تحالفات المصالح السيئة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
التحالفات أشكال وأنواع أبرزها التحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والعلمية. والأمثلة على التحالفات كثيرة ومتعددة كحلف شمال الأطلنطي الذي يجمع بين دول غرب أوروبا والوبلايات المتحدة وكندا، وحلف وارسو الذي ضم، قبل تفككه، الاتحاد السوفيتي السابق ودول أوروبا الشرقية. تقوم التحالفات في الغالب على عوامل مشتركة تجمع بين المتحالفين مثل القضايا الفكرية والعقائدية أو الأهداف السياسية والاقتصادية والاستراتيجية أو المصالح المادية والعينية. ولقد لعبت التحالفات دوراً إيجابياً بارزاً في العديد من المجالات. ففي المجال العلمي أسهم العديد من التحالفات في القرن العشرين في إثراء البشرية بعشرات الألاف من الاكتشافات المذهلة في مجالات الطب والطبيعة والفضاء والكيمياء وغيرها من مجالات العلوم. وفي المجال السياسي أفرزت التحالفات، حتى ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، توازنات لعبت دوراً كبيراً في عدم انفراد دولة أو كتلة معينة بإدارة شئون العالم كما يحدث في عالم اليوم. أما في المجال الاقتصادي، فقد أحدثت بعض التحالفات طفرة كبيرةً في التعاون الدولي والتبادل التجاري بين دول وتجمعات إقليمية ودولية مختلفة.
غير أن التحالفات ليست دوماً ما تثمر عن خير وتقدم ونهضة للبشرية. فكثيراً ما تكون هناك تحالفات خبيثة تتخذ طرقاً مقيتة بغرض تحقيق أغراض وأهداف سيئة أو بغرض تهديد مصالح طرف أخر. وغالباً ما تستخدم الماكيافيللية في تحقيق أهداف هذه التحالفات بدون النظر إلى النتائج والعواقب وبدون الالتفات إلى الإيجابيات والسلبيات. وكثيراً ما تحاك المؤامرات في مثل هذه التحالفات بغرض تحقيق مكسب باهت أو نصر مزيف. ولا يشترط في التحالفات الخبيثة أن يتفق المتحالفون في المبادئ والعقائد والأفكار، ولكن الاتفاق في المصالح المؤقتة يعد العامل الوحيد الذي يجمع بين المتحالفين. وتنتهي التحالفات الخبيثة في الغالب بكوارث ودمار وحروب وأنهار دماء لا تتوقف. ولعل التحالف الذي قام بين الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية والعسكريتاريا اليابانية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي والذي قاد إلى الحرب العالمية الثانية هو أشهر التحالفات الخبيثة استناداً إلى حجم الدمار الذي خلفه هذا التحالف الثلاثي عندئذ.
التحالفات ذات الطبيعة السيئة ربما، دون غيرها، كثيراً ما تجد مناخاً خصباً للازدهار في الشرق الأوسط. والمؤسف أن التحالفات الخيّرة لا تعرف طرق النجاح في منطقتنا الملتهبة بالنزاعات الطائفية والتوترات الإقليمية، فقد فشلت دول المنطقة حتى يومنا هذا في إبرام أية تحالفات سياسية أو اقتصادية على الرغم من توافر عوامل ومقومات نشأتها ونجاحها واستمرارها. والأمثلة على التحالفات السيئة في المنطقة كثيرة، فمنها التحالفات الإقليمية كتحالف إيران وسوريا الذي يهدف إلى ضرب الاستقرار في المنطقة وعلى وجه الخصوص في العراق ولبنان، ومنها التحالفات المحلية التي تدور في نطاق البلد الواحد، والتي سنكتفي هنا بذكر ثلاثة أمثلة لها.
