هل المثلية الجنسية عيب وعار؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
المثلية الجنسية تعني ميلاً فطرياً لذات الجنس البشري كأن يميل الذكر للذكر وتسمى اللواطة أو الـ، Homosexuality، وميل الأنثى للأنثى للإنثى وتسمى السحاقية Lesbianism. وقد أدركت كثير من الدول استحالة معالجة هذه الظاهرة بالطرق الإقصائية والتجريمية التقليدية، فحللت، وأباحت في دساتيرها الزواج المثلي وصار يعقد علناً في المحكمة ويحضره "لفيف" من الأصدقاء والصديقات والمعجبين والمعجبات. ورغم الحساسية المطلقة لهذه الموضوعات، وخشية الكثيرين من الكتابة عنها لاعتبارات شتى تتعلق بالخوف من ردود الأفعال المتباينة، فإن النخب الليبرالية المنفتحة على كافة الثقافات والتيارات الفكرية والسلوكية والمتفهمة للكثير من القضايا والتابوهات التي ضرب حولها طوق من التعتيم والحصار والتحذيرات، مطلوب اليوم منها، أن تضع على طاولة الفحص والتمحيص أكثر المواضيع حساسية، ومن باب موضوعي، وإنساني لا يستثني في طرقه أي من المحرمات التاريخية التي دأبت مجتمعاتنا على النوم عليها باعتبارها غير موجودة وتجرح الكبرياء والذوق العام، ونحن كخير أمة مصانون ومعصومون ولا يأتينا الباطل أبداً، ولكنها استفاقت لاحقاً على كوارث اجتماعية إنسانية بالجملة. كلنا يدرك النظرة التقليدية من الدعارة، والزنا، وطريقة التعامل مع هذا الموضوع الخطير بسبب الخوف من ردات الفعل العنيفة لطبقة الكهنوت الديني التي تحاول إظهار مجتمعاتنا بلون وردي ومثالي تنتفي فيه كل الظواهر السلبية لأنها تنسف سبب وجودهم وخطابهم، ولكن الواقع يقول أن هناك عوالم سفلية كاملة في مجتمعاتنا تنتعش تحت هذا السطح الوردي والخطاب الرسمي وتحولت أكثر المجتمعات انغلاقاً وتزمتاً وتحجراً إلى مواخير تحت الأرض تمارس فيه كل أنواع الانحرافات والموبقات والسفالات والرذالات، ومنها المثلية والشذوذ الديني والمخدرات وغيرها من الأشياء.
وحين كنت أعمل في التدريس في أحد محميات النفط الأمريكية العربية كانت إحدى المهام الموكلة لبعض المدرسين هي الإشراف على الطلاب في الفسحة وكان يتمت إرسال بعض المدرسين "للمناوبة" على أبوب التواليتات، أعزكم جميعاً العزيز الرحمن، والسر الكبير لذلك هو لكي لا "ينط" الأولاد بعضهم على بعض في تلك البقاع التي تتبع منهجاً دينياً متحفظاً صارماً وتتمظهر بواجهة أخلاقية متشددة للإيحاء بأنها تسير على الفضيلة وشرع الله، ولكن ذلك لم يمنع أن "ينط " الأولاد على بعضهم، متجاهلين كل تلك الإجراءات المتشددة التي كانت السلطات الرسمية والدينية تتبعها للمحافظة على نمط عام من الفضيلة الكاذبة المنتهكة سراً على كافة المستويات. كما كنا نسمع عن "بلاوي" زرقاءأخرى تحصل، أيضاً، في مدارس البنات، ولاسيما بعد انتشار فيديو الهاتف الجوال، ويا رب تعافينا، وتعافيكم، بكل الأحوال.
ومهما يكمن من أمر هذا الموضوع الشائك الحساس، الذي لا زال في طور التعتيم والمسكوت عنه في كثير من المجتمعات التي لا تزال في حالة صراع حادة مع العولمة والانفتاح وقيم العصر التي تتمثل بالشفافية والانفتاح، فإن مجتمعاتنا، وبسبب من ضاغط تراثي رهيب، ووازع ديني أشد ضراوة، ما زالت تنظر إليه بمزيج من الدونية والتكفير والاحتقار، وربما الجلد والقتل وإنهاء الحياة، كما يجري في العديد من الدول حين يرجم حتى الموت، ليس المثليون وحسب، بل الزناة الطبيعيون أي الرجل والمرأة وخارج نطاق مؤسسة الزواج، وهذا موضوع آخر وشائك سنأتي على معالجته لاحقاً. ومع التفهم الكامل لهذا الموروث الديني، وتفاعلاته الاجتماعية التي لا يمكن تجاوزها البتة بسهولة، إلا أنه يجب، وبنفس الوقت، النظر إلى الموضوع بعلمية بعيدة عن التشنج والنظرة التقليدية المتشددة، ليس تعميماً وتشريعاً للشذوذ و"الفاحشة"، ولا سمح الله، كما قد يفسر ويشاع، ولكن، ولربما كان بعض هؤلاء المثليين، وفي أحايين كثيرة، ضحايا، أكثر من النظرة الخاطئة أليهم باعتبارهم مجرمين ومنحرفين وخارجين عن القانون. طبعاً ولا شك إن الإساءة المتعمدة للحس والقانون والأخلاق
العامة أمر مرفوض تماماً، وإن التربية السليمة القائمة على العفة، والبعيدة عن الابتذال والانحلال الخلقي أمر مطلوب، وأن الأصل في الأشياء هو الشيء والحالة الطبيعية ولكن كما هناك خوارق وشذوذ في الطبيعة والحياة وعلى صعد مختلفة، هناك أيضاً خوارق وشذوذ على الصعيد الإنساني والجنسي العام ولا يدخل في باب لا الدفاع عنه ولا إدانته ولكن من كون أنه أمر واقع. وهذا وكما قلنا لا يمنع من النظر للموضوع من وجهة نظر بحثية وعلمية بحتة، ليس بغرض معالجتها واجتثاثها من الواقع لأن هذا أمر مستحيل، بل لتكييفها مع الواقع والتخفيف من "أضرارها" إن وجدت، والتعامل معها من منظور أنها موجودة قدم التاريخ وقد أتى ذكرها في الكتب السماوية كظاهرة استفحلت ذات يوم لأنها وجدت ولسبب ما، وبقيت دون علاج وسببت في تقويض الكثير من المجتمعات حسب الأسطورة الدينية المتداولة- قوم لوط كما يخبرنا عنهم القرآن-، ( ولوطاً إذ قال لقومه إنكم تأتون الفاحشة ما سبقكم اليها أحد من العالمين ) العنكبوت.
