أصداء

شنكال: الضحية المزدَوَجة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عقب قيامة إرهاب الشيخان(15.02.07): إرهاب الكردي "المدوّن"، "المصطفى"، "المؤمن"، على الكردي "الشفوي"، "الخارج على التدوين"، "النشاز"، "الكافر"، على سنة المسجد قبل الجامع، و"الله الخصوصي" قبل الله العمومي"، و"المكتوب الواحد الأحد" قبل "المكتوب المتعدد"، تتالت الويلات و"القيامات" الإرهابية، الواحدة تلو الأخرى، ضد أتباع الديانة الإيزيدية، كسائر أقليات الموزاييك العراقي الأخرى، "المهددة بالزوال"، كالمسيحيين، والصابئة المندائيين، والفيليين، والكاكائيين، واليارسانيين(أهلي حق)، والشبك، والبهائيين، والآشوريين، والكلدان، والتركمان، وغيرهم من أطياف العراق المنكوب.

آخر القيامات الإرهابية التي استهدفت الوجود الإيزيدي(ولاتزال)، كانت قيامة الرابع عشر من الشهر الجاري، التي ضربت قرى الطين الإيزيدية المجمّعة قسرياً، منذ عهد ديكتاتور العراق الأوحد، البائد صدام حسين، في مجمّعي "كري عزير" و "سيبا شيخ خدري"، المعرّبان، "الممسوخان"، على سنة البعث وآله وصحبه، إلى "القحطانية والعدنانية".

رغم زوال الديكتاتورية البعثية العفلقية، منذ ما يقارب الأربع سنواتٍ ونيف، إلا أن الشنكاليين (نسبةً إلى شنكال ذات الأغلبية الإيزيدية)، لا يزالون يعيشون ظلماً مزدوجاً: ظلم الإقامة في ماضٍ فرضته الديكتاتورية(الإقامة في الزمان والمكان المعرّبَين المهمّشَين، المقصيَين، المنفيَين)، وظلم الإقامة في حاضرٍ، لم يحسب لجبلهم الفقير، المعدوم، أي حساب، وكذا لم تستوعبهم أجندة حكام العراق الجديد، بشقيه العربي والكردي، لا في بغداد ولا في هولير.

الإيزيديون الشنكاليون الخاضعون، في الراهن، إدارياً، لعراق المتن(بغداد)، كانوا وفقاً للبيانات والأرقام المختومة بختم العراقَين، من المساهمين "الكبار" الأوائل(بحكم ثقلهم السكاني الإنتخابي، في محافظة الموصل، إذ يقارب تعدادهم ال350 ألف نسمة) في المشاركة الفاعلة في الإستفتاء على دستور العراق الدائم، ب"نعم كبيرة"(حوالي 153 ألف صوت).
كذا كردياً، هم شاركوا قائمة التحالف الكردستانية، في "مولد" الإنتخابات العراقية(15.12.05)، بما يقارب 110 ألف صوت، ثم أُخرجوا(بالتي هي أريَح) من حفل "توزيع الكراسي" و"الرتب الوزارية"، صفر اليدين، وصفر المقعدين، وصفر المجلسَين.

الشنكاليون، في البدء، بشّروا واعتقدوا خيراً، كغيرهم من مكونات الشعب العراقي، بزوال "حقبة طويلة" من "الخوف الثقيل"، و"المكان والزمان الثقيلَين"، بمشانقه، وكيميائه، وحملات أنفاله الثقيلة، من عمر عراقهم: عراق الرافدَين الخالدَين.
هم، هللوا، كسائر شعوب ما بين الحاضنَين، لخروجهم الصعب من العراق الماضي، وحلموا ب"دخولٍ سهلٍ" إلى عراقٍ جديدٍ أسهل: إلى عراقٍ سهلٍ من الكلّ إلى الكلّ؛ عراقٍ أمانٍ بلا زمان للخوف، بلا أكثرياتٍ أو أقلياتٍ حاكمةٍ، قامعةٍ، فاعلةٍ، وأخرى محكومةٍ، مقموعةٍ، مضروبةٍ منصوبةٍ، أو مجرورةٍ مكسورةٍ؛ عراقٍ نموذجٍ؛ عراقٍ مطرٍ(كما أراد له السياب)؛ عراقٍ يعيش، و"عراقٍ مفردٍ بصيغة الجمع".
هم صفقوا، كما النهرين الشامخَين، لسقوط "العراق الصنم" و"العراق العبيد"، من أجل قيام "العراق الموعود، السعيد".

أما اليوم، فقد اختلف عليهم العراق؛ اختلفت عليهم السعادة والحرية الموعودَتين، والعيش الآمن الموعود في وطنٍ موعود، في ظل العراق الراهن "التعيس"؛ العراق الذي لا يعيش؛ "العراق الفلَتان" الذي لم يعد لهم فيه، كغيرهم من الموعودين مع "الموت العاجل"، على ما يبدو، خلا المزيد من "القتل المبين"، والمزيد من أفخاخ الإبادة بالجملة، المحللة، المفتية "حكماً وشرعاً"، بها.

اليوم، لا عراق حاضر، للإيزيديين وأترابهم من الأقليات الأخرى،كي يذهبوا إليه، ولا عراق في الأفق القريب، قادم(كما يبشر به المفخخون)، ليصبحوا عليه، وعلى خيرِ رافدَيه.

عقب عملية قتل العمال الإيزيديين ال24 على أيدي أمراء القتل القاعديين، وفي ردٍ له على سؤالٍ لمراسل "آ ن ف" الكردية، عمّا يقاسونه الإيزيديون في العراق الراهن، اختصر "البابا الروحي" للإيزيديين البابا شيخ شيخ ختو، معاناة بني دينه، بقوله: "نحن الإيزيديون العراقيون، متهمون هنا وهناك، في هذا العراق وذاك العراق؛ نحن واقعون، وللأسف، بين نارين: في الموصل نتهم بكرديتنا، وفي كردستان(على مستوى الشارع المتدين المتشدد)، نُتهم بديننا/إيزيديتنا.

أول الجينوسايد الذي طال حياة المئات(حوالي 630 قتيل وأكثر من 400 جريح حسب تصريحٍ أدلته عضو البرلمان الأوروبي فلكناز أوجا، أمس، لبرنامجٍ خاص ٌقدّمه الصحفي الكردي طارق حمو، في الفضائية الكردية روج تي في) من النفوس البريئة، في شنكال، أثبت للعراق فوقاً وتحتاً، داخلاً وخارجاً، أكثرياتٍ وأقليات، أن لا عراق للإيزيديين، حتى الآن، لا في بغداد ولا في هولير. كغيرهم من الأقليات الأخرى الواقفة على أبواب بلاد الله الواسعة.

في مقالٍ تحليليٍّ له، وصف كاتب ال"واشنطن بوست" يوجين روبنسون، هجمات شنكال ب"أسوأ ثاني هجوم إرهابي في العصر الحديث، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001"(الشرق الأوسط اللندنية، 20.أغسطس/ آب 2007)

فأين العراق وحكامه "الأحرار الجدد"،كرداً وعرباً، من شنكالهم/ "نيويورك التراب"؛ "نيويورك الخراب"؛ و"نيويورك عراق السراب"؟
أين العراق الحاكم(بغداد+هولير+أمريكا) من العراق المحكوم، بكل هذا الذبح الشامل والخراب الكامل، الذي وُصف بالأسوأ والأشرس والأعنف والأفدح، منذ دخول الأمريكان إلى بغداد في التاسع من أبريل/نيسان 2003؟

المعلومات والتقارير القادمة من شنكال الموقعة تقول، أن واقع حال المنكوبين، هو أكثر من مأساوي.
فبالرغم من التصريحات العنترية، والبيانات الإستنكارية الروتينية لحكام بغداد وهولير، التي تصدرت عناوين الصحف العربية والعراقية بشقيها العربي والكردي، إلا أنّ ما تم تقديمه لذوي الضحايا، للآن، يثبت بجلاء، أن كل ذاك "النفخ" في الكلام على الهواء المباشر، و"العياط الروتيني المسؤول" لم يتعدَ كونه أكثر من "كلام مناسباتي"، لتسجيل "موقف هوائي"، أُطلق في الهواء، بالهواء، وللهواء.
حكومتان رسميتان(واحدة في بغداد، وأخرى في هولير)، ب"طولهما وعرضهما"، فشلتا، حتى الساعة(بعد مرور أكثر من أسبوعٍ ونصف على وقوع المجزرة)، في تأمين الحد الأدنى والضروري من مستلزمات العيش البديهية.