المثل الأول لتحالفات المصالح السيئة هو تحالف كتلة التيار الوطني الحر اللبنانية التي يترأسها العماد ميشيل عون مع حزب الله الموالي لإيران وسوريا الذي يتزعمه الشيخ حسن نصرالله. فعلى الرغم من التفاوت الكبير بين سياسات الجانبين وعدم التقاء الأهداف بعيدة المدى لكلا من الكتلة والحزب، إلا أن الهدف قصير المدى التي يجمع بينهما، والذي يتمثل في إفشال حكومة كتلة الرابع عشر من آذار، لعب دوراً أساسياً في تشكيل التحالف الغريب بين عدوي الأمس اللدودين. لم يكن عون أو نصرالله ليلتقيا مطلقاً لولا حاجتهما الشديدة لبعضهما البعض. فالعماد، بعدما خسر أصوات السنة ونصف المسيحيين، أصبح يحتاج إلى سند قوي كالشيعة في مسعاه لتولي الرئاسة اللبنانية، بينما الشيخ، الذي خسر كافة الوطنيين المدافعين عن استقلال وسيادة لبنان، يحتاج بشدة لدعم ماروني للخروج من عزلته التي فرضها على نفسه بسبب مواقفه السياسية المثيرة للجدل. ولست أشك للحظة واحدة في أن تحالفات سيئة، كتحالف كتلة التيار الحر مع حزب الله، لا تصب أبداً في مصلحة لبنان، وإنما في مصلحة من يسعون لتمزيق لبنان وجره إلى حافة عدم الاستقرار، طالما كان ولاء وخيار البعض، كحزب الله، الأول أجنبياً وليس وطنياً لبنانيا.
المثل الثاني لتحالفات المصالح السيئة في العالم العربي هو التحالف بين جماعة الإخوان المسلمين وحركة كفاية في مصر. من المؤكد أن لا شيئاً مشتركاً يجمع بين الجماعة الدينية والحركة العلمانية نظراً لتعارض منهجيهما في التعاطي مع كافة أمور الحياة. ولكن هدفاً مشتركاً واحداً وهو الإطاحة بنظام الرئيس المصري حسني مبارك جمع بين النقيضين وحولهما إلى حليفين رئيسيين على الساحة السياسية المصرية. وعلى الرغم من إدراك قادة الحركة والجماعة بصعوبة بل واستحالة تضامنهما سوياً في حال سقوط نظام حكم الرئيس مبارك، إلا أن الطرفين لا يزالان يتمسكان بتحالفهما الهش المؤقت، الذي صرف كثير من المثقفين عن الحركة التي ولدت نخبوية قوية ولكنها سرعان ما ابتلت بالأفول بعد تحالفها مع جماعة الإخوان المسلمين. ولربما كانت حاجة الطرفين لبعضهما الأخر هي الأخرى عاملاً رئيسياً في التحالف السيء القائم بينهما. فالإخوان كانوا دوماً في حاجة ماسة للتغلغل في صفوف المثقفين المصريين، بينما كانت كفاية في حاجة لكسب شعبية بين المتدينين. ومن المؤكد أن النتائج السلبية للتحالف السيء بين حركة كفاية وجماعة الإخوان المسلمين ستعود بالضرر على المجتمع المصري بصفة عامة وعلى العلمانيين بصفة خاصة، لأن اجتماع العلمانيين مع الإسلاميين التكفيريين في خندق واحد يعني تنازل العلمانيين عن مباديء مهمة كفصل الدين عن الدولة، والمواطنة، والمساواة، والتسامح.
