النصيحة الأخيرة لحماس قبل أن لا ينفع الندم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يعلم الكثير من أبناء فلسطين عموما وخاصه أبناء حماس الذين تقاسمت معهم رغيف السجن وزفرات الألم في المعتقل الصهيوني ابان الانتفاضه الأولى أن حرصي عليهم هو جزء من قناعه عقائديه تشكلت لدى ولدى الكثير من أبناء الحركه الاسلاميه من الذين لم ينضووا تحت رايه الأخوان المسلمين وعلى رأسهم حركه حماس في فلسطين.. لذلك أسمح لنفس بأن أقدم النصيحه لاخواني في حماس وعلى الملأ حتى يقرأها ويسمع بها أكبر عدد منهم..
لم يسبق أن دخل الوضع الفلسطيني في مستوى خطير من الحده والتوتر وتفاقم الأزمات والصراعات والتجاذبات الداخليه بين أحزابه كما هو عليه الوضع اليوم في الضفه الغربيه وغزه وذلك في ظل استمرار حاله التمزق والقطيعه بين شطري ما تبقى من الوطن الفلسطيني حيث تسيطر حكومه حركه "حماس " على قطاع غزه مع بقاء الهيمنه لحكومه حركه فتح على مدن الضفه الغربيه..،
كلا الطرفان بات يتفنن في ابتداع شتى الوسائل والأساليب للتأثير على "أخيه اللدود " وتتبع عوراته وفضحها أمام وسائل الاعلام، ضاربا بعرض الحائط كل المحرمات والخطوط الحمراء الفلسطينيه التي ورثها أبناء فلسطين عن ثوراتهم الطويله وانتفاضاتهم المستمره في وجه قوى البغي الاحتلاليه الصهيونيه والتي أكسبتهم حب أبناء العروبه وعطف شعوب العالم.. والتي بتجاوزها.. أضحت الصوره الكفاحيه العامه للشعب الفلسطيني في عيون إخوانه العرب بل وشعوب العالم المتحضره والمستضعفه صوره مشوهه بل ومختله..، وأضحى النموذج الفلسطيني المقاوم والمظلوم مدعاه للحزن والأسى في عيون الأصدقاء وللسخريه والتهكم في عيون الأعداء والشامتين من بني جلدتنا الذين تواطأوا مع أعداء الأمه لحصار فلسطين وأبنائها المرابطين ولا زالوا ولزرع المزيد من بذور الفرقه والانقسام بين أبنائه..
بعد الصور (المهزوزه والمدهشه) التي طالعتنا بها وسائل الاعلام المرئيه حول تصدي تنفيذيه حماس لمناصري فتح المتظاهرين في شوارع غزه، يحق لاسرائيل اليوم أن تسجل انتصارا حقيقيا على الشعب الفلسطيني.. كما يحق اليوم لرئيس الوزراء الاسرائيلي "ايهود اولمرت"- الضعيف سياسيا والمترنح حزبيا- أن ينام ليله الطويل فوق أريكه بيته في القدس التي اغتصبها وهوّدها وأن يعيش أحلاما سعيده بعد أن حلم مره سلفه "اسحق رابين" بأن تغرق غزه في البحر فإذا بأبنائها المناضلين (الفضلاء) يغرقونها بمستنقعات صراعاتهم وتناحركم الداخلي الغير مسبوق..!؟
بالأمس وبعد أحداث صلاه الجمعه والاشتباكات التي حدثت في أماكن متفرقه من قطاع غزه (نجحت) حركه "فتح" في تسجيل نقطه لصالحها في مواجهه أختها حركه "حماس" وهي تسعى لاستنهاض نفسها بعد خسارتها لمقراتها الأمنيه في شهر يونيو الفائت واستطاعت أن تعيد لملمه عناصرها ومؤيديها لتثبت لأصدقائها وخصومها معا بأنها لا تزال تشكل رقما وطنيا كبيرا ومهما في الشارع الفلسطيني من الصعب تجاوزه بل و قبيل عدم الحكمه التقليل من تأثيراته المحليه والاقليمه..
لقد شاهدنا تخبطا في صفوف قوى الأمن الداخلي المسيطره على غزه وهي تتصدى للمتظاهرين..فالقرار الأمني كان أصلا مرتبكا وعاش حاله لحظيه غير مسبوقه من الضغط بين مطرقه عدم الرغبه في منع التجمعات البشريه المدنيه السلميه العامه وبين سندان الانجرار للتصدي للمتظاهرين وقمعهم أمام عشرات عدسات التلفزه العربيه والأجنبيه في محاوله لمنعهم من الانطلاق بمسيرات احتجاجيه عبرشوارع غزه وأزقتها المسكونه بالقهر وبالحصار الخانق، أعتقد أن المشهد برمته كان حزينا وكئيبا لأبناء حماس ومحبي الحركه الاسلاميه بشكل عام، لأنه أوحى للكثير من الفلسطينيين الطيبين بأنهم أمام صوره مأساويه جديده ولكن مقلوبه هذه المره..للاحتلال في ابشع صوره.. صوره هزليه جديد لروايه فلسطينيه قديمه عنوانها " الحاكم والجلاد ".. لذلك أقول مره أخرى أنه يحق لأولمرت المفضوح أن يضحك اليوم ويحق لقاده وعناصر ومحبي حماس أن يحزنوا..، أن يحزنوا كثيرا !
ليسأل كل قيادي وعنصر من ابناء "حماس" اليوم نفسه هذا السؤال : ماذا لو كان الامام الشهيد أحمد ياسين رضوان الله عليه لا زال حيا..هل يقبل بهذا الوضع الكارثي !؟..ومع كل الاجلال لرفاق دربه القاده الذين خلفوه في منصه القياده والذين لا أشك في اخلاصهم في السير على نهجه أشعر لأول مره ليس بالخوف على حركه حماس، بل بالخوف على مستقبل المشروع الاسلامي في المنطقه برمته..!، فحماس لمن أحبها ولمن كرهها هي جوهره الاخوان المسلمين وتجربتها في المقاومه هي من أنجح وأغني التجارب الحركيه الإخوانيه، وفشل تجربتها في غزه كفيل بأن يطيح بنجوميه الاخوان المسلمين نفسها وتصدرهم لقياده المشروع الاسلامي المعاصر الذي وضع لبناته الأولى الإمامين الراحلين حسن البنا وسيد قطب رحمهما الله..
لقد ارتكبت "حماس" خطأ استراتيجيا عندما قبلت بأن تحكم غزه من داخل "المردوان" وهناك أكثر من مائتي ألف مواطن فلسطيني اعتقلوا في سجون الاحتلال الاسرائيلي في معتقل النقب الصحراوي منذ الانتفاضه الأولى يعرفون معني وحقيقه وأبعاد كلمه "مردوان "
لقد تأسس كيان غزه الذاتي بعد توقيع اتفاق اوسلو المأساوي ليؤدى مهام وظيفيه للسيد الاسرائيلي تخفف عن كاهل الاحتلال أعباء احتلاله لغزه كي يستمر الاحتلال..لا ليمارس هذا الكيان دور السيد بنفسه، ولقد أريد لغزه أن تظل تأكل وتشرب وتستضيىء من خلال الاحتلال وليس غيره وهذا ما أكدته بنود أوسلو واتفاقيه باريس الاقتصاديه، وبما أن حماس وجدت كرافعه استنهاضيه من روافع المقاومه لهذا الاحتلال، فكيف يمكن لها أن تزاوج بين مشروع المقاومه للاحتلال وبين مشروع إداره تخفيف أعباء الاحتلال عن من تقاومه..!؟
فبعيد الانتخابات التي فازت حماس فيها بأغلبيه مطلقه في مجلسها التشريعي لو بقيت داخل المجلس واستنكفت عن تشكيل الحكومه (التنفيذيه) لبنود أوسلو لسجلت نقطتين لصالحها في آن واحد الأولى :التأكيد لجماهيرها وللفلسطينيين عموما على عدم حرصها على الوصول الى السلطه ومغانمها وثانيا أن تشكل كتله ممانعه حقيقيه في وجه أي استنزاف جديد للثوابت الفلسطينيه التي شكلت اجماعا وطنيا لكافه أطر وفصائل وشرائح الشعب الفلسطيني على مدار سني الصراع منذ العام 1936وحتى اليوم.
لقد أخطأت حماس خطأ استراتجيا ثانيا عندما قبلت أن تبدع جهازا أمنيا خاصا بها (القوه التنفيذيه) يلعب نفس لعبه الأجهزه الأمنيه التي أوجدنها أصلا اتفاقيه أوسلو فإذا بها تغرق في مستنقع التصدي (للأعراس المتمرده ) ولآلاف الشبان الحيارى في شوارع "غيتو" غزه بغض النظر عن الأهداف والدوافع التي خرجوا من أجلها..
لقد أثبتت كل الوقائع التاريخيه في غزه ومنذ وقوعها في قبضه الاحتلال الاسرائيلي في العام 67 أنه من السهل جدا إخراج المئات بل الآلاف من الشبان في الشوارع..فهذه حاله طبيعيه وانعكاس موضوعي لفعل الاحتلال الحصاري اللانساني.. فلماذا تصر القوه التنفيذيه-بممارسات بعض عناصرها الغير منضبطه- على دفع هؤلاء الناس للخروج والتظاهرفي الشوارع ليوجهوا بهذا الخروج طعنه نجلاء الى خاصره الأمن والأمان النسبي الذي تمتع به الناس و أرسته حماس بعد سيطرتها على الأجهزه الأمنيه في غزه ؟!، ودع عنك الدوافع التي يقدمها بعض قيادات حماس الى وسائل الاعلام ليبرروا من خلالها حاله الهيجان التي رأيناها في وجوه المتظاهرين من أنصار ومؤيدي حركه فتح في غزه يوم الجمعه الفائت.
.سأقول كلمه لا أندم عليها أبدا..ويعلم أبناء حماس القسام أني لا أكن لهم ولقياداتهم وعناصرهم إلاّ كل الحب والعرفان والتقدير : إن الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق المرعب غير المسبوق هو إلقاء غزه مره أخرى في وجه محتليها وأعوانهم وأدواتهم..والرجوع الى خنادق المقاومه التي غادرها فعلا بعض أبناء حماس فيما بقي آخرين منهم مرابطين على بوابات الجرح والأمل هم واخوانهم ورفاق دربهم في سرايا القدس وألويه الناصر صلاح الدين..
فليعلن قاده حماس على الملأ استعدادهم غير المشروط لتسليم كافه المقرات للأجهزه التي مارست التنسيق الأمني المكشوف والعلني مع الجلاد ولتعلن كذلك تاريخا محددا لسحب قوتها التنفيذيه من داخل هذه المقرات وعودتها للانضمام الى كتائب القسام ولتتفضل بعدها قوات سلطه أوسلو في رام الله بالقدوم لاعاده السيطره على هذه المواقع..
حتى يصبح اللعب من جديد.. على المكشوف.. ويقتنع ( أهل رام الله ) أن الاحتلال لن يعطيهم في (أبهج) أيامهم اليوم أكثر مما أعطى غزه في أجمل أيامها تفاوضا مع الرئيس الراحل عرفات..هذا إن استمر اصرار الرئيس عباس ومن حوله من الطاقم القديم الجديد على دفن كل محاوله لاحياء الحوار بين فتح وحماس انتظارا لطحين قادم في مؤتمر الخريف قد يقتنع بعدها إنه لم يكن سوى ففاعات هواء..!
لن تُحل مشكله هذا الكيان المصطنع في غزه والضفه وأراضي ال48 كذلك حلا جذريا الا بقلب الطاوله رأسا على عقب مره أخرى على جميع أطراف اللعبه ، تمهيدا لوضع أساس متين لصيغه جديده يمكن أن تشكل أفقا حقيقيا لحل يقترب شيئا ما من عداله أبى صهيون إلا أن يمزقها تحت أنيابه..وأبى النظام الدولى الجديد وعلى رأسه أمريكا الا أن يطمس معالمها في عجز عربي ودولي غيرمسبوق.
* كاتب اسلامي مستقل