اميركا صديقة المسلمين في العالم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لقد استخدمت رئاستي لمساعدتهم على مكافحة الارهاب واسترداد حريتهم
اميركا صديقة المسلمين في العالم
بقلم جورج دبليو بوش :مرًّ نصف قرن على قيام واحد من اعظم قادتنا بالترحيب بانشاء المركز الاسلامي في واشنطن لينضم الى العائلة الروحية في أمتنا. وبتكريسه هذا المركز، كان الرئيس دوايت دي ايزنهاور يمد يد اميركا بالصداقة الى جميع المسلمين حول العالم. وقال ايزنهاور في خطابه التكريسي ذاك: "إننا نلزم انفسنا بالتقدم السلمي لجميع الناس باسم إله واحد".ونحن نجتمع اليوم، بروح الصداقة والاحترام، لنعيد تأكيد هذا العهد، ولتجديد تصميمنا على الوقوف معاً في السعي الى الحرية والسلام. لقد جئنا الى هنا لنعبر عن تقديرنا لدين اغنى الحضارة الانسانية لقرون عديدة. اننا جئنا لنحتفل بالتنوع الديني والايماني في اميركا وبوحدتنا كشعب حر. ونحن نحفظ على صفحات قلوبنا الحكمة القديمة التي تفوه بها ابن الرومي الشاعر المسلم الكبير بقوله: "تختلف المصابيح والنور واحد".
ان لحظة كلحظة التكريس هذه تسعف في توضيح من هم الاميركيون كشعب، وما يتمنونه للعالم. فنحن نعيش الآن في زمن كثرت فيه التساؤلات حول اميركا وحول مقاصدها ونواياها. ولا يحتاج الساعون الى فهم حقيقي لبلادنا ان ينظروا الى ابعد من هذا المكان، لأن هذا المركز الاسلامي قائم في هذا الشارع الهادئ على مقربة من كنيس يهودي، وكنيسة لوثرية، وابرشية كاثوليكية، وكنيسة للروم الارثوذكس، ومعبد بوذي... ولكل منهم اتباع مؤمنون يمارسون معتقداتهم الراسخة العميقة الجذور ويعيشون بسلام جنباً الى جنب.
هذا هو ما تقدمه الحرية: مجتمعات يستطيع فيها الناس ان يمارسوا عباداتهم كما يشاؤون من غير ضغوط او شكوك، ومن غير ان يخشوا زوار الفجر من الشرطة السرية. فالحريات الدينية كانت اول بند تعهدت بحمايته لائحة حقوق الانسان في اميركا، لأنها حريات غالية وثمينة. فهي المبدأ الاساسي الذي وافق اهل الايمان بموجبه على عدم فرض رؤيتهم الدينية على الآخرين، مقابل ان يمارسوا معتقداتهم الدينية كما يرون مناسباً. هذا هو الوعد الذي حمله دستورنا، وهو نداء ضميرنا، ومنبع قوتنا.
ان حرية العبادة تحتل موقعاً مركزياً في الشخصية الاميركية بحيث اننا نأخذ الامور على محمل شخصي عند حرمان الآخرين من هذه الحرية. فقد كانت بلادنا الصوت الاول المدوي بالنيابة عن الرافضين اليهود في الاتحاد السوفياتي، ووحد الاميركيون قضيتهم مع الكاثوليك والبروتستانت الذين انبروا للصلاة سراً وراء الستار الحديدي، ووقفت اميركا مع المسلمين الساعين الى ممارسة شعائرهم بحرية في اماكن مثل بورما والصين.
وتأكيداً لاحترام الدين الاسلامي هنا في بلدنا، حضرت بنفسي الى المركز الاسلامي بعد ستة ايام من وقوع هجمات 9/11 لأشجب وأدين حوادث التمييز ضد المسلمين الاميركيين التي اعقبتها. واليوم اعلن عن مبادرة جديدة من شأنها تحسين الفهم المشترك والتعاون بين اميركا وبين شعوب في بلدان ذات غالبية مسلمة.
انني سوف اعين مبعوثاً خاصاً الى منظمة المؤتمر الاسلامي، وهي اول مرة يقوم فيها رئيس اميركي بمثل هذا التعيين. ومهمة هذا المبعوث الخاص هي ان يصغي الى مندوبي الدول الاسلامية، ويتعلم منهم، ويتبادل معهم الآراء حول تصورات اميركا وقيمها. وهذه فرصة كي يظهر الاميركيون للمجتمعات الاسلامية اهتمامنا بالحوار القائم على الاحترام وبالصداقة المتواصلة.
