أصداء

دمشق: في الفرع 235/5

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

من جديد،وبتاريخ 8/8/2007،ابلغني قسم التحقيق في فرع (الأمن العسكري) بالقامشلي بضرورة مراجعة الفرع 235/5 بدمشق.خوفاً،وحتى لا اغضب الساهرين على قلق نشطاء المعارضة السورية، لم اتأخراً في السفر الى دمشق والقيام بما هو مطلوب مني. في الفرع 235/5،وبعد تسليم الظرف المختوم الذي حملني إياه فرع القامشلي الى الاستعلامات،قادني احد العناصر الى القسم المعني بشؤون المعارضة.في هذا القسم كان الاستقبال لطيفاً.بعد تسليم بطاقتي الشخصية لم يتأخروا باحضار (اضبارتي) المتعوب عليها من قبل النشطاء الأمنيين.فقد جمعوا فيها عشرات المقالات والتصاريح المنسوبة لي والتي سبق وان نشرت في الصحف ومواقع الانترنيت.باشروا بالاستجواب والتحقيق معي الذي كان هادئا وامتد الى نحو خمس ساعات متواصلة.بدأ بسلسلة أسئلة تقليدية ومملة تتعلق بشجرة العائلة وفروعها الموزعة بين تركيا وسوريا والعراق وامتدت لاحقاً الى اوربا، كما هو حال آلاف العائلات الآشورية(السريانية)،وذلك بسبب التهجير القسري والجغرافيا السياسية التي شردت الآشوريين عن مناطقهم و قسمت موطنهم الأصلي(ما بين النهرين) بين عدة دول.
بعدها انتقل المحقق الى الأسئلة الجدية، وقد تمحورت حول القضايا السياسية ومسألة تداول السلطة في سوريا، وحول المشكلات وأزمات المجتمع السوري التي اثيرها في مقالاتي. واللافت في الاسئلة انها كانت ذات صيغة اتهامية: اتهام النظام بالانحياز الى العرب والمسلمين. اثارة او تأجيج المشاعر الطائفية والاثنية في المجتمع،وذلك من خلال ما اكتبه عن التعديات والتجاوزات على حقوق الآشوريين وعن مشكلة القوميات عامة في سوريا، كذلك عن التهميش السياسي للمسيحيين وعن سياسة التعريب التي تنتهجها الدولة والبعث الحاكم. ومن الاسئلة الاتهامية الأخرى:توجيه انتقادات لاذعة للنظام القائم ولحزب البعث.وغيرها من التهم السياسية التي كثيراً ما توجه الى المعتقلين السياسيين ويحاكمون بسببها. طبعاً،لم اتردد بالدفاع عن كل ما كتبته وعن كل ما اطالب به وتمسكت بوجهات نظري داعماً مواقفي ببعض الوقائع والاحداث. وأكدت بأن الهدف من الكتابة قطعاً ليس تأجيج المشاعر،كما يعتقد البعض، وانما اكتب لأنقل هواجس موجودة في الشارع الآشوري والمسيحي عامة في ضوء ما تشهده المنطقة من توترات واحتقانات طائفية وسياسية من جهة، و لتسليط الضوء على مشكلات الواقع السوري،بعضها بارز وبعضها الآخر كامن، والتنبيه لمضاعفاتها الخطيرة على السلم الأهلي اذا ما بقيت من دون علاج سليم واذا ما اكتفت السلطة وراهنت فقط على(الحلول الأمنية) في مقاربتها لهذه المشكلات من جهة أخرى.خاصة وان السلطات المحلية في الجزيرة السورية هي غير محايدة في سلوكها وفي تعاطيها مع هذه المشكلات الحساسة، كما انها (السلطات المحلية)غالباً ما تشوه الوقائع ولا تنقل الحقيقة كما هي الى القيادات العليا. أما بالنسبة لطبيعة النظام السياسي والثقافي والاجتماعي القائم في سوريا،اجبت:هل من شك بانحياز الدولة السورية رسمياً للعرب والمسلمين باعتبارها دولة غير محايدة دينياً وقومياً.فسوريا دولة تتنكر لوجود قوميات غير عربية في سوريا، مثل الآشوريين والأكراد والأرمن وغيرهم بالرغم من أن وجود بعض هذه القوميات في سوريا هو اقدم من الوجود العربي.ثم أن دستور الدولة السورية يشترط أن يكون رئيس البلاد مسلماً، والشريعة الاسلامية أحد المصادر الاساسية للتشريع، ويخلد حزب البعث العربي الاشتراكي قائداً للدولة والمجتمع، و يفرض العروبة كهوية وانتماء وثقافة على كل مكونات المجتمع السوري الذي يتصف بالتنوع القومي والديني والثقافي واللغوي.ألا تشكل هذه المواد والنصوص انتقاص قانوني ودستوري من حقوق المواطنة للسوريين من غير العرب والمسلمين؟. فضلاً عن مناهج التعليم في سوريا التي توفر بيئة ثقافية واجتماعية ودينية مناسبة لنمو التعصب الديني والقومي والتفرقة بين ابناء المجتمع الواحد.سئلت: فيما اذا كنت قد تعرضت للتعذيب والمضايقات اثناء الاستجوابات والاستدعاءات الأمنية المتكررة من قبل الاجهزة الأمنية المختلفة،اجبت:للأمانة لم يحصل لي شيء من هذا القبيل،على الأقل حتى الآن. لكن هذه الاستدعاءات المتكررة، خاصة الى العاصمة دمشق،أليست بحد ذاتها ازعاجاً وابتزازاً ونوع من الضغط النفسي والمادي ومصدر قلق لي و لافراد اسرتي.وفي سياق الاستجواب: طلب مني ان اكتب عن تاريخي السياسي والمواقع القيادية التي شغلتها في المنظمة الآثورية الديمقراطية قبل أن اترك صفوفها.فيما يتعلق بهذه القضية كانت الأسئلة مثيرة حقاً.فقد سئلت: عما اذا كانت لمقالاتي وخطي السياسي سبباُ في الخلافات داخل المنظمة الآثورية؟. وهل لي اقارب اعضاء فيها؟. وهل كنت اكتب واصرح لوسائل الاعلام كناطق رسمي باسم المنظمة الآثورية؟.هل انسحبت منها أم فصلت؟.حقيقة،هذه الأسئلة الخاصة جداً تركت لدي اشارات استفهام كبيرة ولم تترك مجالاً للشك، بأن قيادات المنظمة الآثورية مخترقة من قبل المخابرات السورية وثمة دور غير مباشر لها في تصعيد الخلافات والتناقضات السياسية داخل المنظمة.جدير بالذكر في صيف 2005،حين كانت المنظمة الآثورية في اوج نشاطها السياسي والاعلامي، أملى، المسؤول الحالي لمكتبها السياسي استجابة للضغوط الأمنية، أملى على المكتب السياسي تعميماً يقضي بتبرؤ المنظمة من كل كتابات وتصريحات تصدر عن اعضائها بمن فيهم القياديين،ذلك لبريء ساحته و مسؤوليته الشخصية امام سلطات الأمن السورية.
عموماً، يمكن القول: أن ثمة تحسن ملحوظ طرأ على طريقة تعاطي اجهزة المخابرات السورية مع الناشطين في المعارضة السورية، إثناء استجوابهم والتحقيق معهم،عما كانت عليه الحال في حقبة ثمانينات وتسعينات القرن الماضي التي تركت ذكريات أليمة لدى الكثير من المعارضين لخط ونهج النظام الحاكم. فبدلاً من حفلة الشتائم والتعذيب النفسي والجسدي التي كانت تقام عادة للناشط المعارض بمجرد دخوله احد الأفرع الأمنية وقبل اجراء التحقيق معه، تلقى عليه اليوم محاضرة بالأخلاق الوطنية وعن المؤامرات والمخططات الأمريكية التي تستهدف سوريا والمنطقة، وغالباً ما يستحضر النموذج العراقي المرعب كفزاعة للتخويف من مخاطر التغير والديمقراطية. لكن،هذا التراخي الأمني وتلطيف المعاملة مع المعارضين،قطعاً لا يعنيان بالضرورة نهاية (الدولة الأمنية) القائمة في سوريا وقرب تحولها الى (دولة مدنية)،وانما تأتي في سياق عملية تجميل وتحسين صورة هذه الدولة الأمنية ليس أكثر. لهذا سيبقى الكتاب والنشطاء الغير مرغوب بهم واحزاب المعارضة السورية وكل فعاليات الحراك السياسي والحقوقي الديمقراطي المعارض تحت رحمة الأجهزة الأمنية وعرضاً للمضايقات والابتزاز،وصولاً الى الاعتقال اذا تطلب الأمر ذلك،طالما لا يوجد في سوريا قوانين عصرية وديمقراطية تنظم النشر وترخص العمل السياسي وتصون حرية الراي والتعبير. وهناك اليوم اكثر من مؤشر ومعطى على ان السلطات السورية استبعدت وحتى اشعاراً آخر كل الحلول والخيارات الديمقراطية والسياسية لمعالجة مشكلة وأزمات الواقع السوري وقررت العودة مجدداً الى سياسية كم الأفواه و تشديد القبضة الأمنية على المجتمع. هذه الاجراءات مرشحة للتصعيد، خاصة اذا ما عاود المجتمع الدولي ضغوطه على النظام كما هو متوقع في المرحلة المقبلة.وما الاستدعاءات الأمنية المكثفة في الآونة الأخيرة للكتاب والناشطين و من مختلف الاتجاهات والانتماءات السياسية والقومية، فضلاً عن العديد من حالات الاعتقال، الا رسالة واضحة بهذا الاتجاه الى الداخل السوري.
كاتب وناشط آشوري سوري.
shosin@scs-net.org

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف