أصداء

البنية الطبقية في الأردن

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لأسباب سنتعرض لها تالياً طلبت إلي جهات عديدة أردنية وغير أردنية أن أكتب في تحليل البنية الطبقية للمجتمع الأردني. وفي عمل كهذا يحتاج المرء لأن تكون لديه إحصاءات كافية تساعد في الاستدلال على المفاصل الدقيقة بين الطبقات وشرائح الطبقات المتجاورة ومثل هذه الإحصاءات ليست متوفرة لدي من جهة ولست معنياً بعمق في الموضوع لأنني لا أتفق مع الذين طلبوا ذلك على صحة أسبابهم أو على وجاهتها. لكنني مع ذلك أكتب تالياً وصفاً عاماً للهرم الطبقي في الأردن متوخياً مساعدة هذه الجهات في رسم سياساتها على الصعيدين التكتيكي والاستراتيجي. أصفه كما أصف أحدهم يسبح في بركة لا ماء فيها، والماء هنا هو الإنتاج. فكيف لمجتمع لا ينتج أن يتمفصل طبقياً ووسائل الإنتاج هي وحدها ما يعيّن الهوية الطبقية للمنتجين ويبني بالتالي كل مداميك الهرم الطبقي. وهنا لا أستطيع أن أتجاهل أحد تجليّات الراحل الملك حسين عندما طلب من الحكومة في سبعينيات القرن المنصرم كما أعتقد في أن تقلع عن إنتاج المزيد من فائض الخدمات لتتحول إلى الإنتاج المادي السلعي.
نقول الهرم مجازاً هنا، حيث هناك بنية هرمية لسائر المجتمعات النموذجية والكلاسيكية، بنية ذات رأس ينتهي بزاوية حادة ويقوم على قاعدة عريضة؛ يتواجد في الرأس أولئك الذين يملكون أدوات الإنتاج وفي القاعدة أولئك الذين لا يملكون. الهرم في الأردن بشكل خاص ليس على هذا الشكل، إنه أشبه بشبه المنحرف، أي هرم بلا رأس على الإطلاق، شبه منحرف ذو قاعدة رأسية ضيقة وقاعدة عريضة في الأسفل. رأس الهرم مشطوبة تماماً حيث تغيب عن المجتمع الأردني أي طبقة تملك أي أدوات للإنتاج وذلك بكل بساطة لأن ليس في الأردن إنتاج حقيقي ليكون له أدوات ـ ثمة أغنياء في الأردن، نعم؛ وثمة ماليون، نعم؛ ولكن هؤلاء الأغنياء والماليون لا يوظفون أموالهم مباشرة في الإنتاج ولا يتاجرون بقوى العمل كما هو النظام الرأسمالي في الجوهر، بل يوظفون أموالهم في المؤسسات المالية، في البنوك وفي شركات التأمين وفي البورصة والمحافظ المالية، وسائر هذه المؤسسات لا تنتج بذاتها مليماً واحداً بل على العكس تماماً فإنها تكبح في العمق تنمية الثروة القومية.
يعتقد العامة أن الفرز الطبقي في المجتمع يتم وفقاً لحجم الملكية وقيمتها فمن يملك المال الكثير فهو " الرأسمالي "، ومن يملك المال الأقل فهو من " الطبقة الوسطى "، ومن لا يملك على الإطلاق فهو من " العمال ". مثل هذا الإعتقاد الخاطئ رسخ في أذهان العامة ولم تفلح مختلف المحاولات من قبل ذوي المعرفة والاختصاص تصحيحه الأمر الذي يؤثر سلباً على تطور الفكر السياسي لدى الجماهير. في الحقيقة أن التراتب الطبقي لا علاقة له على الإطلاق بحجم الملكية وبقيمتها. الهوية الطبقية تتحدد وفقاً لعلاقة الفرد بأدوات الإنتاج وبطراز الإنتاج الذي يمارسه الفرد لتأمين أسباب العيش له ولأسرته. فمن يضطر لبيع قوة العمل المتجددة فيه يومياً لتأمين أسباب العيش هو بالتحديد من الطبقة العاملة؛ ومن يمتلك أدوات الإنتاج التي تؤهله لأن يتاجر بقوى العمل من خلال تحويلها إلى إنتاج تتم مبادلته في السوق هو تحديداً من الطبقة الرأسمالية حتى ولو كان مديناً للبنوك؛ ومن ينتج فردياً لحسابه الخاص في الغالب إنما هو من الطبقة الوسطى.
