وعود المالكي لأردوغان: فاقد الشيء، كيف يعطيه؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
التخبط والهروب من الواقع ومحاولة تصدير الأزمة( غير الموفقة هنا، تماماً) كانت العناوين الرئيسية للزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لحاضرة احفاد بني عثمان، انقرة. المالكي، المحاصر من كل الجهات والذي يواجه ازمة سياسية خانقة قد تطيح به، كما اطاحت بسلفه ورئيسه ابراهيم الجعفري، ظهر كليلاً وضائعاً وهو يلقي بكلماته امام رجب طيب أردوغان( المنتشي بنصر 22 تموز) ليصف فيها حزب العمال الكردستاني ب"المنظمة الإرهابية"، ويتعهد امام الأتراك ب"العمل معاً والتعاون{كيف التعاون وهو الذي سيتنازل... ويتنازل؟} في امر محاربة المنظمات الإرهابية وتبادل المعلومات حولها".
وبدل ان يتجه الرجل الى الداخل العراقي المدمر ويحاول رأب الصدّع وترقيع ماتبقى من حكومته الهشة التي انسحب ثلث وزرائها، طار إلى انقرة ليعقد صفقة مشبوهة ضد حزب العمال الكردستاني، يتعهد فيها بمحاربة هذا الأخير، وهو العاجز الضعيف، الذي لايستطيع ضبط الأوضاع في المنطقة الخضراء المدججة بالأسلاك الشائكة واجهزة الرصد، ناهيك عن العاصمة بغداد وبقية انحاء "العراق الجديد" إياه؟!.
يحار المرء في فهم محاولة المالكي هذه، ورميته الخائبة تلك، عندما يبحث فيها عن مصلحة العراق كوطن وكعملية سياسية. لماذا المجازفة بالإرتماء في حضن تركيا عدوة الكرد، شركاء المالكي في الحكومة، والتحالف الكردستاني هو "الحيطة الأخيرة" التي يستند عليها الرجل وطاقمه الوزاري المتبقي؟. ثمّ ما الحكمة في ذهابه بمفرده وتوقيعه على "مذكرة التفاهم" تلك دون إخبار القيادة الكردستانية، وهي المعنية الأولى والأخيرة بالأمر: اذما تعلق الحديث بتواجد قواعد حزب العمال الكردستاني؟.
وهل يستطيع المالكي، وهو فيما فيه الآن، ان يفي بوعوده المجانية للأتراك وسياساتهم العدوانية العنصرية، ويطرد قوات حزب العمال الكردستاني المتحصنة بسلسلة جبال قنديل الممتدة على طول مئات الكيلومترات؟. هل ستسمح له حكومة اقليم جنوب كردستان(كردستان العراق) بالقدوم وإخراج العمال الكردستاني ياترى؟.
الم تدر هذه الأسئلة في خلد رئيس الوزراء العراقي (الضعيف، الذي يمثل دولة منقسمة، ينهشها اهلها وهم في غمرة حرب اهلية مجنونة) وهو يفرغ وعوده امام حضرة الباب العالي الجديد رجب طيب اردوغان، ويقوي من موقفه امام العسكر خصومه الألداء؟.
المسؤولون في اقليم كردستان نددوا بحصيلة جولة المالكي في انقرة، وحديثه المشين عن "مذكرة التفاهم" ووسم حركة التحرر الكردستانية في كردستان الشمالية بالإرهاب. وكانت البداية، كالعادة، من عند السياسي الكردي المحنك، ضمير الأمة الكردية الحي، الدكتور محمود عثمان.
عثمان وفي حديث مع برنامج (احداث وقضايا) الذي بث على اثير الفضائية الكردية روج تي في يوم الجمعة الماضي، رفض بشكل قاطع ماورد في "مذكرة التفاهم" التي وقعها المالكي مع اردوغان، وقال بالحرف "اننا في حكومة إقليم كردستان نرفض بشكل قاطع شن أي عملية عسكرية تستهدف حزب العمال الكردستاني داخل أراضي الاقليم، ولن نقاتل قوات العمال الكردستاني، وهذا ما تم الإتفاق عليه مع المالكي قبيل سفره إلى تركيا." واضاف عثمان بان "كتلة التحالف الكردستاني ستقف ضد اية اتفاقية قد يعرضها المالكي على البرلمان العراقي للتوقيع". كما اشار الى "مقاومة العمال الكردستاني لإرهاب الدولة التركية الممارس ضد الشعب الكردي منذ قرون"، وقال انه "من غير المنطقي وسم مقاومته بالإرهاب لأنها مقاومة تستهدف الإرهاب التركي بالأصل". كما جدد عثمان رغبة حكومة كردستان في "التوسط بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني لإيجاد حل سياسي للقضية الكردية في كردستان تركيا، اذما رغبت الحكومة التركية في الحل السلمي وابتعدت عن لغة الحرب والعنف".
وبعد تصريحات عثمان هذه، كرّت السبحة الكردية، فرفض ممثل رئيس اقليم كردستان قادر عزيز الإتفاقية بشكل كامل، وقال بان الحكومة الكردستانية غير معنية بها. كما جاء نفس الموقف على لسان فاضل ميراني سكرتير المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي الكردستاني (الذي يترأسه مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان) ووزير شؤون البيشمركة شيخ جعفر شيح مصطفى، والذي اكد بان القوات الكردية لن تحارب مقاتلي قوات حماية الشعب (الحناح العسكري لحزب العمال الكردستاني) مهما حصل.
لماذا لم يدر بخلد المالكي وهو يقدم على توقيع "مذكرته التفاهمية" هذه بان يدعو اردوغان لحل القضية الكردية بالحوار والتفاوض ويعرض عليه مساعدة "العراق الجديد" في ذلك؟. لماذا لم يقل المالكي لأردوغان انكم، ياسيادة الرئيس، وطيلة 25 عاماً فشلتم، وانتم الذين تملكون ثاني اقوى جيش في حلف الناتو، في الحاق الهزيمة بمقاتلي حزب العمال الكردستاني، وانه حان الوقت الآن لكي تحاوروا هؤلاء وتبدأوا في البحث عن ايجاد حل للقضية الكردية لتضعوا حداً لحمام الدم هذا؟. لماذا لم يقل المالكي بان العمال الكردستاني اعلن منذ حزيران 2006 عن وقف لإطلاق النار، وهو مستعد للحوار ويشترط اصدار عفو عام وضمان اشراك قياداته ومقاتليه في العملية السياسية واحداث تحول ديمقراطي حقيقي في البلاد واطلاق سراح السجناء السياسيين، لكي يتخلى عن الكفاح المسلح، وان على حزب اردوغان المنتصر ان يبادر لطرح مشروعه في الحل والمصالحة الوطنية؟.
حتى رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قال ذات مرة في رده على العسكر بان هناك 5000 مقاتل من حزب العمال الكردستاني داخل تركيا، وان هناك فقط 500 ضمن الأراضي العراقية، وان الجيش عاجز عن تصفية هؤلاء، فكيف به وهو يطالب بعملية عسكرية في العراق لمحاربة ال500 الآخرين؟. لماذا لم يحاجج المالكي اردوغان بكلامه في امر استحالة القضاء على العمال الكردستاني في داخل تركيا فكيف اذن في مناطق جبال قنديل الشاهقة والمترامية الأطراف؟.
لماذا لم "يحرج" المالكي اردوغان بكل تلك الأسئلة وفضل احراج حلفاءه الكرد والمجازفة بمصير التحالف الإستراتيجي معهم؟.
ثم كيف يقدم المالكي على التآمر ضد اناس سياسيين يناضلون من اجل قضية مشروعة، وهو نفسه كان ذات يوم لاجئاً يناضل في جوار العراق(وفي كردستان نفسها) ضد الحكم الصدامي؟.
الثابت هنا، ان ادارة اقليم كردستان برئاسة القائد الكردي مسعود البارزاني لن تقبل ابداً باية خطة تهدف لضرب حزب العمال الكردستاني او اضعافه. وكان البارزاني قد تعهد في تصريحات سابقة بان الكرد لن يعودوا ابداً لقتال بعضهم البعض وقال بن الدم الكردي حرام وخط احمر. وهي التصريحات الشجاعة والقوية والمبدئية التي سبق وان كتبنا عنها واشدنا بها، وقلنا انها اسست حقاً لمرحلة جديدة ووضعت حداً ل"عصر الشقاق الكردي" الذي دام طويلاً...
والحال، ان الكرد لن يمكنوا المالكي من تمرير اتفاقه المشبوه مع الأتراك. فوراء الأكمة آبار نفط "بابا كركر"، واطماع الأتراك ابعد من قضية ضرب العمال الكردستاني او اضعافه. ومجلس الأمن القومي التركي( اعلى هيئة لإتخاذ القرار في البلاد) مايزال يعتبر حكومة اقليم كردستان الخطر الإستراتيجي الأول على امن تركيا. ومازال الجنرالات الأتراك يتحدثون عن كركوك و"تدخل الجيش التركي" في حال ضمها لإقليم كردستان. كما يرفض الأتراك "الفيدرالية" ويطالبون بتهميش الكرد واستبعادهم عن القرار العراقي. بل ويتجاسر اردوغان في صفاقة ووقاحة متكررة عندما يرفض الجلوس مع الرئيس العراقي جلال الطالباني ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني ويصفهما ب"قادة عشائر شمال العراق"؟. فلماذا يرضى المالكي في التنازل لعدو حلفاءه الكرد، الذين بفضلهم يجلس على كرسي رئاسة الوزراء الآن؟.
يخطئ المالكي، او اي شخص آخر في الدنيا، حينما يظن بان الكرد وقياداتهم سيسمحون بحرب اهلية كرديةـ كردية، وان "البيشمركة" و "الكريلا" سيتقاتلان مجدداً. فزمن الإقتتال الكردي قد ولى الى غير رجعة. والشعب الكردي لن يسمح ابداً بظهور مواجهات بين احزابه الرئيسية. وهو سيلعن اي طرف كردي يصوب بندقيته الى صدر الطرف الآخر، والكرد يتعرضون للقتل والتهميش كل يوم، واعدائهم يتربصون بهم وبحقوقهم ويحيكون المؤامرات ضدهم...
واذا كان المالكي رفض في خطابه الشهير امام الكونغرس الأميركي الصيف الماضي وسم منظمة "حزب الله" اللبنانية بالإرهاب، وادان العدوان الإسرائيلي على لبنان، فإن الكرد في كردستان العراق وقياداتهم لايقلون عنه شجاعة، وهم سيرفضون وسم العمال الكردستاني بالإرهاب "كرماً لعين" تركيا وبقية اعداء الشعب الكردي. والكل يؤمن ببديهية ان المقاتلين الكرد (ممن تحدث عنهم اردوغان) والذين يقاتلون الجيش التركي في ديرسم وآغري وبنغول هم في واقع الحال يدافعون عن كردستانية كركوك، ويعيقون تقدم الجيش التركي باتجاه الجنوب الكردستاني، بقدر دفاعهم عن الشعب الكردي في كردستان الشمالية...
هناك تقارب كبير حدث في الفترة الأخيرة بين القوى الكردية في الجنوب والشمال الكردستانيين. وكنا من المراهنين على هذا التقارب والداعين له باستمرار. ثبتنا مواقف الكردستانيين ليلى زانا وفلك الدين كاكائي ومحمود عثمان والعديد من الساسة والمثقفين الكرد. واشدنا بمواقف الرئيس مسعود البارزاني وتصريحاته المؤيدة للحق الكردي في بقية اجزاء كردستان. لم تؤثر فينا طعنات البعض من ابناء قومنا، من النفر الباحث عن المجد والمال في ثنايا الخلافات والأزمات الكردية. هؤلاء اصبحوا الآن عاطلين عن العمل ولم يبق لهم سوى بعض زوايا الإنترنت يبثون فيها حقدهم وخيبتهم...
واذا كانت تركيا تتجاسر وتدعم الجبهة التركمانية العميلة لها بالمال والرجال، فإن الحكومة الكردستانية يجب ان تجاهر كذلك بدعم حركة التحرر الكردستانية وترفض دمغها بالإرهاب، كما تريد انقرة، ويريد المالكي مؤخراً...
حركة المالكي الأخيرة كانت حركة عاجز اراد ان يسجل موقفاً فقط. فالرجل يعلم انه ضعيف وفريقه المفكك آيل للسقوط. وهاهم السنّة ينسحبون من حكومته. وهاهو عدنان الدليمي يناشد الدول العربية ل"حماية السنة العرب من خطر الإبادة والترحيل الذي يتهددهم على يد الصفويين وميليشياتهم" كمال قال. وها هو مقتدى الصدر يعد العدة لمواجهة كبيرة مع الحكومة والمجلس الأعلى، في خضم الصراع على السلطة وموارد نفط الجنوب. من بقي للمالكي اذن غير الكرد؟.
حتى رئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني سخر من المالكي في امر زيارته الأخيرة لأنقرة وتوقيعه "مذكرة التفاهم" الرجيمة تلك. المشهداني قال بان المالكي "تهرب من مواجهة التحديات التي تواجهه وذهب ليعد الأتراك بوعود في امور كبيرة، الجميع يعلم انه غير قادر على تنفيذها".
الزعيم الكردي الأسير عبدالله اوجلان علقّ على زيارة المالكي الأخيرة وخطط ضرب العمال الكردستاني قائلاً: بان الهدف هو احداث شرخ بين الكرد والتفريق بينهم. ونقل اوجلان لمحاميه بان العمال الكردستاني سيصمد للنهاية، وان كل محاولات التفريق بين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني ستنتهي الى الفشل. ف"الحزبان مع الإتحاد الوطني الكردستاني سينجحان في توطيد تحالف استراتيجي كردستاني شامل في النهاية".
الكرد سيقفون لكل من يستهدف حقوقهم بالمرصاد. سيقاومون كل من يريد ضرب كيانهم المنجز في الجنوب وثورتهم الناهضة في الشمال بكل قوة وبأس. ولامجال للتردد او التراجع. والوعود التي قدمها المالكي لأردوغان، الأرجح انها ستبقى حبراً على ورق، لا لأن الرجل لايملك من امره شيئاً فقط، بل لأن الكرد متحدون هذه المرة، ولن يسمحوا لأحد باتخاذ القرار بدلاً عنهم، او الدخول في بازار مفتوح مع اعتى اعداء وجودهم....
tariqhemo@hotmail.com