العثمانيون يغزون الحضارة من جديد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لقد نجح العثمانيون في غزوتهم الهمجية لِ الحضارة قبل قرون عديدة من الآن، و ذلك من خلال انتهاكهم و ممارستهم ل كلِّ المحرَّمات، و كلَّ الموبقات في اجتياحهم لِ بلدانٍ و مدنٍ و بيوتٍ و حرماتٍ آمنة، و نجحوا أيضا بِ مصادرة الأوطان التي غزوها، و مصادرة بيوت الناس و استباحة و هَتْكِ أعراضهم؛ إنهم العثمانيون. قبائل بدائية اجتاحت الجغرافية المرئية، فَتَكَت بِ الناس كما الذئاب و الضباع، و حَرَقَت الحياة كما النار المستعرة، إنهم ليسوا بِ مستعمرين، إنما هم غزاة و لصوص و قَتَلَة، لأن المستعمر، أو الاستعمار، أولاً هو دولة، و ثانيا هو نظام، فَ هذه الدولة تقوم بِ هجوم عسكري، أو بِ الأحرى، جيوش تلك الدولة تقوم بِ الهجوم و تحتل البلد الذي يتعرض لِ الهجوم، و هناك/ بالتأكيد/ أهداف لِ الاحتلال، أو الاستعمار، سياسية، اقتصادية، آيديولوجية، و ثقافية، و حين يعتقد المستعمِر بِ أنَّ أهدافه قد تحقَّقَت،أو أنَّ احتلاله يكلِّفه أثمانا أغلى من أهدافه، يقوم وقتذاك بِ إجلاء جيوشه من البلد المُسْتَعْمَر، فَ نابليون لم يرتكب جرائم إبادة الجنس بِ حَقِّ المصريين، و لم يهجِّرهم من ديارهم، و لم يقتل الأطفال و النساء و الشيوخ، و لم يسبِ الإناث لِ النكاح و الاستمتاع البهيمي، و لم يدمِّر أو يحرق المساجد، أو يحوِّلها إلى مراحيض و اصطبلات، و بعده أيضا، الاستعمار الفرنسي لم يصادر الجزائر، و لم يهجِّر الجزائريين من بيوتهم لِ يموتوا في الصحارى الجزائرية الواسعة و القاسية بِ الرغم من بقائهم، أو استعمارهم لِ الجزائر أكثر من مئة و عشرين عاما، و لم يلعب بِ التوازن الديموغرافي و لم يبنِ مستوطنات فرنسية، علما بِ أنه كان في مقدورهم فعْل ذلك، و لم يرغم الجزائريين على تغيير دينهم، و أذكر الوضع الاستعماري هنا أيضا ( في بلدي الحبيب سوريا)، فَ الاستعمار الفرنسي( بل الانتداب) لم يهجِّر و يقتل الشيوخ و النساء و الأطفال، و لم يصادر بيوت الناس، و لم يهتك أعراض الشعب السوري، إنَّما أنشأ برلمانا و مجلسا برلمانيا منتخبا بِ حرية تامة بعيدا عن تدخلات السلطات الوطنية و القوى المتنفذة، لِ أوَّل و آخر مرَّة في سوريا إلى يومنا هذا، إنني أقول، و بِ كلمة صادقة و واضحة و صريحة و جريئة، بِ أنَّ كلّ الذين استعمروا بلدانا لم يفعلوا بِ أهلها مثلما فعل الأتراك و الأكراد بِ أصحاب بلدانهم من الأرمن و السريان و اليونان و العرب، فَ هذه الشعوب تعرَّضت لِ مجازر بشعة على أيدي هؤلاء و أولئك البدائيين، و بِ المناسبة، إنهم لم يفعلوا ما هو مفاجئ لِ الشعوب المتمدِّنة و القيم الإنسانية لأنهم، و بكلِّ بساطة، شعوب لم تعرف القيم الإنسانية عِبْر تاريخها الشفاهي كله، شعوب لم تعرف الاستقرار المديني كي يعرفوا النظام و القانون، أي، يعترفوا بما لهم، و ما عليهم، فَ الحياة كلها مستباحة لديهم، لأنهم يعيشون حالة بدائية، بِ كلِّ ما تعني هذه الكلمة من معانٍ، إنهم يعيشونها اليوم أيضا، فَ الأرض التي يعيشون عليها و يستثمرونها، ليست أراضيهم، و البيوت و البساتين و الكروم و الحدائق و الجنائن و الآثار و المعابد التي تحوَّلت على أيديهم، و بكلِّ وقاحة، إلى أماكن أخرى، ليست لهم، إنَّما اغتصبوها وفقا لِ قوانينهم، قوانين الاستباحة و الغزو، إنهم ارتكبوا جرائم إبادة الجنس تحت سمع و بصر العالم أجمع، فّقد قتلوا غالبية الشعوب، أصحاب الأرض، أمَّا المتبقي منهم على قيد الحياة، فقد قتلوهم بِ تهجيرهم من ديارهم عبْر طرق الموت، و أيضا على أيدي هؤلاء القتَلَة البدائيين، إذْ أنهم كانوا على مواعيد لِ افتراس ضحاياهم و حتى النساء الكرديات كنَّ يشاركن في وليمة الذبح و قتل الأبرياء المنهكين المتعبين على طريق الموت البربري.