حوالي 3000 دور سكنية طينية (حسب تصريح أوجا) تهدمت بالكامل، وأُعدمت عن بكرة أبيها، لكأنها لم تكن.
آلافٌ مؤلفة من المنكوبين الناجين من الموت الزؤام، لا يزالون منتشرين، مشرّدين، في الأرض العراء، بلا سقفٍ يأوي الباقي من جراحهم، ودمهم، وحزنهم.
عوائل بالكامل أُعدمت(يصل الهول في بعضها، إلى أكثر من 20 ضحية من عائلةٍ واحدة).
جثث لا تزال تحت الأنقاض، تذهب وحيدة، بلا عراق ولا عراقيين، إلى موتها الوحيد.
جرحى يُداوون بالتقسيط.
فزعٌ في كل الأنحاء، مما تبقى من الموت وقياماته الملقّمة، المحتملة.
مخابرات "الجهات الجارة"، في كل حدبٍ وصوبٍ، تخطط لما تبقى من العام 2007 والمادة 140 من الدستور العراقي الباقي.
كل هذا الخراب المنتشر، الواقع والمتوقع، ووجِه من جهة الحكومتين "المدعومتين أمريكياً"، ببضع دولارات(100دولار لكل شنكالٍ قتيلة و 50 دولار للجريحة منها، على حساب خزينة بغداد)، وبضع أطنانٍ من المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية(من خزينة هولير)، لم ترَ النور إلى التوزيع بعد، بالإضافة إلى بضع زيارات روتينية لطاقمي الكابينتين(المركزية والإقليمية) لتفقد حال الموت، لم يسنح لهما الوقت الكافي بعد(بحكم مشاغلهما الكثيرة والكبيرة، بما هو أهم وأربح)، لإحصاء الصادر والوارد، من وإلى شنكال الموت.

شنكال اليوم، تدفع ثمن العراقَين، في موتٍ لا عراق لها فيه.
شنكال اليوم، تموت مرتين، مرةً في بغداد، وأخرى في هولير، ولا حياة لها فيهما، فلمن تنادي؟
شنكال اليوم، تقتل لأجل المادة السيدة 140، مرتين، مرةً في الموصل لأنها كردية، وأخرى في الشيخان لأنها إيزيدية.
شنكال اليوم، تموت ضحيةً مزدوجةً، مرةً بالعربي في عراق بغداد، وأخرى بالكردي في عراق هولير.
شنكال اليوم، تُطارد مرتين، تُساق إلى الموت مرتين، تُباد مرتين، وهي "المقطوعة" من كل الشجر وكل الحجر، وكل العراق(كما الآخرين من "العراق القليل" المقطوعين)، مرتين.
شنكال اليوم، محرومة من عراق الحياتَين، مرتين، لأنها عاشت وتعيش بصعوبةٍ، كما تموت اليوم، دون "مزارع سياسية"، أو "دكاكين حزبية"، أو "جيوب استخباراتية"، أو "وزاراتٍ مشلّحةٍ منهوبةٍ"، أو "مواسم مسروقةٍ" من هذا العراق وذاك العراق، أو بعض حكومةٍ، مسجلةٍ تحت ملكيتها الخاصة، لا في الدنيا الأولى ولا في الدنيا الثانية، لا في العراق الأول الماضي، ولا في العراق الثاني الحاضر.
شنكال اليوم، تخسر نفسها مرتين، مرةً لأنها تعيش بلا عراق، وأخرى لأنها تموت بلا عراق.

hoshengbroka@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف