أصداء

مصيبتنا في عروبتنا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سأكتب كلاماً لن يعجب الكثيرين لكنني سأمضي في هذا على الرغم من ألم هذا الكلام لكنه برأيي يعكس صورة حقيقية لما نحن فيه من مصائب و مهازل و مآسي. و لا أريد هنا من أي أحد أن يسوق علينا أي كلام في الوطنيات و الشعارات الزائفة، بل أرجو ممن يقرأ أن يتمعنوا في هذا الكلام و يعيدوا حساباتهم و قراراتهم قبل الحكم السريع المتجني غير الكامل.

فبالرغم من هذا التحليل أقول أنه علينا أن نتوقف قليلاً مع أنفسنا و نمارس بعض النقد الذاتي البناء، و لا أقول جلد الذات، بل لنفهم عمق المؤامرة التي تسللت إلى عقولنا من خلال شعارات كاذبة زائفة لم تنجح إلا في تدمير الشعوب و مصائرها و تفاقم حالها.

فمنذ بدايات القرن الماضي، و لأسباب قيل أنها من أجل الإستقلال، ظهرت لنا شعارات كبيرة براقة فضفاضة، أهم ما فيها الكذبة الكبرى و الشعار الزائف "أمة عربية واحدة....."

هذا الشعار لم يكن سوى أداة إستعمارية جديدة للسيطرة على عقول الناس وعلى مقدّراتهم و أقدارهم، و الأمثلة أمامنا واضحة كيف أن هذه الشعارات لم تنفع سوى أعدائنا و أن الأهداف التي قادها هؤلاء الطغاة ليست إلا "... ذات رسالة خائبة".

فما يحصل الآن في العراق و فلسطين و لبنان و غيرها من أطراف هذه المنطقة هو نتاج تلك الرسالة و وقودها التي اقتات و لازال يقتات به الديكتاتوريون و المتسلطون و الطغاة من "المحيط إلى الخليج".
أقولها و لا استثني أحدا، على رأي المثل الشعبي الشائع "شهاب الدين أ.... من أخيه".

بواسطة هذه الشعارات تمكن هؤلاء الطغاة من قيادتنا قطعاناً صامتين لا نعرف سوى البحث عن لقمة العيش، حتى البراري التي تقتات منها القطعان تصحّرت، و منابع المياه جفت، لتسكن مكانها السجون و المعتقلات و المقابر الجماعية: فبأي شعارات نقتات؟

أرادوا لنا أن نفكر بالأمة و الأمة غائبة عن نفسها. كيف للشخص أن يفكر بجاره أو جيرانه و هو لا يقوى على الحراك من الجوع و القهر و التعسف و الحرمان؟

كيف سيفكر بالأمة الواحدة وهي تضطهد كل من يحاول أن يرفع شعار هويته الشخصية قبل أن يرفع هوية أخرى؟

كتبوا لنا شعارات عالية لنرفع رأسنا و ننسى أنا مخصيون، مغتصبون، مقموعون في أبسط حق لنا.
الحاكم فقط هو الفحل بيننا و أعوانه هم من يقدموننا أضاحي و هبات و جواري بين فخذيه، و من يتألم، يأتيه واحد من الحاشية، أقصد الحوش، ليعطيه درساً في المعارضة و إشتراكية الحكم. فالحاكم و حوشه شركاء في التربية، تربية الشعب. أليست أمة عربية واحدة؟

فكرة إنطلاقة هذا الشعار قادت إلى المزيد من الهزائم، فالمهزوم هناك يجب أن تشاركه في هزيمته، و المقموع هنا يجب أن يصدٍر أصول قمعه. أما الحكام، فهم متوحدون في أساليبهم، و إلا فلماذا هذا يحكم بالوراثة و ليس غيره؟ على الجميع أن يرث هذا الشعب و مقدراته، و على الشعب أن يرث بؤسه و حرمانه و قمعه و استعباده.

و عندما تقوم واقعة هنا أو هناك، و بحجة وحدتنا، فلا مانع من أن نتدخل في شؤون جيراننا: أليست أمة عربية واحدة؟

بحسب هذا الشعار، يحق للإرهابي أن يغادر بلده ليسافر إلى أي من بلاد الجوار لينشر أفكاراً و دماراً و تكفيراً إرهابياً. أليست أمة عربية واحدة؟

و من يرغب بزيادة تسلطه يمكنه أن يذهب إلى بلد آخر لينشر فيه فتحاً إرهابياً جديداً، بإسم الدين، يصمد فيه أمام جيش البلاد حتى آخر حجر و بناء في ذلك البلد. يجب على الدمار أن يعم. أليست أمة عربية واحدة؟

و إختراق الصفوف و تمزيق الشعب الصابر تحت الإحتلال من أجل منصب، هو ليس بالسيادي حتى، لتنقسم البلاد إلى دولتين، أفضلهما لا تتحكم حتى بقياس لباسها، كل هذا يجب أن يتم بإسم الثورة و بثمن دماء الشهداء. أليست أمة عربية واحدة؟

أمة، كان يوحدها الإستعمار، و عندما إعتقدت انها استقلت، جلبت على نفسها حكاماً و ديكتاتوريين و طغاة جعلوا من هذه "الأمة الواحدة" إثنتين و عشرين على الأقل، و الإنقسام شبيه الخلايا في إستمرار.

لماذا لا نفكر قليلاً و نعترف كم هي سخيفة هذه الشعارات و كم هي مقيته.

القارة العجوز "كما يحلو للبعض من المستوحدين أن يسموها" تحولت من سبع وعشرين دولة إلى إتحاد واحد، لا يجمع بينهم لا عرق و لا دين و لا لغة و لا تاريخ، فقط العقل و التفكير السليم بدون أي شعارات.

حتى الدين أصبح عندنا سلعة و وصفة و فتوى يقدمها كل واحد لا يكمل بعد كتاب القراءة الأولي. عند تكفيريي اليوم، أصبح شعار الدين لباساً قذراً و لحية كثة و منظراً مقرفاً لا يعرف حتى أصول الإغتسال و النظافة أو الأخلاق.

نحن أمة تعيش على ماضٍ و تأريخ، أصبحنا نشك فيه، لأنه من كتابة السلاطين وليس صناع الأمجاد. حتى لو كان صحيحاً، فقد آن الأوان أن ننظر ولو لمرة واحدة إلى الأمام و نفكر بمنطق التقدم وليس الأصولية.

هدفنا يجب أن يكون الوطن و المواطن و حريته و كرامته أولاً، وليس الشعارات البالية و الخائبة.

للأسف، هذا بعض من حال "أمتنا العربية الواحدة، وهذا نتيجة رسالتها - التي آمل أن لا تكون خالدة"

أكثم التل

كاتب و صحفي أردني - مستقل
Akthameltall@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف