موجوداً. أليس مثل هذا الخطاب أفيوناً يضلل الشعوب؟ متى يدرك مثقفونا وسياسيونا هذه الحقيقة؟

فؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف