عصا سحرية للقضية الفلسطينية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لنفترض ولو للحظة أن الولايات المتحدة قادرة على فرض رغباتها دون حسيب أو رقيب كما يدعي البعض. فلننظر إلى الشواهد والوقائع لنتحقق من مقدرة الولايات المتحدة على إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لنحلل ما تقوله أمريكا على لسان رئيسها جورج دبليو بوش ولننظر في أفعالها وسياساتها على أرض الواقع. لنتفق على أنه لا يوجد ما يدعو الرئيس الأمريكي للتصريح بما لا يعنيه كما لا يوجد من يخطأه غير الشعب الأمريكي ، ومن ثم إذا اقترح أحد احتمال الكذب في تصريحاته فإنني أذكره م بالمثل الشعبي القائل "حبال الكذب قصيرة" ولو افترضنا أن هناك فائدة من وراء الكذب فلابد أن نعي دائما حجم المغامرة التي يقدم عليها الكاذب إذا تكشفت أكاذيبه وظهرت الحقيقية ناصعة واضحة ، لا شك أن ذلك سيكون له نتائج عكسية لا تحمد عقباها.
كتبت ما كتبت لكي نبدأ معا من نقطة مشتركة نحاول من خلالها تفهم محتوى البيان الصحفي الذي ألقاه الرئيس جورج دبليو بوش يوم الاثنين الماضي الـ 16 من يوليو بخصوص الشرق الأوسط. ومع أن الوضع القائم يتطلب تركيز الجهود على العراق إلا أن منطقة الشرق الأوسط تمثل المظلة الحقيقية لكل المشكلات التي تحتاج لتركيز الجهود عليها ومنها أزمة العراق والصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهو الصراع الذي ركز عليه بوش في تصريحه.
قراءتي للصحف واطلاعي على تعليقات الإنترنت ومشاهداتي للقنوات الإخبارية الفضائية أوضحت لي مدى التشاؤم السائد من قبل المراقبين والمطلعين بخصوص القضية الفلسطينية. هذا التشاؤم له تفسيراته وتعليلاته التي طرحها البعض والتي يمكن أن تكون أو لا تكون مقنعة ، ولكنها تؤثر سلبيا على مجريات الأحداث. خاصة عندما يكون التشاؤم مرتبطا بالشك وانعدام حسن النية في الطرف الآخر. فهذا من شأنه أن يفشل أن محاولة جادة لتحقيق توافق بين طرفي الصراع.
في القضية الفلسطينية يزداد أثر ذلك التشاؤم على مجريات الأحداث بسبب طول مدة الصراع وتعقيداته وعمق آلام ومعاناة كل من شاء القدر أن يقع في شراك أحداثه العشوائية. ولكن مسؤولية كل صاحب كلمة أن يعطي الفرصة لكل من يحاول أو يرغب في اقتراح حل حقيقي يطوي معه تاريخ المعاناة والآلام التي تحملها الشعبان. ومن ثم فإن مجرد إعطاء الفرصة يبدوا طلبا بسيطا لكنه ذو أثر كبير من شأنه أن يساهم في حل هذه القضية البالغة التعقيد. ولكي لا نكون حالمين فإنني أؤكد أن حل القضية الفلسطينية هو بيد الفلسطينيين والإسرائيليين في الأساس ولكنهما بحاجة إلى المساندة والتشجيع ، فالكل له دور يقوم به وإن كان يبدو للبعض أن دوره هامشي.
فالولايات المتحدة تعمل من جانبها من خلال إدراكها لمسؤولياتها الأخلاقية والإستراتيجية في النظام العالمي ومن منطلق متفائل يسعى إلى جمع قوى الخير وأصحاب النوايا الحسنة من أجل تحقيق سلام عادل وشامل ودائم لهذا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. بالطبع هذا السلام العادل الشامل الدائم يختلف في شكله لدى الفلسطينيين عنه لدى الإسرائيليين. وحتى قبل خمس سنوات لم تشأ الولايات المتحدة طرح رؤيتها بشكل مباشر وصريح لما يمكن أن يكون عليه شكل ذلك السلام العادل الشامل إلا أنه كانت رؤيا مفهومة من قبل أطراف النزاع. ولكن في ظل عدم تقدم أي من طرفي النزاع بطرح رؤى واقعية قابلة للتطبيق قام بوش كأول رئيس أمريكي بالإعلان عن رؤيتنا لحل شامل يؤسس لدولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة.
ومع أن الإعلان عن تصريح بذلك الشكل وعلى ذلك المستوى يعد سابقة جديرة بالانتباه إلا أنه لم يقابل بالأهمية التي كان ينبغي أن يقابل بها خاصة من تلك الأجهزة الإعلامية التي تستخدم الرأي العام في لعبة الصراع فتستحوذ بلغة التشكيك على مقدرات أمة من حقها أن تعيش ، فالولايات المتحدة تحاول دائما الموازنة بين الطرفين وتطرح الخيارات العملية أمامهما من خلال مجريات الأحداث على أرض الواقع.
أنا لا أحاول القول أن كل ما قمنا به كان صائبا ولكن ما أقوله أن الولايات المتحدة تحرت المصلحة من خلال مبادئ المصلحة الوطنية والمسؤوليات الدولية والتعاطف الإنساني وفي إطار استجابة الرأي العام وقبول الشعب الأمريكي لهذه السياسات. أذكركم بأننا دعمنا العديد من التحركات السياسية من أجل حل القضية الفلسطينية ومنها قرارات مجلس الأمن 242 و 338 وغيرها من القرارات ، كما دعمنا محادثات أوسلو Oslo و مدريد Madrid و واي رفر Wye River و كامب دايفد Camp David ، ناهيك عن طرحنا للمبادرات ومنها تقرير متشل Mitchell Report وخطة تنت Tenet Plan ورؤيا تأسيس الدولة الفلسطينية وأخيرا خارطة الطريق.
الفلسطينيون يرون بأننا ندعم الإسرائيليين أما الإسرائيليون فإنهم يعتقدون بأننا نبخل عليهم في الدعم. ولكن مفتاح حل القضية ليس محصورا في مدى دعمنا لأي من الطرفين ، مفاتيح الحل تكمن في يدي طرفي الصراع بشكل أساسي ، ولذلك فإن أي حل مفروض على أطراف الصراع سيؤول بالفشل. ولو كان بيدنا حل الصراع لقمنا بفرض رغبتنا - أيا كانت - منذ زمن بعيد. وليفكر هؤلاء الذين يتهموننا بأننا قادرون على حل القضية متى ما رغبنا ، وليتأمل هؤلاء المتشككون في نوايانا بأننا ننتصر لإسرائيل على حساب الفلسطينيين ، بأننا لو كنا قادرين على حل القضية وكنا نفضل إسرائيل فلماذا لم ننه الصراع لحساب الدولة العبرية إلى الآن؟
إذن ماذا قال بوش يوم الاثنين؟ قال أنه ملتزم بحل الدولتين الذي توضح معالمه خارطة الطريق وأن الأمل قائم والحل حقيقة يمكن نيلها طالما أخذت حماس على عاتقها مسؤولية العمل من أجل الشعب الفلسطيني بتقديم الولاء من أجل فلسطين ومستقبل الشعب الفلسطيني فوق الولاء لسوريا وإيران وقوى التخريب الأخرى. بالإضافة إلى تجاوب حماس هناك عدة أمور أخرى يمكن أن تساهم في دفع عملية السلام قدما ، ومن تلك أمور تستطيع الولايات المتحدة القيام بها ومنها تقديم دعم مادي أكبر للحكومة الفلسطينية. وبالفعل قدمت الولايات المتحدة هذا العام أكثر من 190 مليون دولار في شكل مساعدات إنسانية إلى غزة كما أعطى بوش الصلاحية لشركة الاستثمار الخارجية الخاصة بتقديم سلف تبلغ 228 مليون دولار للمؤسسات الفلسطينية وذلك بالإضافة إلى 80 مليون دولار في شكل مساعدات مباشرة إلى جهود إصلاح الأجهزة الأمنية.
الجانب الثاني لما تستطيع الولايات المتحدة تقديمه هو تأصيل الالتزامات السياسية والدبلوماسية للفلسطينيين. وإلى ذلك قدمت الولايات المتحدة من خلال وزيرة الخارجية كونداليزا رايس بطرح الأفق السياسي للصراع على الزعيمين الفلسطيني والإسرائيلي والذي شاهدنا نتائجه في لقاء الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء أولمرت يوم الاثنين. وأكد بوش أنه سيكرس جهدا أكبر من أجل توسيع ذلك الأفق السياسي. وأخيرا مساعدة الفلسطينيين في بناء المؤسسات الأساسية التي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية المستقبلية. ومن أجل تحقيق ذلك سوف تعمل الولايات المتحدة على بناء المؤسسات اللازمة لدولة فلسطينية من خلال عمل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير الذي أخذ على عاتقه تمثيل الرباعية.
مقابل هذه الالتزامات الأمريكية للطرف الفلسطيني هناك مسؤوليات يجب أن يقوم بها الفلسطينيون وهي تتمثل في هذه المرحلة في امتناع حماس عن استهداف إسرائيل ومنع العناصر المدمرة من استخدام غزة كحصن يشنون منه هجماتهم على إسرائيل وكذلك الاعتراف بالحكومة الفلسطينية الشرعية والسماح لجهود المساعدات الإنسانية بأداء مهامها في غزة بالإضافة إلى الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ونبذ العنف وتفكيك المجموعات المسلحة والإقرار بالمعاهدات والاتفاقيات التي وقعت عليها الحكومة الفلسطينية السابقة.
هذا بما يخص الجانب الفلسطيني ولكن ماذا عن الطرف الإسرائيلي؟ هل عليه أي مسؤوليات وهل هناك مطالب أمريكية من الجانب الإسرائيلي؟ نعم ، يجب على إسرائيل دفع مستحقات الضرائب لحكومة رئيس الوزراء فياض ، وإخلاء المستوطنات المتقدمة غير المصرح لها وإنهاء إجراءات توسيع المستوطنات ، وعلى إسرائيل كذلك البحث عن طرق عملية لتقليص رقعتها دون التنازل عن أمن مواطنيها. كما يجب على إسرائيل ضمان قيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة ، ويجب عليهم العمل من أجل الوصول إلى حل بخصوص الحدود مقبول من الفلسطينيين ومن ضمن الخطوط الموضوعة سابقا ومن خلال الأمر الواقع بشرط التوافق المشترك عليها. الولايات المتحدة مستعدة لأخذ مسؤولية قيادة النقاشات المتعلقة بهذه المسائل. فحل هذه النقاط سوف يظهر للفلسطينيين معالم الحل النهائي ويعطي دفعة على طريق حل قضية اللاجئين والقدس والذي سيجعل الحل النهائي العادل والشامل قريب المنال حينها.
المجتمع الدولي كذلك يتكبد مسؤولية في هذا الصراع. فمثلا لجنة التواصل التلقائية يمكن أن تلعب دورا عمليا مهما في إيصال المساعدات إلى الحكومة الفلسطينية مما سيعطيها دعما كبيرا وحقيقيا ولذلك دعا بوش أعضاء اللجنة بما فيهم النرويج واليابان وصندوق النقد الدولي والدول العربية بما فيها المملكة العربية السعودية ومصر والأردن إلى عقد جلسة من أجل تجهيز العناصر اللازمة الهادفة إلى إرساء دعائم إجراءات اتفاق سلام.
أما الخطوة الإستراتيجية الأكبر فستكون في اجتماع هذا الخريف على مستوى وزراء الخارجية برئاسة الولايات المتحدة يضم طرفي النزاع - الفلسطينيين والإسرائيليين - بالإضافة إلى أعضاء من المجتمع الدولي يمثلون تلك الدول المساندة لحل الدولتين والتي ترفض العنف وتعترف بحق إسرائيل في الوجود وتقبل الاتفاقات السابقة جميعا بين طرفي النزاع. سيتم النظر حينها في جهود بناء المؤسسات الفلسطينية وطرح ومناقشة خطط دعم الإصلاح بالإضافة إلى توفير الدعم الدبلوماسي لطرفي النزاع المشاركين في الاجتماع. لعل هذه الخطوة توفر فرصة للتقدم باتجاه تأسيس الدولة الفلسطينية.
أعتقد أن بعضا منكم يعترض على منطق ما كتبت وآخرون يشككون في الصورة التي رسمتها ومجموعة واثقة من أن واقع الحال ليس مطابقا لما عرض أعلاه ، ولكن ما تقدم هنا هو صورة حقيقية مقتضبة لتصورات الولايات المتحدة في هذه المرحلة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. الأخذ بها ولو دون اقتناع سيوفر قاعدة صلبة لحقيقة وأبعاد الدور الأمريكي يمكن من خلالها استيعاب الفرص المتاحة وفهم القيود المفروضة عليها. الخيارات شحيحة فإما المثابرة في البحث عن حل وخلق الفرص وإلا الانهزام وترك قوى الظلام تعيث في الأرض فسادا. الخيار الثاني غير مقبول ولا يمكن حتى التفكير فيه ، وفي ظل انعدام عصا سحرية ليس أمامنا سوى المثابرة والبحث عن طريقة تصلنا إلى ذلك السلام العادل والشامل والدائم.
وليد جواد
فريق التواصل الإلكتروني
وزارة الخارجية الأمريكية