الله في إيران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
شكل، محتوى و فاعلون
من أجل فهم تطور الثورة الإسلامية، إنه من الضروري العودة إلى بدايات دور الكهنوت الشيعي على صعيد القيادات أو تنظيم الثورات و تحريض الشعب في جنوب إيران عام 1920، 1922 و 1924 ضد الاستعمار البريطاني. الاعتراض الشيعي سينظم من جديد بعد أربعين عاما بشكل أكثر وضوحا وقوة. جنوب العراق، عرف في مدنه المقدسة جيلا جديدا من العلماء منظمين مكونين بشكل أفضل لمواجهة القضايا المتعلقة بنشر الإسلام ومفهوم الصراع الثوري. من بين هؤلاء اللاهوتي " محمد باقر الصدر " من النجف، منظر للشيعية السياسية وملهم للدستور الإيراني الحالي. عمل على إنشاء جيل جديد يعتمد على التعليم الديني المتماسك. من رفاقه " محمد حسين فضل الله " الزعيم الروحي " لحزب الله "، "محمد مهدي شمس الدين " النائب، في السابق، لرئيس المجلس الأعلى الشيعي اللبناني، ومعهم أيضا " روح الله الخميني " بطل مقاومة عام 1963. في النجف وفي سنوات الستينات، سيتم ظهور وبعث " نظرية السمو والتفوق السياسي للمشرع " أو " ولاية الفقيه "، حجر الزاوية الأساسي للشيعية السياسية. ضمن هذه السنوات نفسها " الخميني " سيعتمد على أعمال " باقر الصدر" في محاضراته أمام العامة حول " من أجل حكومة إسلامية ". ضمن هذه السنوات أيضا ستظهر المؤلفات الأولى " لمحمد باقر الصدر " بعنوان " فلسفتنا " و " اقتصادنا "، وهي بدائل تقدمها الحكومة الإسلامية للنظام الرأسمالي الاقتصادي و الاجتماعي. في هذه المؤلفات تم نشر و للمرة الأولى الخيارات المتعددة لقيام حكومة إسلامية حول مفهوم " ولاية الفقيه ". لكن عمله حول تعريف الفئات المختلفة من النخب الدينية "المقلدون " و المجتهدون" سيحرر النخبة من الكهنوتية. فقط من لديه الاستطاعة هو من سيكون بمقدوره أن يصل إلى أعلى درجات المعرفة، بمعنى آخر سيكون لديه القدرة على قيادة الأمة وهؤلاء هم " آيات الله، حجة الإسلام، ثقة الله الخ". في الواقع إن " آيات الله " هم في قمة هرم سياسو ـ ديني طبقي، والذي في عام 1979 سيلعبون دورا مضاعفا في الـتأطير و التنظيم في طهران.
الفقيه " الله "
ولاية الفقيه التي شرعها دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية و الحكومة الإيرانية، هي مبدأ لاهوتي، والذي منذ عدة قرون، تحت حكم " فتح علي شاه قاجار"، دخل في النقاشات اللاهوتية. قبل قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، هذا المفهوم لم يتجاوز نطاق الحديث بين اللاهوتيين حيث وجد الكثير من المعارضين له من الشخصيات المعروفة. وفق هذا المبدأ، سلطة الإمام تعود للعالم الوارث عن الإمام أي " الفقيه". يؤكد هذا المبدأ أن الحكومة ليست إلا حكومة الله أعطيت للنبي العربي محمد و أئمته بمن فيهم الإمام الثاني عشر الغائب، " الولاية " أو الحكومة تعود للفقيه و للعلماء الدينيين " اللاهوت الشيعي " الذين وصلوا إلى مقام الاجتهاد أو هم ورثة الإمام الغائب. وفق تفسير " الملا أحمد نرجي " المؤسس لهذا المبدأ: " في كل الشؤون وبنفس الطريقة والشكل و لنفس الأسباب كما كان عند النبي و الأئمة " الولاية " و الحكم في الشؤون و الحياة العامة، الفقيه من خلال ما ورثه عن النبي و الإمام يمتلك كل الحقوق و السلطة "، و، " كل عمل أو حدث لسبب أو آخر يتعلق بشؤون العامة أو الشعب في دينهم و حياتهم يؤثر عليهم، يعود للفقيه الذي يجب عليه مراقبتهم في تطبيق دينهم ويغير من سلوكهم بفضل السلطات التي يمتلكها". ويضيف " الحكومة بما أنها مشرفة على السياسة و إدارة شؤون الدولة أو البلاد فهي تعود لمهارة ومعرفة الفقيه الدينية، لأنه فقيه". في عملية الانقلاب الدستوري، المذهب الشيعي تم وضعه أو تسجيله كمذهب رسمي للبلاد، بالإضافة لحضور خمسة فقهاء في البرلمان من أجل مراقبة اتخاذ القوانين وتطابقها مع المبادئ الدينية. لقد قام الإمام الخميني عندما كان منفيا في النجف، بتدريس مبادئ ولاية الفقيه و كان مهتما جدا بهذا المبدأ أو المفهوم. وعندما تمت كتابة الدستور من قبل " مجلس الخبراء"، ولاية الفقيه كانت القاعدة في القانون بحيث لا يستطيع أي قانون تجاوز هذا المبدأ. ولكن بعد عشرة سنوات، مع مباركة الإمام الخميني، تغييرات أساسية تم إدخالها إلى الدستور و ولاية الفقيه حيث ستتحول هذه الأخيرة إلى مؤسسة في داخلها تتلخص كل سلطات الدولة والحكومة. حتى في تفسير المحافظين، ولاية الفقيه تحتل مكانا رفيعا أكبر من المراكز الأخرى مهما كانت كبيرة لأنه يُسمى من قبل الله و مجلس الخبراء. السلطات الهائلة و الغير محدودة " للمرشد " هي نفسها سلطات ولاية الفقيه، تحصل على مصدرها في السلطة المطلقة من الدين الذي يتوجب على الفقيه تنفيذه في كل المجالات باعتباره " ممثلا أو نائبا لله على الأرض".
أية الله، حجة الإسلام، ثقة الإسلام
إنها ثلاث مقامات ضمن التراتبية الشيعية الإثني عشرية والتي هي موجودة منذ العصر "القاجاري". تشير إلى عدة معان، " آية " تعني علامة أو رمز، " حجة " تعني شاهد أو دليل، " ثقة " تعني التزام. في زمن المذهب الإسماعيلي في الدولة الفاطمية في مصر، "حجة " كانت تشكل مقاما ضمن التراتب الديني. " حكيم ناصر خسرو " و " حسن الصباح" كان لهما هذا المقام، " حجة " في المذهب الإسماعيلي وهذا قبل فترة الحكم "القاجارية ". وحده الإمام " محمد الغزالي " كان له مقام " حجة الإسلام " في العصر السلجوقي. في العصر المغولي، " العلامة الحليّ " رجل دين شيعي كبير، كان له مقام "آية الله". أما في العصر القاجاري، بعد سيطرة " الأصوليين " المؤمنين بالاجتهاد، رجال الدين انقسموا في ثلاث فئات: نقلة الحديث" ثقاة الإسلام"، المجتهد " حجة الإسلام"، و المجتهد يقوم بمهام " آية الله". منذ " الشيخ الأنصاري" المعترف به كمرجعية عليا، لقب " المرجع العام " أو لقب " آية الله العظمى" بدأ بشكل رسمي و حتى الآن.
الإكليروس
لقد بقي أنصار ولاية الفقيه أقلية تدعم الإمام الخميني ضمن الكهنوت الشيعي الإيراني. مع ذلك، وحدة المفهوم التي ظهرت في عام 1979 كانت ردة فعل على تهميش رجال الدين أيام الشاه. بالمقابل، الإكليروس الشيعي الإيراني الغارق بالسياسة حتى أذنيه منذ القرن التاسع عشر لا يشكل القوة الاجتماعية الوحيدة التي استندت إليها الحركة الخومينية. العلمانيون و الموظفون، الطبقات الاجتماعية المنسية، كل هؤلاء شاركوا بالموجة الثورية الإيرانية. الكهنوت أو الإكليروس الشيعي الإيراني ظهر في قلب مؤسسات الدولة وتماهى معها، ومنذ قيام الانقلاب الكهنوتي حتى اليوم، هذه الطبقة الكهنوتية تحتل بمعظمها المؤسسات السياسية للدولة وبشكل خاص البرلمان، ليعودا بنظرية أنظمة الحكم آلاف السنين إلى الوراء.
لكن لا بد من التفريق بين الإكليروس و التركيب الآخر للثورة الإسلامية: الجميع كان لديهم عناصر أساسية في مسيرة الثورة و صيرورتها، الإكليروس الإيراني لا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتباره التجسيد الحقيقي للثورة، لأنه في الواقع موجود قبل الثورة، ومن هذا المنطلق يمكن القول أن أعضاء الإكليروس وجودوا في كل الأحزاب السياسية، المنظمات و المؤسسات أيام الثورة. لقد وجد هؤلاء متحدون حول النقاش فيما يتعلق بالقيم الأساسية للمجتمع: الأخلاق، احترام الهوية الإسلامية...الخ. أكثر من ذلك، الإكليروس الإيراني سيحصل على كل شيء، فقد حجزوا مكانا متفوقا عندما حصلوا على حصة كبيرة اجتماعية واقتصادية. ضمن هذا المعنى الجوهري " الملالي " سيعظمون أولية الثورة على الدولة وسيظهرون راديكاليين بموقفهم، بل سيطالبون بتحويل جميع ما يتعلق بالدولة إلى مؤسسات كهنوتية تحت تصرفهم. العناصر الأساسية الراديكالية ستتواجد بشكل أساسي في المؤسسات " الثورية " التي يستخدمها الكهنوت ليساعد السلطة الخمينية بتأطير وغسل دماغ الشعب الإيراني.
المرشد الأعلى آية الله الخميني
التسميات المختلفة أو المتعددة للخميني هي: " آية الله العظمى"، روح الله الخميني "، "الإمام الخميني"، " سيد روح الله الموسوي الخميني". ولد في 29 آب 1902 في مدينة "خميني "، ابن " آية الله سيد مصطفى"، حفيد العلامة " سيد أحمد موسوي خوندي"، وأصله من كشمير، هاجر إلى إيران ليستقر في مدينة " خميني " الإيرانية. عندما مات والد الخميني كان عمره خمس سنوات. عاش في المدينة التي سيأخذ اسمها حتى عمر التاسعة عشر. درس فيها علم اللاهوت. عاد بعدها إلى العراق ليسجل ضمن الدروس التي يعطيها "آية الله الشيخ عبد الكريم حايري يزدي"، أحد المجتهدين في المركز اللاهوتي في النجف. في عام 1923، " آية الله حايري " يترك العراق متجها إلى مدينة " قم" الإيرانية ليؤسس مركزا للعلوم الدينية، سيأخذ معه " روح الله الخميني " حيث سيتابع دراسته هناك. في نهاية حياة " آية الله حايري " سيصبح الخميني مدرسا في نفس المدرسة الدينية في مدينة " قم" و في نفس الوقت كان يتابع دراسته. درس الفلسفة وبشكل خاص الصوفية، على يد " آية الله شاه أبادي".بعد أب 1941، يعود الخميني إلى مدينة " مشهد " ليتم دراسته للفلسفة. في عمر 27 عاما سيتزوج من ابنة " آية الله سجفي طهراني ". في عام 1944، بينما "قصروي" يقوم بحملة وصراع ضد النشاطات السياسية و الاجتماعية لرجال الدين، وهذا ما سيبعد الإكليروس، " روح الله الخميني" سينشر " كاشف الأسرار"، فيه يحرض المسلمين على تدمير أعداء الإسلام. في شهر مارس 1945، في طهران، سيحضر إلى مسكن " قصروي" حيث يقوم هذا الأخير بخطاب أسبوعي. في شهر نيسان من نفس السنة سيهاجم " قصروي". في النهاية قتل " قصروي" في قصر العدل بواسطة أحد طلاب العلوم الدينية و رفاقه (وربما نتحدث عنهم لاحقا و كيف أطلقوا على أنفسهم لقب"فدائيي الإسلام"). في نفس المدرسة الدينية المذكورة كان " روح الله الموسوي الخميني" مستشارا " لآية الله العظمى بوروجردي" وعرف عن الخميني أنه " وزيرا لخارجيته". في طهران كان الخميني على علاقة مع " آية الله كاشاني" و آخرين من آيات الله في طهران. بعد 19 أب 1953 تاريخ الانقلاب في طهران لصالح الشاه و المدعوم من المخابرات الأمريكية، سيلتقي الخميني مع الشاه ممثلا بذلك " آية الله بروجردي". الظهور المباشر للخميني على الساحة السياسية في إيران سيكون بعد موت " آية الله بروجردي" وبعد " الثورة البيضاء للشاه و الشعب ". المعارضة الأولى للشاه و سياساته المتعلقة بالإصلاح الزراعي " لا ننسى أن والد الخميني كان من كبار ملاك الأراضي الزراعية " و مشاركة المرأة في الانتخابات وفي الخدمة العسكرية، كانت في آذار 1962 حيث دخلت المخابرات الإيرانية إلى مدينة " قم " وإلى حرم المدرسة الدينية. في 5 أيار 1963 سيطلق الخميني حملة و مظاهرات من طلبة العلوم الدينية في قم وهذا ما جعل القوات الأمنية تتدخل بقسوة ضدهم. تم إيقاف الخميني مع الكثيرين. رجال الدين أرادوها فرصة للتدخل. أربعة منهم ممن يحملون لقب " أية الله العظمى " سيقلدون الخميني درجة " علمية " ليصبح هو بدوره " آية الله العظمى". في 6 نيسان أطلق سراحه و عاد إلى مدينة قم.
مراجع خاصة بإيران اعتمد عليها المقال:
1ـ فريدريك تايلور، " زمن إيران"، باريس، 2005.
2ـ جويل مونيروت، " سوسيولوجية الثورة"، باريس 1969.
3ـ أولفييه روي، " سقوط الإسلام السياسي"، باريس 1992.
4ـ فرنسوا توال، " جيوبوليتيك التشيع".
5ـ رامين كمران،" إيران، الإسلاموية في مأزق".
6ـ داريوش شايغان، " أوهام الهوية"، فرنسا 1992.
7ـ علي رستبين، " عناصر بناء الدولة الإيرانية"، باريس، 2005.