لقد دهشت ذات مرة، واعتراني الذهول وأنا أقف على أحد مواقف الباصات الفخمة في العاصمة البريطانية لندن،، وفي أكسفورد ستريت في قلب لندن، حين تناهى إلى نظري منظر شابين في الثلاثينات من العمر وهم في وضع حميمي ساخن جداً، بينما كان المارة يأتون ويذهبون دون أن يلفت انتباههما هذا المنظر، أو لأنه من المألوف بحيث أصبح لا يثير أحداً، أو اعترى البعض قرفاً ما ومضى في سبيله دون أن يكلف نفسه عناء النظر إليه. ما يهم في القضية ملها، وفي المثال عموماً، أن ما يمارس سراً هناك، وبفعل الثقافة والقيم الموجودة هناك، يمارس علنا، وهذه ثقافة وسلوك بحد ذاته، وبغض النظر عن أخلاقيته أم لا فهذا موضوع آخر، ولكن هذا ربما ما عكس تلك اللامبالاة حيال الأمر، على عكس ما نتابني من ذهول ودهشة. وهذا بالطبع هو عكس الثقافة السائدة في "أرض النعامات"، حيث تمارس الموبقات كلها، ويظهر الجميع في النهاية وفي رابعة النهار، كملائكة، وقديسين طهراء، وأولياء صالحين من أولياء الله، وهذا ينسحب ليس على الجنس والشذوذ بل على شتى مناحي الحياة العامة. ولمناقشة الشذوذ أولاً لا بد من السؤال التالي لماذا هناك أناس أصحاء، وغير مثليين؟
ولماذا خلقت الطبيعة فلاناً مثلياً وخلقت الآخر غير مثلي، إن كان في ذلك عدالة سماوية على الإطلاق، هذا إذا اعتبرنا المثلية جريمة أصلاً يحاسب عليها؟ وثانياً لا يستطيع أحد في هذا العالم أن ينفي وجود الشذوذ والمثلية، ولأسباب عدة منها العضوية والجينية والولادية الفطرية، ومنها النفسية والبيئية والتربوية السلوكية التي تلازم وتنشأ مع الإنسان لأسباب خاصة تعلق جلها بالطفولة كما يخبرنا أكثر من عالم نفس وعلى رأسهم اليهودي النمساوي سيغموند فرويد. وفي المحصلة وبغض النظر عن كل ما يقال عن هذه الظاهرة، ومن وجهة نظر قيمية ومعيارية، ومهما تعددت الآراء ووجهات النظر المعروفة سلفاً، بين المتزمتة والرافضة، والمتفهمة، والمؤيدة فقالظاهرة موجودة في كل المجتمعات ولا يستثني منها أرقى الطبقات والعائلات والسلالات ولا داعي هنا للتطرق وذكر أسماء هنا وهناك لأن هذا ليس موضوعنا.
ويبيقى السؤال الأهم هل المثلية الجنسية عيب وجريمة وعار؟ وبالطبع هناك آلاف الأجوبة وردود الأفعال السلبية والإيجابية والتي تصب في بوتقة إغناء الموضوع، وترتبط، حتماً، بثقافة المرء وكيفية تعاطيه مع شتى الموضوعات وسنبقي الجواب معلقاً لتباين الآراء وهذا أمر طبيعي ومتوقع لنطرح سؤالاً آخر هو: هل آن الأوان لطرق جميع المحرمات، وفتح جميع الملفات، وكشف كل المخبوءات والمستورات، ومن باب بحثي وعلمي واستقصائي موضوعي، وللخروج بتصور عام، بعيداً عن المعيارية والقيمية، ليدرس لنا الظواهر ويحللها ويتابعها، بعد قرون من التعتيم والمواربة والمداراة التي لم تفلح في تجنيب هذه المجتمعات الكثير من الأمراض التي نعاني تداعياتها القاتلة وتظهرنا على هذا الحال من الضعف والهوان والهزال والانحلال بسبب من اتباع سياسة "النعامات" والمعالجة العوراء السائدة في مجتمعات الدجل والرياء؟
sami3x2000@yahoo.com