أصداء

عيش وشوف.. كوريا تتعرى وإيران تفتح الأزرار

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يبدو ان صيف السياسة وصيف الفصول هما وجهان لعملة واحدة، يتشابهان في السمات والخصائص فكما ان الانسان العادي، الذي يعيش في بلد ذو مناخ قاري او حتى في بلد اخر يتعرض لموجة حر طارئة، يشعر بالرغبة في التخلص من كل الملابس التي بوسعه التخلص منها، بل احيانا ينتابه الشعور بالرغبة بالابقاء على ورقة توت هزيلة تكاد تستر ولاتستر، هكذا ايضا يظهر للعيان ان صيفا سياسيا حارا جدا يعصف تياره بما تبقى من (دول محور الشر) فاثار في نظام كوريا الشمالية رغبة فجائية بالتعري والبدء بتجميع ملابسها تمهيدا لتسليمها الى المخزن الامريكي ،فيما بدات ايران كما يبدو خطوات خجولة لفتح الازرار طمعا في نسمة هواء غربية او امريكية او رغبة في الاثارة، وبهذا تخطو هاتان الدولتان على النهج نفسه الذي بدأه النظام الليبي قبل فترة فقرر التخلي عن جميع برامجه النووية واثباتا لحسن النية ارسل هذا النظام بجميع ملابسه (النووية الخارجية منها والداخلية) ليتم حفظها للذكرى في بعض المتاحف الاوربية والامريكية !.
تُرى، كيف لاتنفتح شهية المحلل والمتابع، بل حتى المهتم البسيط بالاحداث، لاستقراء وتحليل دوافع القرار الكوري الشمالي بالموافقة على تفكيك برنامج هذا البلد النووي المثير للجدل، وفق صفقة اضعف مايقال عنها انها صفقة بخسة ،حيث تشمل الخطوة الاولى في الاتفاق المعلن عنه قيام كوريا الشمالية وباشراف مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية باغلاق مفاعل (يونغبيون) الذي يشاع انه كان مخصصا لانتاج البلوتونيوم مقابل تحرير الولايات المتحدة لبضع عشرات من ملايين الدولارات كانت مجمدة في البنوك، يضاف اليها خمسين الف طن من الوقود ! كما ان التساؤل يبقى كبيرا حول مغزى الخطوة الايرانية الاخيرة بالسماح للمرة الاولى لوفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول موقع (اراك)، الذي من المقرر ان يشمل على مفاعل يعمل بالماء الثقيل ويُخشى ان تستثمره طهران في انتاج البلوتونيوم، وموقع (ناتانز) المخصص لعمليات تخصيب اليورانيوم !.
انها علامات تعجب و استفهام مشروعة يضعها المتابع مُجبرا امام القرار الكوري الشمالي في هذا الوقت بالذات ،عندما يستذكر ان البرلمان الكوري الشمالي كان قد قرر قبل اربعة اعوام اي في 2003 وبالاجماع المضي قدما وبخطى متسارعة في بناء مااسماها بالقدرة الدفاعية النووية حيث من الاسم يمكن الاستنتاج ببساطة في ان المقصود بها ليس استخدام الطاقة النووية للاغراض السلمية كانتاج الطاقة او في الطب او الزراعة او غيرها من المجالات، بل تصريحا رسميا بالرغبة في انتاج الاسلحة النووية اكده قرار النظام الكوري الشمالي بمنع مفتشي الوكالة الدولية من زيارة المواقع النووية ومراقبة نشاطاتها، كما تُوٍج ذلك بدليل خطير ثان عندما اقدمت كوريا الشمالية قبل عدة اشهر بالاعلان عن تجربتها النووية الاولى. لذلك يبقى السؤال كبيرا حول النشاطات النووية التي قام بها هذا النظام خلال هذه السنوات والاخفاقات والنجاحات التي رافقت تلك النشاطات، من حق المتابع ان يتساءل عن مصير الثمانية الاف قضيب من قضبان الوقود يُعتقد ان النظام الكوري الشمالي يمتلكها وتحتوي في حالة النجاح