القاضي رشيد ومحاكمة صدام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لِمَ لا نقول الحق؟
لا اقدر اخفاء هذه الحقيقة التي اكتشفتها مستقرة في ضمائر الجمع في كُردستان، ولا احد يبوح بها خشية الاتهام بالنعوت الجاهزة من قبل الانفصاليين من مملكة الضمير والوجدان.
عزمنا ان لا نستقل الا بالحق في اي حديث نخوض، ونفتح في ربوع الاستقلال نفسه لافتات الوضوح والبيان.
التقيت في العام الماضي بالقاضي المرموق والمثقف رزكار امين، الوجه الكُردي الاصيل الذي يحمل في شخصيته الخصال الكُردية الحميدة. كنت استمع بدقة الى القاضي وانسحابه من مسرحية محاكمة صدام حسين بعد تدخلات وضغوطات من جانب جماعات معينة في العراق. القاضي امين، الأمين للقضاء والعدالة، سجل اروع صفحة في تاريخ كُردستان والعراق برفضه وضع القضاء اضحوكة بيد جماعات جاهلة ومتخلفة ومهوسة بالدم.
المتهم برئ حتى تثبت ادانته. هذا شعار قانوني عالمي. لا يغير من محتوى هذا الجوهر وجود البراهين والحجج والشواهد في فضاء الشارع، للحكم المسبق على اي شخص كان مهما بلغ جرمه وعظم ذنبه، فهذا شأن القضاء، وذاك شأن عام. فاجراءات القضاء لا تعتمد على تقارير العامة وآرائها في حيثيات القضاء.
مرة كان العباس والحسن بصحبة الامام علي (ع). اثناء المشي وقع الدرع من علي، فلقطه يهودي كان يمشي في السبيل نفسه. طالبه علي بالدرع فامتنع اليهودي. كان علي امام المسلمين وخليفتهم، ومعروف عنه شجاعته وبسالته. لكن علياً لم يستقوى بشجاعته امام انسان يهودي ولم يهنه. فعرض عليه اللجوء الى القضاء بادب رفيع، فقبل اليهودي بذلك (لاحظ حقوق المواطنة). عند القاضي ووفق قانون الدولة كان على اليهودي القسم لكونه ناكراً، وكان على علي اتيان الشهود لانه ادعى كون الدرع ملكه. رفض القاضي شهود علي الصادقين، كونهما من انسابه واقربائه. اليهودي ادّى قسمه وفاز بالدرع وخسر علي دعواه في المحكمة!
كان الامام علي يقدر استرداد الدرع بقوته دون اللجوء الى المحكمة. لكن تلك الحادثة سجلت للمسلمين والبشرية عموماً درساً في الأخلاق والفضيلة والتمدن والانتصار للقضاء.
ألم يكن القاضي واثقاً من صدق علي؟! ومن نزاهة شهوده، الحسن والعباس؟ يهودي ضعيف يربح قضية غير عادلة امام زعيم الأمة واميرها، في تراث يمتد الى اربعة عشر قرناً، ثم تنحدر مصائرنا الى عراق يقوم على الظلم والعدوان والنفاق؟!
(القاضي) عبدالحمن رؤوف رشيد ليس قاضيا في واقع الحال انما كان محامياً تحول الى قاض بترقية من الحزب الديموقراطي الكُردستاني، بعدما لم يحصل على مراده في حكومة الاتحاد الوطني الكُردستاني اثناء كان لكل منهما حكومته.
أخوه يعمل في مركز للدراسات والبحوث التابع للحزب الديموقراطي. قبل محاكمة صدام حسين ضاق موظفو وزارة العدل برشيد ذرعاً بسبب جهله بالقضاء ومزاجه العصبي المنافي للطبع السليم! في اواخر التسعينيات كان رشيد بصحبة بعض رفاقه يقضي نزهة في منطقة خانزاد قرب اربيل حين داهمتهم مجموعة من اللصوص، وجردوا رشيداً واصدقائه من كل ما كان بعوزتهم وهم سكارى!
هذه الحادثة مشهورة ويعلم بها الكثير من الناس. ومن يريد التأكيد يستطيع الاستفسار من موظفي وزارة العدل في كُردستان. وللامانة اروي ما سمعته من اولئك الموظفين، أن رئيس وزراء الاقليم السيد نيتشيروان بارزاني استدعى رشيداً ونهره جراء تصرفاته الطائشة والنزقة اثناء محاكمة صدام حسين.
رشيد العصبي والسكير أختير لمحاكمة صدام. لم نكن بحاجة للاننتقام منه. فالرجل الذي كان ضارباً في العمر قضى نحبه منذ اول سقوط لنظامه. وكان صدام قد انتهى منذ نيسان عام 2003. ولكننا كنا بحاجة الى مجموعة مسائل للعراق ومستقبله وكيفية علائق اجياله في حاضر التاريخ ومشروع بناء المستقبل السليم.
اول الأمر كنا في ضرورة ملحة لتسييد القضاء والرضوخ جميعاً للعدل ومقتضياته واتاحة الفرصة الصادقة لصدام حسين ورفاقه للدفاع عن انفسهم، تيمناً بالدرس الذي تركه لنا علي بن ابي طالب (كرم الله وجهه).
ثم ان صداماً كان مفتاح اسرار الدولة لمدة اكثر من ثلاثة عقود. او لم يكن اجدى بقائه حياً لمعرفة المزيد من الأسرار والمعلومات التي تفيد العراق وسياساته؟!
ولمصلحة من أعدم صدام حسين؟! ثم ماذا استفدنا من اعدام جسده؟!
في الواقع كانت المحكمة تعاني من شح العدل والانصاف. والدليل انسحاب الحاكم رزكار امين وقاض آخر بعده.
لقد تمت تصفية صدام وفق صفقة سياسية ومخابراتية وعلى قضية تافهة إذا قورنت بقضايا أخرى أكثر حيوية ومأساةً. ولكن جهات عدة لم يكن لصالحها فتح قضايا خطيرة كالحرب الايرانية - العراقية وقضية حلبجة وقضايا أخرى. والسبب هو الدور الخطير لهذه الجهات في تلك المآسي كالشركات الاوروبية لانتاج الاسلحة وبيعها، وامريكا ودعمها للعراق وايران سراً وعلناً، حسب الدور والحاجة، وايران التي كان لها يد طويلة في الشأن العراقي فضلاً عن جهات واحزاب عراقية كان لها دور في كوارث وجرائم معينة. ولذلك فاعدم صدام لكي تعدم الاسرار!
رشيد المقيَّض للقضاء رفع من رصيد صدام حسين وشعبيته، بسبب تعامله المنافي لقيم العدالة والانسانية معه. فمهما كان فإن صداماً كان اسيراً وسجيناً ضعيفاً لا
يقوى على الدفاع عن نفسه، فما هي البطولة الكبيرة في رفع الصوت عليه والصياح بوجهه؟!
الكُرد لم يسعدوا باعدام صدام حسين لأسباب كثيرة. وبما انني كنت في كُردستان فان اعدام صدام حسين في صبيحة ذلك اليوم افسد على الناس فرحة العيد. ومن المفيد هنا الاشارة الى بعض خصال الشعب الكُردي. من المعروف عن الكُرد الشجاعة والكرم. واشتهر صلاح الدين الايوبي ليس فقط بشجاعته ولكن بقيمه الانسانية المثلى. فحين يكون الكُردي قوياً لا يستعمل العنف مع الضعيف. هذا في العموم ولا نبالي بالحثالة هنا وهناك فهي الشاذ الذي يثبت القاعدة. في عام 1991 حين حرر الكُرد مناطقهم وقع في أياديهم حوالي ستون الفاً من جنود العراق ومعظمهم من العرب. لكن الجنود لم يُقتلوا، على العكس وفر لهم الاكراد المسكن في الجوامع وزودوهم بالطعام. ومن هذا الباب فقد لاقى اعدام صدام حسين استياءً عاماً لديهم كون صدام قد انتهى امره مسبقاً، وكان الافضل بقائه للمزيد من الفائدة التي ذكرتها قبل هنيهة. وكان السيد مسعود بارزاني قد صرح انه لم يسعد باعدام صدام في يوم العيد. اما السيد جلال طالباني فقد رفض التوقيع على حكم الاعدام. وتعتبر هذه من اكبر فضائل طالباني وسيسجل له التاريخ ذلك.
عانينا جميعاً من حكم صدام حسين. وليس من احد منا الا وقد نال شيئاً من الضرر في ظل حكمه. تهدمت قرانا واريافنا وخسرنا الكثيرمن اقاربنا وشعبنا، ولكن هل كان صدام وحده مسئولاً عن ذلك؟! كلا!
والأهم من هذا كان سقوط النظام فرصة ليس لاعدام صدام ولكن للقضاء على العنف والبغي والظلم. كان عام 2003 فرصة ثمينة لترسيخ مبادئ التسامح والعمل من اجل مستقبل سعيد وناجح للعراقيين.
اعدام صدام اراح تلك الجهات المجرمة، التي ساهمت في جرائم الابادة ضد العراقيين لا سيما الشعب الكُردي.
المفارقة ان صداماً أعدم على قضية دجيل، والتي حاولت ايران فيها اغتياله عام 1982. وبالرغم ان المحاولة فشلت الا ان ايران لم تحسب اي حساب لأهالي دجيل في العواقب التي تنتظرهم بعد ذلك!
على العراقيين اذا ارادوا حياة آمنة وسعيدة ان يتخلوا عن اخلاق الانتقام والاحقاد. وكذلك العمل من اجل بناء وطن آمن ومعطاء. ولن يكون لهم كذلك حتى يعدموا في انفسهم الظلم والحقد والانتقام، وهلوسات متسترة بالدين والمذهب، وكذلك حتى يعدموا كل ما يسبب في تكوين هذه الأمراض.