ماهي خيارات السياسة الأمريكية تجاه النظام السوري؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تقليدياً يجمع الديموقراطيون والجمهوريون على بناء علاقات جيدة مع سورية عبر عن ذلك تعاقب الحزبين بالتعامل مع النظام السوري لعشرات السنين ضمن توافق الرؤى الإقليمية الستراتيجي بين الطرفين، وكانت أهم نتائجه المباشرة هو توفير الغطاء للنظام السوري لقاء توقيعه معاهدة فك الإرتباط " السلام " مع إسرائيل برعاية هنري كيسنجر عام 1974واحتواء المقاومة الفلسطينية والسيطرة على الساحة اللبنانية وتحريكها باتجاه التوافق مع السياسة الأمركية في المنطقة، واستمرت العلاقة بنوع من التفاهم الكبير على معظم المشاكل الإقليمية، وفي حالات تناقض المصالح تختصر السياسة الأمركية مواقفها بحث النظام السوري على تغيير تصرفاته والتعاون على مستوى المنطقة،معتبرةً أن دعم النظام السوري وتغطية دوره الإقليمي من لبنان إلى فلسطين إلى الخليج هو من عوامل تثبيت الإستقرار في المنطقة،وأكثر فائدة من دعم قوى الديموقراطية الهشة والتي لاتزال بعيدة عن الإمساك بخيوط حركة الأحداث في منطقة شديدة الحساسية الإقليمية والدولية.
ولعل الخط الفاصل بين السياسة الأمريكية التقليدية تجاه النظام السوري كان في استلام بشار أسد السلطة الذي رافقه انهيار مفاوضات السلام على المسار السوري الإسرائيلي وانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان والأحداث الدامية في فلسطين وزاد الأمور تعقيداً أحداث 11 سبتمبر 2001 وبروز أولوية الحرب على الإرهاب ولاحقاً احتلال العراق، كل هذه الأحداث الخطيرة على المستوى الإقليمي أدت إلى ظهور التناقض بين السياسة الأمركية والنظام السوري لأنها متعلقة بالصراع على المصالح الستراتيجية لكلا الطرفين، على أن مصالح النظام السوري هي مرتبطة كلياً ببقاؤه في الحكم، واشتقاق كل مواقفه الإقليمية والدولية من هذا الثابت،في حين أن السياسة الأمركية الجديدة في المنطقة تتطلب التعاون المباشر في أكثر من عقدة إقليمية، لم يتمكن كلا الطرفين بحكم التباعد في المقاربات الإقليمية من الوصول إلى استمرار حالة التفاهم التي طغت على علاقتهما لفترة طويلة.
ولاشك أن كل الإدارات المتعاقبة في أمريكا تدرك تماماً طبيعة النظام السوري وتكوينه وبنيته وبشكل خاص أنه يمثل نظام أقلية في سورية تحكم بالقوة وله سجل ضخم بانتهاكات حقوق الإنسان في سورية والمنطقة وهذا مقروء بشكل جيد ومتغاضى عنه في الماضي، لكن مع استلام بشار أسد وماحدث من تغيرات على المستوى الدولي والإقليمي وعجزه عن أداء دوره بالسرعة المطلوبة، أدى إلى تغيير أسس التفاهم السابق وأفرز معطيات جديدة، بعضها يتعلق مباشرة ً بدور النظام السوري الإقليمي وأهداف السياسة الأمريكية الجديدة التي ترتب عليها إعادة النظر في العلاقة معه حسب المعطيات الجديدة في المنطقة، والبعض الآخر يتعلق بهيكلة المنطقة وفق النظام الدولي الجديد، وفي الظروف الجديدة انتقلت العلاقة من إطار التفاهم على دور إقليمي للنظام السوري إلى مرحلة تقليص دوره هذه المرة، وخاصةً فيما يتعلق بتدخله في لبنان ودعم حزب الله ومساعدة التنظيمات المتطرفة في زعزعة الإستقرار في المنطقة من العراق إلى فلسطين إلى لبنان، أي انتقل شكل العلاقة بين أمريكا والنظام السوري من مرحلة التفاهم إلى مرحلة التصادم السياسي المباشر على الساحة الإقليمية،وزاد ذلك حدةً تطور العلاقات بين النظام السوري والنظام الإيراني ليأخذ أبعاد حلف ضد حلف ومصالح ضد مصالح ودور على الساحة الإقليمية ضد دور آخر وخاصةً في العراق.
على أن المقروء في سجل العلاقة بين النظام السوري والإدارة الأمريكية هو استمرار السياسة الأمركية السابقة تجاه النظام السوري والتي تتحدد بالخيارات الستراتيجية التقليدية التالية:
أولاً - استمرار سياسة الضغط على النظام السوري عن طريق تشديد الحصار عليه وزيادة أشكال الضغط ومنها العقوبات التهذيبية.
ثانياً - اتباع سياسة تغيير النظام السوري بالقوة.
ثالثاً - إعادة النظام السوري إلى الستراتيجية الأمريكية بتنشيط مسار السلام في الشرق الأوسط ( المبادرة العربية للسلام).
رابعاً - التفاهم مع النظام السوري الثنائي على المستوى الإقليمي ( العراق، لبنان، الحرب على الإرهاب ) وخارج إطار عملية السلام.
والخلاصة: إن الواضح في السياسة الأمريكية تجاه النظام السوري تختزله الصيغة المعروفة " سياسة العصا والجزرة " التي هي من الناحية السياسية تهدف إلى تعديل سلوك النظام السوري مقابل دفع ثمن متبادل وهذا مايلح عليه بشار أسد في كل خطاباته، وأمامه كيفية حسم الخلاف مع ليبيا واضحة، لكن هل ستستمر أمريكا بتوزيع الجزر دون مقابل؟ أم أنها لن تعط بعد اليوم أية جزرة لنظام يرعى التطرف ويساهم بزعزعة الإستقرار على مستوى المنطقة؟ وهل ستستطيع كميات الجزر الأمريكي للنظام السوري من دفعه إلى فك الحلف الستراتيجي مع إيران؟ وأن يوقف دعم حزب الله والمساهمة بتجريده من سلاحه؟ وهل ستقنع النظام السوري بالتعاون مع أكثر الملفات خلافاً، المحكمة ذات الطابع الدولي؟ والقيام بالإصلاح على المستوى الداخلي؟!.
أغلب الظن أن حالة النظام السوري وسياسته القمعية على المستوى الداخلي وزعزعة الإستقرار على المستوى الإقليمي ربما تحتاج الأمر إلى توسيع هامش العصا ! هامش العصا المعني هو بدعم قوى التغيير الديموقراطي في سورية لأنها هي الحل الأسلم وطريقها أكثرأمنا ً وأقل كلفةً وأضمن مستقبلاً، وسورية على المستوى الداخلي ليست بأكثر تماسكاً اجتماعياً وأهلياً من العراق، لكن من المفيد تقوية عصا المعارضة السورية الداخلية والخارجية وقوى المجتمع المدني في سورية، تقوية عصا الديموقراطية باتخاذ موقف واضح وصريح من النظام السوري ومن الشعب السوري الذي يخضع لأبشع أنواع القمع والفساد ومصادرة الحريات وحرمانه من حقوقه الأساسية التي تشكل انتهاكاً لميثاق حقوق الإنسان، أي تقوية العلاقة مع الشعب السوري لأنه هو المعني وهو صاحب المصالح والمستقبل أولاً وأخيراً.
د.نصر حسن