نعم. إنهم يعيشون الحالة البدائية الآن أيضا، لأنها، بكلِّ بساطة، ثقافتهم و أخلاقهم و تربيتهم و شريعتهم و ناموسهم، فَ من المستحيل أن يعترف التركي و الكردي بِ المجازر التي ارتكبوها ضد الإنسانية، بل بِ العكس تماما، فَ هم يدَّعون بِ أنَّ الأرمن قاموا بِ ارتكاب المجازر ضد الأتراك و الأكراد، و أنَّ ما حصل لِ الأرمن كان بِ سبَب خيانتهم لِ الدولة العثمانية، و إنهم كانوا يتعاملون مع الروس ضد العثمانيين في الحرب العالمية، و كأن العثمانيين كانوا في ديارهم و بلدهم و الأرمن كانوا لاجئين أو سائحين أو ضيوف لديهم، و راحوا يتآمرون على بلدهم و دولتهم و حكومتهم ( إنها مهزلة التاريخ فعلا)؟؟؟!!! إذا كانت الأمور تقاس هكذا في عرْف البدائيين، فَ لماذا صرخ الكردي و طالب بمحاكمة نظام صدام حسين بدعوى ارتكابهم مجازر ضد الأكراد في حلبجة، في الوقت الذي قدَّم النظام الصَدَّامي إدانات و وثائق و أدلَّة على تعامل الأكراد أو أحزاب كردية مع نظام الملالي في إيران ضد العراق في حربهم مع الدولة الفارسية في بداية الثمانينات من القرن المنصرم، و لماذا يتباهى الأكراد بِ تعاملهم العلني و الصريح مع دولة إسرائيل منذ أيام الملا مصطفى و إلى يومنا هذا، علما بِ أنَّ العرب و أمة الإسلام هم في حالة حرب إلغاء، حرب وجود لا حرب حدود مع إسرائيل، أو العدو الصهيوني، كما يحلو لِ الأمتين العربية و الإسلامية إطلاق هذه الصفة التحقيرية و التحريضية على دولة إسرائيل الجارة، هل تُعْطى مشروعية لِ الأمتين العربية و الإسلامية بِ إبادة الأكراد بِسبب تعاملهم مع العدوّ التاريخي و الأبدي لِ هاتين الأمتين؟؟
لماذا كان مطلوبا من نظام صَدَّام الاعتراف بِ مجزرة حلبجة، و محاكمة النظام على فعلته، و ليس مطلوبا من الأكراد و الأتراك الاعتراف بِ مجازرهم ضد الإنسانية التي ارتكبوها ضدَّ الأرمن و السريان؟!
ألا يعرف التركي و الكردي بِ أنَّ أجدادهم قد ارتكبوا أبشع جريمة تحت الشمس بِ حَقِّ الإنسانية؟
ألا يعرفون بِ أنَّ أجدادهم قد سلبوا بيوت و بساتين و نساء الناس، و أنهم هم و أولادهم و أحفادهم يعيشون في ديارنا السليبة، و أنَّ نسبة لا بأس بها منهم هم من أصول أرمنية و سريانية و يونانية خضعوا لِ الحركة العنصرية الكردية و التركية، و مارسوا عليهم تلك السياسة البغيضة ( سياسة التتريك و التكريد)، و التي لا زالت تُمارَس إلى يومنا هذا في تركيا و قبرص و ألمانية و شمال العراق و الجزيرة السورية، و يمكننا القول، في أيِّ مكان تواجدوا و تكاثروا، لأنهم يكتبون التاريخ على مقاسهم و يرسمون الحدود على أهوائهم،و يسوِّقون حدودهم و مشاريع تواريخهم لِ العالم معتمدين في كلَّ ذلك على حاجة القوى العظمى لِ أدوارهم المرحلية في تنفيذ سياسات تلك القوى من جهة، و من جهة أخرى، تقديم ذواتهم البدائية في ممارسة مبدأ الاستباحة المطلقة، لأنهم لن يخسروا شيئا، و من هذا المنطلق تراهم يسطون على آداب و فنون و ثقافات و تواريخ الآخرين، و حتى الأسماء راحوا يسرقونها من الشعوب الأخرى، لأن القاعدة الذهبية لديهم تقول: لو اقتنع عشرة أنفار بما ندَّعي فَ هو مكسب لنا، و لو لم يقتنع أحد بما ندَّعي فَ لم و لن نخسر شيئا، و على هذا الأساس نرى كيف أن الأتراك يتهافتون على أبواب أوروبا طالبين، لا بل يجاهدون لِ الدخول إلى حرمة أوروبا لاستباحتها تماما مع شريكهم الكردي، و في هذه المرة من الداخل، و هم يعرفون جيدا كيف ينخرون في جسد هذه أل أوروبا المغفَّلة، لأنهم أصحاب هذا الشغل، لا بل هم المعلمون الحاذقون في التخريب و التدمير و التفتيت، و من ثم الافتراس و الهضم، كما فعلوا في بلدان الأرمن و السريان و اليونان و العراق؛ إن النظام التركي يقدِّم نفسه اليوم لِ العالم كَ نظام علماني، و أكثر من ذلك فَ هم يعتبرون أنفسهم مدنيون و حضاريون، و أن نظامهم هو نظام العدالة و الحرية و المساواة، دون أن يرفَّ لهم جفن في مسألة ماضيهم و جريمة العصر التي ارتكبوها هم و شركاؤهم الأكراد ضدَّ الإنسانية، إنَّ من أبسط مظاهر المدنية و الحضارة هو النقاء الروحي، هو الاعتراف بِ أخطائه، بِ اللطخات السوداء التي تعلَّقت بِ نفسه و أفسدت روحه، كيف سَ أدخل دار أوبرا و أحذيتي ملطخة بِ دماء أبرياء قتلهم جَدِّي؟، كيف سَ أجلس إلى جانب صَبيَّة رقيقة ناعمة كَ الفراشة، و رائحة الدم المخثَّر تنبعث من أشداقي؟، كيف سَ أدخل في أسواقهم و تجاراتهم و كلُّ ما أملكه و أحمله هو من مسروقات جَدِّي، و كلُّ ما أراه و ألمسه أعتبره أموال و ممتلكات الأعداء و هي حلال وزلال لنا، و حتى فتياتهم و نسائهم هنَّ من حَقِّنا لِ النكاح و الاستمتاع؟؟ لا يمكن أن يأمن جانبهم إلاَّ إذا قاموا بِ غَسْلِ أرواحهم و تنظيف أنفسهم من اللطخات السوداء الدامغة في جبينهم، و أن يعترفوا أمام الملأ بِ جريمة إبادة الجنس التي مارسوها ضدَّ شعوب الإمبراطورية العثمانية من الأرمن و السريان و اليونان و العرب و البلغار، و أن يتصالحوا أولا مع أنفسهم، و تاليا مع أبناء و أحفاد ضحاياهم، و من ثم مع العالم المتحضِّر، وقتذاك فقط، و فقط وقتذاك، يمكن لِ البشرية أن تصدِّق بِ أنَّهم أصبحوا بشرا، و أنهم دخلوا في صفوف الناس الأسوياء، و أنهم ارتضوا المدنية نهجا و أسلوب حياة؛ و إلاَّ فَ حقيقتهم العثمانية تكون خلف القناع الذي يلبسونه لِ الانقضاض و غزو الحضارة من جديد.
Mvw55hl@gmail.com