المجتمع الأردني لا يؤمن أسباب حياته وتطويرها من خلال انخراطه في عملية الإنتاج الحقيقي بل يتحقق ذلك من خلال الريوع التي يتحصل عليها من خلال ثلاث أقنية رئيسة.. القناة الأولى، وهي تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج وهي تزيد عن 3 مليارات من الدولارات سنوياً أي ما يساوي نصف الناتج القومي؛ والقناة الثانية، هي المساعدات الأجنبية وقد تصل إلى مليار دولار ما بين نقدية وعينية مثل البترول والأسلحة؛ والقناة الثالثة، وهي الصادرات من المواد الخام قليلة التصنيع والتي لا تتجاوز قيمة العمل فيها 5 ـ 10%، ومن الخضار وقيمة العمل فيها أقل من 25% وهو عمل مستورد كليّاً، وقد تصل قيمة هذه الصادرات إلى مليار دولار. مجموع الريوع من هذه الأقنية الثلاثة تصل إلى خمسة مليارات دولار وهو ما يساوي حوالي 85% من مجمل الإنتاج القومي.
في مجتمع لا ينتج أكثر من 15% من أسباب معاشه، مجتمع لا ينخرط بكليته في عملية الإنتاج، مجتمع كهذا لا يدخل في عملية الفرز الطبقي. ولهذا وصفناه بأنه بركة سباحة لا ماء فيها!! 80% من قوى العمل فيه تشتغل في إنتاج الخدمات فهي لذلك من الطبقة الوسطى إذ أن إنتاجها يتم بصورة فردية (Individual Production) كما يتم في الغالب لحساب الفرد المنتج نفسه. هناك منهم من يبيع قوة عمله بصورة يومية أو شهرية لكن عمل هؤلاء يتم على الشكل الفردي وبصورة الإنتاج بالقطعة مثل المعلمين حيث يدرّس أحدهم اللغة والآخر التاريخ والثالث الفيزياء والرابع الرياضيات وهكذا فكل واحد منهم يقوم بعمله بشكل كامل دون الإعتماد على إنتاج المعلم الآخر. وهذا فرق جوهري يحول طبعاً دون انضوائهم إلى طبقة البروليتاريا، وهو ما ينعكس بالتالي على مسلكهم السياسي. وعمال الصناعات التحويلية والاستخراجية لا يختلفون كثيراً عن منتجي الخدمات فكما لو أنهم يعملون بالقطعة ودون أن يعتمد إنتاج أحدهم على إنتاج الآخر كما هو حال النمط البروليتاري في الإنتاج حيث يغيب تقسيم العمل نهائياً؛ ولذلك فإن عمال الصناعات التحويلية والإستخراجية لا يعتبرون من طبقة البروليتاريا، وهم أقرب للطبقة الوسطى. إنهم من طبقة العمال لكن ليسوا من الطبقة البروليتارية.
التشريح العلمي للبنية الطبقية للمجتمع الأردني يبيّن بوضوح تام أن المجتمع الأردني يتشكل من طبقة واحدة هي الطبقة الوسطى دون أن يحتوي على طبقة رأسمالية ولا على طبقة بروليتارية. ويجب ألا تكون هذه الحقيقة مفاجئة للمهتمين والدارسين للعلوم السياسية والإجتماعية حيث من المعلوم تماماً أن الدول الرأسمالية الإمبريالية الكلاسيكية كانت قد قطعت طريق التطور الرأسمالي على البلدان التابعة والمستعمرة ورسمت لها دوراً لا يتبدل ولا يتغير يتمثل بامتصاص فائض الإنتاج المتحقق في دول المتروبول، مراكز النظام الرأسمالي. هذه الحقيقة التاريخية الهامة أكدها المفكر المصري المعروف الدكتور سمير أمين وقال بمبدأ أسماه " القطيعة الرأسمالية ". البورجوازية الوطنية التي تنامت على هامش العلاقة بين المركز المتروبول والطرف التابع استطاعت في بلدان ذات ثروات طبيعية من مثل مصر وسوريا والعراق من بناء بعض الصناعات الهامشية الصغيرة فتشكل جرّاء ذلك بنيتان جنينيتان، واحدة للطبقة العمالية، وأخرى للطبقة الرأسمالية، لكن ذلك لم يحدث في الأردن نظراً لفقر إمكانياته وثرواته الطبيعية.
فيما بعد انهيار المشروع اللينيني في الثورة الإشتراكية العالمية وما تبعه من انهيار حركة التحرر الوطني في العالم كله تنطحت البورجوازية الوضيعة لقيادة العمل السياسي بعد أن أفلست البورجوازية الكبيرة جرّاء انهيار ثورتها في التحرر الوطني قبل أن تستكمل بناء مشروعها التحرري الاستقلالي. من الطبيعي جداً أن تسيطر كثير من الأوهام على تفكير ومسلك هذه البورجوازيات الوضيعة بسبب أنها تتواجد دائماً وأبداً خارج دائرة الإنتاج الحقيقي. تسيطر عليها الأوهام حتى وهي ترفع رايات العمل الشيوعي. من الأوهام التي عليها أن تجلوها هو اقتصار العمل الشيوعي على البروليتاريا وهي الطبقة غير الموجودة في بلادها. من هنا تجد بعض القيادات البورجوازية الوضيعة التي ترفع رايات العمل الشيوعي تبحث دائماً وأبداً عن استيلاد طبقة البروليتاريا من أم عاقر وتطالب كتبتها في استنباط ولادة قيصرية لطبقة بروليتارية قادرة على حمل حزب شيوعي؛ وما سبب ذلك إلا لشعور هذه القيادات بعدم شرعية عملها الشيوعي.
العمل الشيوعي في البلدان المتخلفة مثل بلدان العالم الثالث هو عمل غريب لا يمت بصلة وثيقة بمكونات المجتمع وبنشاطاته الإنتاجية حيث لم يتطور الإنتاج فيها ليماثل نمط الإنتاج الرأسمالي. لكن لماذا قامت أحزاب شيوعية في هذه البلدان فيما بين 1921 و 1954. هل كانت تلك الأحزاب غريبة على مجتمعاتها ومستوردة كما جرى اتهامها من قبل أعداء الشيوعية؟ هذا سؤال كبير جهد المفكر اللبناني الشهيد مهدي عامل للإجابة عليه. في الحقيقة أن تلك الأحزاب كانت شرعية وغير مستوردة. ففي العام 1921 أعلن لينين الثورة الإشتراكية العالمية التي استهدفت بالطبع تفكيك النظام الرأسمالي في العالم كله وتحرير الشعوب في البلدان المستعمرة والتابعة من ربقة الإمبريالية. قامت الأحزاب الشيوعية في البلدان المتخلفة دون أن تتعدى مهمتها فك الروابط مع المركز الرأسمالي. وقامت حركات التحرر الوطني لذات الغاية لكن بدون اشتراكية لينين المضمرة لدى الأحزاب الشيوعية. لذلك كانت الأحزاب الشيوعية في البلدان المتخلفة مثل مصر وسوريا والعراق والأردن هي أحزاب شرعية وافية الشرعية خاصة وأن حركات التحرر الوطني ما كانت تصل في نهاية طريقها إلا إلى الإشتراكية اللينينية. وليس أدل على الشرعية الكاملة لهذه الأحزاب الشيوعية من أنها أخذت بالتفكك بعد أن تسلم خروشتشوف قيادة الثورة الإشتراكية العالمية وبدأت أولى علائم التراجع والتفكك تظهر عليها. بدأت الأحزاب الشيوعية المشتبه بشرعيتها بالتفكك حالما بدأت حركات التحرر الوطني التي لا غبار على شرعيتها بالتفكك أيضاً. لقد أفل مشروع لينين في تفكيك النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي.

رب من يتساءل، كيف تيسر لأحزاب شيوعية أن تعبئ جماهير واسعة في بلدان ليس فيها طبقة بروليتارية! في هذه البلدان مثل بلداننا العربية هناك طبقة وسطى في غاية العرض. عدم ثبات وسائل الإنتاج لدى الطبقة الوسطى وتباين هذه الوسائل يورث الطبقة في طبيعتها خاصية التشظي والإنقسامية (schismatic) فهي تنقسم لأتفه الأسباب. ومن هنا يمكن أن تجد بعض الفصائل من البورجوازية الوضيعة ترفع عالياً رايات الشيوعية وتنظم فئات واسعة من البورجوازية الوضيعة في صفوف الحزب الشيوعي. ويجب ألا تفاجئنا مثل هذه الحقيقة في نشأة الحزب الإشتراكي الديموقراطي الروسي في العام 1898
ـ وهو الحزب الشيوعي فيما بعد ـ وكان أن تنبّه ستالين لمثل هذا العيب فكتب في وقت مبكر، ديسمبر 1901، كراسته الشهيرة [ الواجبات الآنية للحزب الإشتراكي الديموقراطي الروسي ] فأعاد تأكيد ماركس على أن " تحرير العمال يجب أن يتم من قبل العمال أنفسهم "، وانتقد الحزب لأنه يحصر نشاطه في دائرة المثقفين مهملاً العمال وهم أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة الإشتراكية. كل الإنشقاقات التي عانى منها الحزب الشيوعي السوفياتي بدءاً بانشقاق المناشفة ثم تشكيل تروتسكي جبهة معادية للينين من خارج الحزب قبل سبتمبر 1917 ثم من داخل الحزب لدرجة أن لينين كتب في البرافدا عام 1922 مهدداً بالإستقالة من الحزب لفقدان القيادة النهج البروليتاري، ثم في انقسام بوخارين وريكوف في مطلع الثلاثينيات وزينوفييف وكامينيف في أواسط الثلاثينيات وأخيراً الردّة الخروشتشوفية في أواسط الخمسينيات وما بعدها التي لم تنته قبل انهيار الإتحاد السوفياتي والمشروع اللينيني في الثورة الإشتراكية العالمية، كل هذه الإنشقاقات والإنقسامات إنما تعود في الأصل إلى أن قادة الحزب كانوا قد انحدروا من أصول البورجوازية الوضيعة ولم ينجح إلا أفراد قلائل منهم في تربية ذواتهم على التفاني في خدمة قضية البروليتاريا والإنسانية جمعاء، قضية الشيوعية.
ما كنا لنتجاوز حدود التحليل الطبقي المطلوب إلى التعرض لشرعية العمل الشيوعي في البلدان المتخلفة لولا أن قيادات الأحزاب الشيوعية في البلدان المتخلفة أخذت تشعر بعد انهيار المشروع اللينيني بعدم شرعية العمل الشيوعي في بلدانها فأخذت تبعاً لذلك في البحث عن مبررات عملها وإقناع نفسها بأن ثمة طبقة بروليتاريا في مجتمعها. لهذه القيادات كل الحق في أن تشعر بعدم شرعية عملها الشيوعي حيث أن خيار الإشتراكية لم يعد مطروحا على الإطلاق بعد إنهيار مشروع لينين وخاصة في البلدان المتخلفة. لكن ليس لها ألحق في أن تبحث تبريراً لعملها الشيوعي في استيلاد طبقة بروليتارية من أم ٍعاقر، من بلد امتنع عليه النظام الرأسمالي ولم تتشكل فيه طبقة بروليتارية على الإطلاق. أن تزعم هذه الأحزاب بأنها تمثل طبقة اجتماعية عمالية بروليتارية عريضة قادرة على تحويل المجتمع من مجتمع مهزوم في التنمية إلى مجتمع اشتراكي إنما هو زعم باطل غير حقيق بحزب شيوعي. مثل هذه الأحزاب هي التي تستحثنا للبحث في التصنيفات الطبقية في البلدان المتخلفة والتي لم تعان ِمن فرز طبقي حاد.