رغم أهمية المثالين السابقين، إلا أن المثل الثالث وهو التحالف الغير مقدس الذي يجمع بين تنظيم القاعدة الإرهابي وحزب البعث العراقي يعد الأبرز حالياً على الساحة العربية قياساً بالألام التي يتسبب بها هذا التحالف للشعب العراقي وعدد الضحايا التي يوقع بهم والذين يقدرون بمئات الألاف. حتى ما قبل الغزو العراقي للكويت في العام 1990، لم يكن لنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين أية مظاهر دينية، بل أن نظام حزب البعث العلماني عندئذ اكتسب عداوات الإسلاميين المتطرفين من مشرق العالم العربي إلى مغربه بسبب حربه مع نظام الملالي الديني في إيران. ولكن الأمور تبدلت تماماً بعد إجبار صدام حسين على مغادرة العراق، وبعد الحصار الاقتصادي الذي فرضه المجتمع الدولي على العراق. فقد توحدت مصالح وأهداف صدام حسين مع أهداف الإسلاميين المتشددين المتطرفين بعدما أصبحت الولايات المتحدة هي العدو المشترك الأول لكلاهما، بل وتواترت عندئذ أنباء عن استضافة صدام حسين لأسامة بن لادن بغرض توحيد الصفوف في مواجهة "العدو الأمريكي"، وكشفت أنباء حينذاك عن تعاون نووي بين صدام حسين وأسامة بن لادن.
وحين قامت الولايات المتحدة بمساعدة بريطانيا وعدد صغير من الدول بالهجوم على العراق بغرض إسقاط نظام صدام حسين في العام 2003، كان القضاء على التحالف البعثي-القاعدي هو الهدف الأهم للولايات المتحدة. وعلى الرغم من عدم التوثق عندئذ من أنباء وجود أسامة بن لادن بالعراق، وكذا عدم التأكد حينذاك من وجود تعاون صدامي-لادني، إلا أن التحالف الحالي الذي تشهده أرض العراق بين تنظيم القاعدة وتنظيم القاعدة يكشف بما لا يدع مجالاً للشك عن تاريخ طويل للتعاون بين الطرفين ربما يمتد إلى ما قبل سقوط صدام حسين. فقد كشفت عمليات اعتقال مؤخراً عن اندماج قيادات حزب البعث في تنظيم القاعدة في العراق وتحت إمرة إرهابييه بغرض الإيقاع بالعدد الاكبر من الضحايا بين أبناء الشعب العراقي. الأمر الحزين هنا هو أن مئات الألاف من العراقيين الأبرياء يدفعون ثمن التحالف الشرير بين إرهابيي حزب البعث وإرهابيي تنظيم القاعدة. فقد راحت أرواح عشرات الألاف من العراقيين الأبرياء جراء عمليات الفتل والترويع والتفجير التي يشهدها العراق منذ سقوط نظام صدام حسين، كما تشرد مئات الألاف من العراقيين بين دول الجوار ودول المهجر، وأصبحوا بلا مأوى أو ملاذ أو وطن.
لا شك في أن التحالفات السيئة والخبيثة تشكل تحدياً للمنطق لضمها الشيئ ونقيضه، وهو ما يشير إلى أن كل هذه التحالفات مؤقته ومحكوم عليها بالفشل. ولا شك في أن هناك أطرافاً فائزة وأطرافاً خاسرة في التحالفات السيئة، وغالباً ما يكون الخاسر هو الطرف الأضعف في التحالف مثل كتلة التيار الحر اللبناني في تحالفها مع حزب الله وحركة كفاية المصرية في تحالفها مع جماعة الإخوان المسلمين. ولكن الأمر المؤكد هنا هو أن أطراف التحالفات حين يخسرون نفوذهم أو مواقعهم السياسية، كما في تحالفي حركة كفاية مع الإخوان المسلمين وكتلة التيار الحر مع حزب الله، فإنهم يدفعون ثمن مغامراتهم وماكيافيلليتهم التي تقودهم إلى مثل هذه التحالفات السيئة. ويبقى لنا سؤال مهم يحيرني كثيراً ولا أجد إجابة له هو لماذا تدفع الشعوب البريئة دائماً ثمن التحالفات السيئة؟ ولنا في الشعب العراقي مثالاً حياً في دفع ثمن التحالف الشيطاني بين حزب البعث وتنظيم القاعدة. ليت كل المشتغلين بالعمل العام يتعقلون ويزنون الأمور بحكمة قبل أن يبرموا تحالفات سيئة وغير منطقية مع أطراف تسعى إلى القتل والتدمير والخراب والرجعية.