لقد شاهدنا تلك الصداقة متمثلة في الدعم الدافق الذي قدمه الاميركيون الى المجتمعات الاسلامية في مختلف انحاء العالم في حالات الحروب والكوارث الطبيعية. فقد هبّ الاميركيون لمساعدة ضحايا الهزات الارضية المدمرة في باكستان وايران، واستجابوا بسرعة وتعاطف مع ضحايا تسونامي في اندونيسيا وماليزيا. وقامت بلادنا بالدفاع عن المسلمين في البوسنة وكوسوفو بعد انهيار يوغوسلافيا. واليوم نقوم باستنفار العالم لمواجهة حرب الابادة في السودان. وقد قام الاميركيون على مختلف معتقداتهم بهذه الجهود انطلاقاً من مشاعر صادقة، وقناعات راسخة، وضمير حي.
ان التحدي الاكبر الذي يواجه اصحاب الضمائر الحية هو مساعدة قوى الاعتدال في الصراع الكبير ضد التطرف المنتشر الآن في انحاء الشرق الاوسط. لقد شاهدنا توسع مفهوم الحرية الدينية والحقوق الفردية في كل منطقة من العالم، باستثناء منطقة واحدة فقط. ففي الشرق الاوسط شهدنا، على العكس من ذلك، نشوء تنظيمات متطرفة تعمل على استخدام الدين كطريق الى السلطة، وكوسيلة للهيمنة.
فهذه الطلائع التي نصبت نفسها بنفسها تزعم انها تنطق بلسان المسلمين، والامر ليس كذلك. هم يصفون كل مسلم لا يؤمن بعقائدهم الشرسة والكريهة بأنهم "كفرة" و"خونة" للدين الاسلامي الصحيح. ويدعي هؤلاء الاعداء ان اميركا تشن الحرب على المسلمين وعلى الدين الاسلامي، بينما الحقيقة هي ان هؤلاء المتطرفين هم الاعداء الفعليون للاسلام.
لقد شنوا هجمات مذهلة على اماكن اسلامية مقدسة لتفريق المسلمين ودفعهم الى الاقتتال فيما بينهم. كما ان غالبية ضحايا الاعمال الارهابية التي يقومون بها هم من المسلمين. ففي افغانستان استهدفوا المدرسين وانهالوا عليهم بالضرب والقتل. وفي العراق قتلوا فتى يافعاً ثم فخخوا جثته لتنفجر بعائلته عندما يحضرون لنقل جثمانه. وضعوا الاطفال في المقاعد الخلفية للسيارات تسهيلاً للمرور على الحواجز الامنية، ثم فجروا السيارات والاطفال في داخلها. هؤلاء الاعداء قاموا بتفجير حفل زفاف في العاصمة الاردنية، عمان، ومجمع سكني في المملكة السعودية، ونسفوا فندقاً في جاكرتا، وادعوا انهم قاموا بهذه المجازر واعمال القتل والفوضى باسم الله. لكن هذا العدو ليس الوجه الحقيقي للاسلام، بل هو وجه الحقد والكراهية.
ان اصحاب الضمائر من رجال ونساء مدعوون الى المجاهرة بادانة تلك الحركات الاجرامية قبل ان تجد طريقها الى السلطة. وعلينا ان نساعد ملايين المسلمين في نضالهم لانقاذ ديانة تاريخية عزيزة من براثن القتلة والجزارين الذين مرغوا اسم الاسلام بالتراب. وفي هذا المجهود، ينبغي ان يكون الصوت الاقوى والانفذ للقادة المسلمين المعتدلين، ونحن بدورنا نشكر المسلمين الذين ادانوا من وصفهم الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي بأنهم "عناصر هامشية متطرفة تدعي انها تنطق باسم الاسلام"، ونبدي اعجابنا بشجاعتهم. كذلك يتوجب علينا تشجيع القادة المسلمين على ضم صوتهم الى تلك الاصوات الشجاعة والمجاهرة بشجب المتطرفين الذين تسللوا الى المساجد، وشجب التنظيمات التي تستخدم حرمة الدين الاسلامي كوسيلة لدعم وتمويل اعمال العنف، والتغلغل في اوساط الشبان المسلمين، حتى في بلدنا وانحاء اخرى من العالم الحر، لاغوائهم بالعمليات الانتحارية وتبريرها لهم.
اننا بحاجة الى استنفار جميع الاصوات المسلمة التي تستطيع ن تتكلم مباشرة الى ملايين الناس في العالم العربي الذين تخلفوا عن الركب العلمي نحو الحرية والازدهار. فقد تخلى العالم الحر عن المسلمين في الشرق الاوسط لعقود طويلة وتركهم فريسة للطغاة والارهابيين وانقطاع الامل، وذلك باسم السلام والاستقرار، لكن هذا النهج لم يحمل معه لا السلام ولا الازدهار، بل ان الشرق الاوسط اصبح منبتاً للارهاب واليأس، وكانت النتيجة تزايد عداء المسلمين للغرب. وقد استخدمت جل مدة رئاستي لمساعدة المسلمين على مكافحة الارهاب، واسترداد حريتهم، وتلمُّس طريقهم الفريد والخاص نحو السلام والازدهار.
ان الجهود الجارية في افغانستان والعراق تمثل نقطة مركزية في هذا الصراع، لكن هذا الصراع لن ينهي الاخطار، ولن ينتهي هناك. وفي اعتقادنا ان النجاح النهائي للافغان والعراقيين من شأنه ان يلهم الآخرين للمطالبة بالعيش في كنف الحرية ايضاً. وسوف نعمل ليوم نجد فيه فلسطين الديموقراطية تعيش جنباً الى جنب بسلام مع اسرائيل. وها قد شاهدنا تململات من اجل مستقبل ديموقراطي في انحاء اخرى من الشرق الاوسط، وان كان المناخ الذي تزهر فيه الحرية يستغرق وقتاً اطول. فالمستقبل الديموقراطي ليس خطة تفرضها الدول الغربية، انما هي مستقبل تنتزعه شعوب المنطقة لنفسها، لأن المستقبل الذي تسود فيه الحرية هو حلم ورغبة في القلوب المحبة جميعاً.
ونعرف ذلك من خروج ثمانية ملايين ناخب افغاني لممارسة حقهم الانتخابي بالرغم من المخاطر والتهديدات. ونعرف ذلك من خروج 12 مليون ناخب عراقي للادلاء بأصواتهم في انتخابات حرة. ونعرف ذلك لأن العالم وقف يشاهد المواطنين اللبنانيين يرفعون اعلام ثورة الارز طاردين المحتلين السوريين من بلادهم ليختاروا قادة جدداً في انتخابات حرة. وحتى الآن يدغدغ الأمل بالحرية مشاعر الناس في بعض الزوايا المظلمة من الشرق الاوسط، حيث يجري التهامس في الغرف المغلقة، وفي المقاهي، وفي الصفوف المدرسية، حيث ملايين الناس يتلمسون طريقاً الى المستقبل يستطيعون فيه ان يجهروا بما يفكرون فيه، او ان يسافروا الى حيث يريدون، او يمارسوا العبادات والشعائر الدينية كما يشاؤون، وهم يأملون ان يكون هناك في مكان ما من يستجيب لتمنياتهم.وها نحن اليوم، في هذا المكان الذي تمارس فيه حرية العبادة في قلب أمة حرة، نقول لاولئك التواقين الى الحرية من دمشق الى طهران، انكم لستم مقيدين ببؤسكم وشقائكم الى الابد. انكم لم تعودوا تتوسلون بصمت، لأن العالم الحر يسمعكم. انكم لستم لوحدكم، لأن اميركا تمد لكم يد الصداقة. اننا نعمل ليوم نستطيع فيه استقبالكم في عائلة الدول الحرة. اننا نصلي من اجل ان تنعموا وينعم اطفالكم ذات يوم بالحرية في جميع الاشياء، بما في ذلك حرية الحب وعبادة الله الكلي القدرة. وبارك الله فيكم.
*ملاحظات القاها الرئيس الاميركي في حفل اعادة تكريس المركز الاسلامي في واشنطن يوم الاربعاء 27 من حزيران/ يونيو الماضي، واستهلها بشكر إمام المركز على دعوته، وتقديم احترامه لشخصه، وتقديره لصداقته، كما شمل في شكره حكام المركز، مرحباً بالحضور، ومبدياً اعتزازه بالمشاركة في المناسبة,وهذا المقال تنشره "ايلاف" بالاتفاق مع " الديبلوماسي" وهو تقرير سياسي يصدر شهرياً في لندن-عدد آب/اغسطس ٢٠٠٧.