لكن هل نخلص من كل هذا إلى أن العمل الشيوعي يفتقد كل شرعية في البلدان المتخلفة؟
للإجابة على هذا السؤال المفصلي يجب التعرف مسبقاً على طبيعة العمل الشيوعي. ينقسم العمل الشيوعي إلى قسمين متمايزين وهما، النشاط الثقافي النظري من جهة والنشاط العملي من جهة أخرى. يتمثل النشاط الثقافي النظري في نشر الوعي الماركسي والغوص عميقاً في التحليل الماركسي. فالمادية الديالكتيكية في الفلسفة الماركسية تبحث في القانون العام للحركة في الطبيعة وهو القانون الذي لا يخضع للزمان أو المكان. ولذلك تتوجب دراسته على الجميع في كل الأمكنة وكل الأزمنة. أما المادية التاريخية من الفلسفة الماركسية فإنها تشكل المنهج الذي لا يخطئ لقراءة التاريخ في مختلف مراحل تطور المجتمعات البشرية. أضف إلى هذا وذاك النقد الإقتصادي والتحليل الطبقي والسياسي اللذين أقاما علماً إقتصادياً وسياسياً لا يضاهيه أي علم آخر في الاقتصاد. واستناداً إلى مبدأ لينين القائل.. " لا سياسة بدون نظرية " فإن العمل الشيوعي المتمثل في نشر الوعي الماركسي يصبح الواجب الأول للشيوعيين أنّى كانوا إذ لا عمل شيوعي بدون نظرية شيوعية. أما العمل الشيوعي العملي مثل تنظيم الإضرابات وقيام المظاهرات أو القيام بانتفاضة أو ثورة فذلك يتطلب بداية وجود خريطة طريق لثورة اشتراكية عالمية شبيهة بثورة لينين على الأقل. وبغياب مثل هذه الخريطة عند الجميع حتى عند أكبر الأحزاب الشيوعية مثل الحزب الشيوعي الصيني فكل نشاط عملي إذّاك لا يعني أكثر من " عبث اليسار الطفولي " (Infantile Disorder) لا لزوم له بل إنه يتناقض تماماً مع العمل الشيوعي.

العمل الشيوعي كما نراه في المرحلة الراهنة يقرره عاملان فاصلان ورئيسيان..
1.الغياب التام لأي ثورة اشتراكية على مختلف الآفاق المحيطة بعد انهيار المشروع اللينيني.
2.الإنكماش الهائل لنمط الإنتاج الرأسمالي في العالم وما رافقه من إنكماش يوازيه في طبقة البروليتاريا.

هذان العاملان الكبيران واللذان لا يجوز تجاهلهما يحتمان عدم قيام أحزاب شيوعية في بلدان العالم الثالث بشكل خاص. فالحزب في علم السياسة هو الطليعة الطبقية، والحزب الشيوعي هو طليعة طبقة البروليتاريا تحديداً. لكن طبقة البروليتاريا غير موجودة أبداً في بلدان العالم الثالث بشكل خاص. بناء على هذه الحقيقة المؤلمة بالطبع والتي أفرزتها حقيقة انهيار المشروع اللينيني الأشد إيلاماً، يترتب على جميع الشيوعيين المخلصين لقضية الشيوعية، وهي قضية الإنسانية قبل وبعد أن تكون قضية البروليتاريا، أن يتجمعوا بمختلف أفهامهم للماركسية في اتحادات تعنى بنشر الوعي الماركسي والمشاركة مع الأحزاب الشيوعية في الدول الغربية في البحث والتفتيش عن خارطة محتملة للثورة الإشتراكية التي ستتحقق يوماً طال الزمان أم قصر. الأحزاب الشيوعية القائمة اليوم في مختلف البلدان العربية تعكس بصدق دورها التاريخي الذي لم يعد موجوداً والذي هي نفسها لا تصرح به ولذلك تقترض من البورجوازية الوضيعة شعاراتها وبذلك تبدو أحزاباً مهلهلة في طور الانهيار والتلاشي. كانت شرعيتها من شرعية المشروع اللينيني ولذلك عليها الغياب بغياب مشروع لينين في الثورة الاشتراكية العالمية. العمل الشيوعي الشرعي الوحيد اليوم أمام الشيوعيين هو توحدهم في اتحادات، وليس في أحزاب، تضمهم بمختلف أطيافهم المترتبة على أفهامهم المختلفة والمتباينة للنظرية الماركسية، اتحادات توظف كل قدراتها في نشر الوعي الماركسي استهلالاً للثورة الإشتراكية العالمية الموعودة.

www.geocities.com/fuadnimri01

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف