الأزهريون وخرافة الوحي الثاني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في بادرةٍ جديدةٍ قديمةٍ، فتواتيةٍ، أخرى، ربما لإثبات "قوتهم السماوية"، ومدى نفوذ حكم(لا بل ملك) مرجعتيهم "العامرة" منذ أكثر من ألف عام، وقدرتهم "الشبه إلهية"(المؤتمرة بأمر الله)، الخارقة على "تأديب وترهيب" كل خارجٍ على "السرب المؤمن"، خرج علينا الأزهريون في 23 من أغسطس/آب الجاري، بفتوى جديدة، كفّرت بها، على "الملأ المسلم"، القرآنيين/أهل القرآن، "الخارجين"، على السنة وأهلها من الفتوَجيين الماضويين.
بحسب تقريرٍ للشرق الأوسط اللندنية، أعده محمد خليل، من القاهرة، أن لجنة السنة بمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، قد كفّرت القرآنيين/منكري السنة، في فتواها قائلةً: أن "كل من ينكر السنة هو ليس بمسلم".
"في هذا السياق طرحت الشرق الأوسط على مائدة علماء الأزهر هذا التساؤل: هل في القرآن الكريم ما يدل على أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وحي من عند الله، وبالتالي تصير حجةً ملزمةً، في الأحكام مثل القرآن؟ وهل منكروا السنة أو القرآنيون كما يطلقون على أنفسهم مسلمون، أم إنهم مشكوك في إيمانهم، وهل ثمة مبررات لدعوتهم بالإعتماد على القرآن وإغفال السنة في حياة المسلمين؟!
في تعليقه، قال الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، أن الذين ينادون بالإعتماد على القرآن الكريم فقط وترك السنة النبوية جهلاء وكذابون ولا يفقهون من الدين شيئاً ولا يعرفون أركانه وثوابته. لأن السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، هي أيضاً من عند الله تعالى بمعناها، أما ألفاظها فبإلهام من الله عز وجل لنبيه وسلم، وأكد أنه لا يمكن إغفال السنة النبوية المطهرة مطلقاً، لأنها جاءت شارحةً ومبينةً لما تضمنه القرآن الكريم من أحكام."(الشرق الأوسط اللندنية:23.08.07)
الواضح من كلام رأس الأزهر، هو أنه يريد للسنة وما يدور في فلكها من "القال والقيل"، ك"كلام أرضي بشري"، أن يكون "قرآناً" رديفاً ل"قرآن الله".
بمعنى، أنه يريد لكلام النبي "البشري الناقص"(والبشر ناقصون بطبعهم)، "كلاما سماوياً"، ملازماً، ومكمّلاً، وربما "موازياً"، ل"كلام الله"، الذي من المفترض أن يكون، على المستوى الإيماني العبادوي، في أقله، "كلاماً كاملاً مكمّلاً".
وعليه، فهو "السني الثابت"، يكفّر "الأنتي ـ سنيين"، ويقذفهم ب"الجهالة و والكذب واللاعقل"، لأنهم يغفلون "السنة الثابتة"(الوحي الثاني)، التي هي، بحسب فتواه، "وحيٌ آخر" من عند الله، لرسوله العربي المصطفى.
لست هنا بصدد الدفاع لا عن القرآنيين ولا عن عكوسهم من الإنجيليين، أو التوراتيين، أو الزبوريين، أو الأفستيين، أو سواهم من الكتابيين أو اللاكتابيين.
في مظنتي، ليس مهماً، أن يكون المرء كتابياً أو لا كتابياً، بقدر ما يهم أن يكون المرء أهلاً للعقل، قبل النقل، وأهلاً للتفكير قبل التكفير، وأهلاً للسؤال "الممكن" قبل الجواب "المستحيل"، و أهلاً للشك "الإيجابي" قبل اليقين "السلبي".
المهم، هو أن يُدخِل المرء العقل إلى الكتاب، وهذا الأخير، تالياً، إلى الزمان، كلياً، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، لا أن يخرجه، وفقاً لهذه السنّة النبوية، أو الشبه نبوية، أو تلك اللانبوية، منه.
من هنا يمكن القول، أن مساحة أي كتاب، أرضياً كان أو سماوياً، تساوي مساحة العقل المشتغل فيه، به، وعليه.
الكتاب، إذن، على مستوى "الحيوان العاقل الناطق"، ليس مجرد "مفعولٍ لأجله"، أو مجرد "زينةٍ مقدسةٍ"، لتحيين "النصوص اللازمة والغير لازمة" في أوقات صلاته، أو "كلاماً خالقاً" مقفلاً أمام دخول "العقل المخلوق"، أو "كلاماً فوقاً" ليس على "العقل التحت"، إلا السجود إليه، والجهاد من أجل حدود "دولته المقدسة"، أو مجرد "نص محجٍ"، للحج إلى رحاب بركاته، والطواف بتخوم حرماته، وإنما الكتاب هو، على ما أذهب وأحسب، "فعلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ به" أيضاً.
الكتاب، هو، أن تسعى بالعقل، فيه، إلى الباقي مما لم يُكتب منه بعدُ.
الكتاب، هو أن تبحث به، عن الباقي مما لم يظهر من الله والإنسان والطبيعة بعد.
الكتاب، هو المرسِل والمرسال والمرسَل إليه؛ هو الكاتب، والمكتوب، والمكتوب إليه؛ هو ال"أنا" وال"هو" وما بينهما.
ففي الوقت الذي يسعى فيه البعض من أهل العقل، إلى "تحييد" كلام الله وتأريخه، وإدخاله إلى العقل، خالقاً ومخلوقاً، بإعتباره كلاماً وقع في زمانٍ ومكانٍ تاريخيين، ل"أسباب نزول" تاريخية معينة، نرى شيوخ الإفتاء من أهل الشطح والنقل، يسعون جاهدين، "مجاهدين"، لإخراج الدين/ كل الدين، رسالةً ورسولاً، من كل التاريخ وحدوثه البشري، وإطلاقه تالياً، في اللاتاريخ واللازمان واللامكان واللاإنسان أو ما فوق الإنسان.
إن فتوى الأزهر وشيوخه "الثابتيّين"، بتكفير كل من لا يرى في "السنّة الثابتة" "وحياً ثانياً" ومكمّلاً للوحي الأول(القرآن/كلام الله)، إنما هي محاولة سلفية تثبيطية أخرى، لتقزيم العقل لحساب النقل، والنيل من كتاب الحاضر والمستقبل لحساب كتاب الماضي، وإرهاب "أهل الكتاب الخلف"، ب"ثوابت الكتاب السلف".
دون الدخول في تفاصيل وأخبار وأحوال الوحي(أولاً وثانياً) ومعانيه، و"أسباب هبوطه"، فإن مجرد وضع "السنة الثابتة" وهي كما نعلم كلام بشري مخلوق(كلام على كلام)، ك"وحيٍّ ثانٍ" لا يتجزأ من كلام الله(القرآن)، ك"وحيٍّ أول"، إنما يعني "تأليه" النبي الإنسان(الناقص الباحث عن الكمال) و"تقديس" كلامه المخلوق، وسلوكياته وتصرفاته المخلوقة، وبالتالي، ترفيعه إلى مصافِ "الله الكامل".
إن "قرأنة"(من القرآن) كتاب الرسول، أو الكتاب المدوّن على لسان الرسول، وتنسيبه إلى السماء، بإعتباره "وحياً ثانياً"، على مستوى "المعنى الإلهي"، ومن ثم الإفتاء ب"فرضه"، دينياً، في كونه كلاماً "مشابهاً ومتمماً" لكلام الله، إنما هي محاولةٌ أخرى، ل"قتل" العقل في الدين، و"قتل" الدين في العقل.
والحال، ففي الوقت الذي يصر فيه الأزهريون وسواهم من "السنيين الثابتيّين" على أن "كتاب الله وكتاب الرسول واحد"، وأن "حكم الله وحكم الرسول واحد"، وأن "حرام أو حلال الله مثل حرام أو حلال الرسول، هما واحد"، مثلما تقول "سنتهم الثابتة"(ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلالٍ فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرامٍ فحرموه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله)، إذذاك، لنا نحن الناقصون، من العقل التحت إلى العقل التحت، أن نتساءل:
أين "سنة العقل" من هكذا تقديسٍ وتأليهٍ لكلامٍ بشريٍّ، أرضيٍّ، تاريخيٍّ، و ترقيته، تالياً، ب"فتوى أرضية"، إلى مصافِ كلام الله، "السماوي"، و"الفوق بشري"، و"الفوق أرضي"؟
أين هي حدود كلام الله "العالي"، إذن، من حدود كلام البشر "الخفيض"؟
ما المسافة، إذن، بين رسائل السماء "المنزّلة"، ورسائل البشر "المرفّعَة"؟
بماذا تختلف صفات الله "المتفوقة" ومزايا مكتوبه "السماوي"، عن صفات نبيه البشري ومزايا مكتوبه "الوضعي"؟
ما وجه الفرق، إذن، بين عقل السماء/ عقل الله "المتفوق"، "الكامل"، وعقل الأرض/ عقل البشر العادي، الناقص؟
المعروف في الرسالة المحمدية، أنها بدأت ب"إقرأ". وفي "إقرأ" هذه، على ما أحسب، كثير من "العقل"، الذي لا يمكن لأي كتابٍ أن يتأسس ويستمر ويستغرق إلا به وفيه.
"إقرأ"، أي "إقرأ الكتاب"، على مستوىً من المستويات، لعلها، تعني "إقرأ العقل في الكتاب"، و "إقرأ الكتاب بالعقل"، أو "عقّل الكتاب بالقراءة"، و "عقّل القراءة بالكتاب".
والعقل، كما قرّأنا الأولون من أهل العقل، أمثال ديكارت وغيره من سادة العقل، هو السؤال: أنا أسأل إذن أنا موجود.
أنا أشك في السماء، إذن السماء موجودة.
في "إقرأ" هذه، هناك الكثير من السؤال الذي فيه كبيرٌ كثيرٌ من العقل، في الآن ذاته، أكلته أجوبة وأحكام وفتاوى شيوخ "النصوص الثابتة" التي لم "تتحرك" منذ أكثر من أربعة عشر قرنٍ من الزمان الراكض المتحول، والذي "لا يستطيع المرء أن يستحم فيه، كما النهر في المثل الإغريقي، مرتين".
من هنا، شسعت المسافة بين الغرب السؤال والشرق الجواب.
من هنا، تحوّل الشرق الخلف والغرب الأمام، إلى عالمين(لا بل كوكبين) متباعدين، وجهتين مختلفتين، وأصبحا كخطين متوازيين، لن يلتقيا مهما امتدّا، إلا بإذن "فقهاء الظلام".
من هنا، غاب الشرق وحضر الغرب.
من هنا، سقط الشرق ونجح الغرب.