من اعادة معالجتها على كمية تتراوح بين 25 الى 30 كيلوغرام من البلوتونيوم تكفي لصنع 3 الى 5 قنابل نووية مشابهة للقنبلة التي ألقيت على مدينة ناكازاكي اليابانية ! ان المتابع يجد نفسه ايضا مشغولا بتحليل نتائج التجربة النووية الكورية الاخيرة محاولا ان يصل الى حكم دقيق في نسبة نجاح التجربة وبالتالي قدرتها في تكوين الارضية المطلوبة التي تتيح للبرنامج النووي الكوري الشمالي من التحكم بشكل دقيق بالية الانشطار النووي في تحقيق شروطه والسيطرة على ظروفه، ام انها كانت تجربة غير موفقة ولاتمثل في نتتائجها إلا بالونا هوائيا اعلاميا بهت بريقه حالا ورغب القائمون عليه بدفنه سريعا رغم تكلفته الباهضة، حاله حال صاروخ ( العابد) العراقي الذي أُطلق في نهاية الثمانينات وقيل ان الدولة انفقت عليه مليار دولار ولم يكن في نتائجه سوى لعبة من الالعاب النارية ! ان النظام الشمولي يعوٍل كثيرا على تكرار التجربة الستالينية في الحصول على المنجزات العلمية دون ان يعي الفرق في الزمان والمكان فيخدع نفسه في بناء قمم عليا لاهرام اهدافه العلمية الكبيرة خاصة التسليحية منها دون ان تكون لتلك القمم اية قواعد مادية.
ويبقى التساؤل مشروعا حول ايهما كان افضل للنظام الكوري الشمالي، ان يعلن صراحة عن امتلاكه السلاح النووي،إن كان حقا يملك ذلك، طارحا نفسه حقيقة على الارض يجب التعامل معها على هذا الاساس، ام ان يلجأ هذا النظام الى ما لجأ اليه طمعا في تبييض سمعته وفك عزلته، خاصة وان هذا النظام يعرف جيدا ان دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من حصوله على شهادة حسن سلوك من الولايات المتحدة ليس لان الولايات المتحدة عادلة في منح شهادات حسن السلوك ولكن قوانين السياسة وحظ هذا النظام لايسمحان بمنحه هذه الشهادة في المستقبل المنظور.
ان التخلص من الاسلحة النووية ظاهرة صحية يرحب بها كل الذين ينشدون السلم والامن في العالم، لكن ماتجدر الاشارة اليه هو ان تصرف النظام الكوري الشمالي يُظهر مدى الاستهتار الذي تمارسه الانظمة الشمولية بمقدرات ومصائر وثروات الشعوب التي تتسلط عليها، فمزاج القائد او الحاكم هو الذي يقرر بين ليلة وضحاها تعبئة الشعب للدخول في معاركه او الانسحاب منها، ناهيكم عن الكلفة المادية فاذا تذكرنا مثلا ان كلفة بناء محطة نووية لانتاج الكهرباء تصل الى ثلاثة مليار دولار يمكن لنا ان نتصور حجم التضحيات المادية التي قدمها شعب كوريا الشمالية، الواقع اساسا تحت خط الفقر والجوع، في مغامرات النظام النووية التسليحية ليقرر الان التخلي عنها مقابل حفنة من ملايين الدولارات واطنان من الوقود!. ربما تكون ايران قد وصلت الى النتيجة ذاتها فقررت السماح لمفتشي الوكالة بزيارة مواقع نووية مهمة بعد ان كانت في السابق تلك الزيارات تختصر على (استعلامات) البرنامج النووي الايراني التي يمثلها مفاعل بوشهر وبعض المواقع الهامشية الاخرى. ان الكثير يرى في ان حماقة الادارة الامريكية في العراق هي السبب الرئيسي في تمديد الزمن اللازم لوصول ايران الى هذه النتيجة.
هنيئا للدكتور محمد البرادعي، يبدو ان القادم من الايام يحمل انتعاشا في فرص وسوق العمل والايفادات والتخصيصات والاضواء، وعلى نياتكم تُرزقون!.
wadeebatti@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف