تداول المقاومة في العراق: ما مفهوم المقاومة الشريفة؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لعل الصارخين والمستصرخين والناطقين والمصرحين في الشأن العراقي من غير العراقيين أكثر من العراقيين أنفسهم. وكل يدعي حبا ووصلا وحرصا ولوعة وحسرة على العراق. فقد انبرى المحللون السياسيون والعسكريون ورجال الدين وأصحاب المال والسلطة وحتى من العامة الرعاع، بحسن نية أو بسوء نية إلى التغني بالمقاومة العراقية ودعمها بكل الوسائل. ووفقا لهذا تم الفرز من قبل هؤلاء بين العراقي الأصيل "الشريف" وبين "العميل" والخائن والمرتد، ووو الخ. ووفقها وزعت النعوت والتهم والمكارم.
ونصب الكثير أنفسهم ناطقين باسم المقاومة العراقية أو باسم الشعب العراقي عامة. وقد خاب ظنهم جميعا. واسمحوا لي أن أضع هؤلاء جميعهم في سلة واحدة، لأصل إلى هذه المحصلة بعد أن وضح أمر المقاومة العراقية الآن إلى حد ما.
فالمقاومة ليست حصرا على قومية أو طائفة أو حزب معين. وهي ليست منهجا ثابتا أو موقفا سياسيا محددا. فهي ليست باستخدام السلاح وحده. وإن كان هذا الخيار وحيدا، فلا يعني مجرد إشهار السلاح والقتل الاعتباطي مقاومة. مثلما أن الخيار السلمي أو "المقاومة السلمية" ليس طريقا وحيدا لإنهاء احتلال العراق وإخراجه من محنته.
إذا كانت المقاومة الشريفة هي حمل السلاح فقط، ومقاتلة المحتل، وما عداها أي موقف يعتبر خيانة وتخاذلا، فانظر كيف تم تداول المقاومة في العراق بين حتى الأطراف المتنازعة داخليا:
لقد قاتلت بلدة أم قصر الاحتلال مدة حوالي أسبوعين والناصرية لعدة أيام وكربلاء مثلها، في حين دخل جيش الاحتلال العاصمة بغداد بدون مقاومة تذكر. ودخل الفلوجة والرمادي وتكريت وباقي المدن العراقية بسلام آمنا. ونعلم لاحقا كيف اندلعت ما عرفت بحروب المقاومة في مدن وبلدت معينة، بحيث تم تخوين قومية وطائفة وجهات سياسية، باعتبار أنها اختارت المقاومة "السلمية"، أو أنها استفادت من التغيير الذي حصل. وفي ضوء ذلك تتم عرقلة العملية السياسية في البلاد ويطول أمد الاحتلال ويزيد تسلطه ونفوذه بناء على مفاهيم الشقاق وزيادة الكراهية جراء تلكم المواقف والشعارات التي تجد صدى للأسف في بعض الأوساط العراقية التي خسر بعضها نفوذا وجاها كان يتمتع بهما، أو البعض الآخر ممن انطلت عليهم هذه الشعارات والخدع.
وبعد فترة من هذه المرحلة، يتكشف لنا الأمر أن "المقاومة المزعومة والمدعومة" ما هي إلا مد تكفيري طائفي لمنظمة إرهابية دولية تسمى القاعدة قد غزت البلد وأضرت بأهل السنة الذين قبل بعضهم بها مصدقا أنها داعمة لهم وذراع لمقاومتهم للمحتل. وان لها أجندات وبرامج لا تخدم العراق وأهله بتاتا. وقد عاثت بأهلهم تقتيلا واستباحة للمحرمات وببلداتهم دمارا فوق دمار. وهكذا أشهروا السلاح في خطوة بطولية تساوي مقاومة المحتل، فيتغير مفهوم المقاومة الشريفة إلى انه ليس شرطا أن تقاتل المحتل العسكري، بل هي مقاومة كل عدو أجنبي قاتل. ويصبح أعداء الأمس أصدقاء اليوم، فيبدأ الاحتلال الأميركي بتسليح بعض المليشيات التي كانت تقاتله، لتقاتل إلى جانبه. بل إن بعضها لا تقتصر مقاومته على قتال القاعدة فحسب، بل بعض مناوئيه من المليشيات الأخرى من هذا الطرف أو ذاك.
وفي بعض مناطق الوسط والجنوب الذي نعم بالهدوء فترة، تظهر بين الفينة والأخرى مقاومة شرسة للاحتلال، وتضيع في لجة هذه المقاومة هوية قتلة بعض أطراف في الحكومات المحلية وشخصيات علمية وإعلامية ودينية مؤثرة في مناطقها.
ويصرح الاميركان أن ألد أعدائهم وأخطرهم في العراق اليوم أصبح جيش المهدي، بعد أن كانت المقاومة السنية. ويصرح قائد عسكري بريطاني، بأن جيشهم المضارب في البصرة، سوف يخرج مهزوما يجر أذيال الخيبة.
فانظر ما هو مفهوم المقاومة وكيف يتبدل، وفي ضوئه ما هو معيار الوطنية؟؟
إن مفهوم "المقاومة الشريفة" أصبح مطاطيا، ويتم تأويله وتفسيره وفق رؤية براغماتية بحتة.
المقاومة في نظرنا نهج ومبدأ، يقدم مصلحة البلد فوق كل الاعتبارات الأخرى. وهو غير عابر للحدود وفق آيديولوجيا دينية أو فكرية. فالمقاومة الشريفة هي التي تحرص على دماء أبناء البلد أولا، وعلى لحمتهم ووحدتهم، وتتنازل بشهامة عن أي مكاسب فئوية.
إن المقاومة الشريفة هي التي تفرز مصلحة بلدها، وقد نضجت الآن بعد أن وعت خطورة فكر القاعدة ومنهجها التدميري على كل المستويات، حيث قيمتها وفرزت نفسها عنها وألجمت الأفواه المتاجرة بالقضية العراقية. وهي التي بقيت حريصة على وحدة العراق وأمسكت بخيار التسامح ورفضت شعار الطائفية من كل الأطراف. فهي نفسها إن كانت في الوسط أو الجنوب أو الغرب أو الشرق أو الشمال بالنسبة للعراق.
وفي قناعتنا الشخصية إن الرؤية الآن اتضحت، حيث تساوت كل الأطراف تقريبا في المواقف والتقييمات، وآن أوان المصالحة الوطنية الآن أكثر من أي وقت مضى. لان الأطراف المتخاصمة حاليا هي، إما متنازعة على مكاسب سياسية أو تحمل عداءات عشائرية طارئة، بإمكانها التسامح عنها، بعد أن تهافت شعار الطائفيين والمهزومين من أصحاب الفتنة سواء في الداخل أو الخارج.
الآن يمكن جمع الأطراف الفاعلة في الساحة العراقية والجلوس إلى طاولة واحدة والتسامي على الجراح وقبول الآخر. وهو الطريق لطرد الاحتلال سواء بقوة السلاح أو بالوسائل السلمية، لان في الوحدة قوة فعلا، والعدو يعيش على خلافاتنا.