أصداء

النزاهة العراقية والمعالجة الكردستانية الخجولة للفساد

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لا ينكر ان هيئة النزاهة العراقية لها دور كبير، تكليفا وتوظيفا، في كشف حالات وأوضاع الفساد المستشري على النطاق العام في القطاع الحكومي في بغداد، وما قامت بها هذه المؤسسة الدستورية في كشف حقائق الفساد عن الوزراء والمسؤولين الحكوميين السابقين والحاليين في الوزارات والمؤسسات العراقية دليل على جدية ومصداقية هذه الهيئة المستقلة المشكلة دستوريا لمراقبة صرفيات المال العام في العراق على مستوى جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية الداخلة في تركيبة نظام السلطة العراقية، وكان آخر نشاط لها هو إحالة ثلاثة وزراء سابقين الى المحكمة بسبب الفساد، لكن ما يؤسف له أن هذه المؤسسة لا حضور في إقليم كردستان، وقد اقترح أكثر من مرة بفتح مكتب لهيئة النزاهة بكوادر كردستانية ولكن لم تحصل موافقة سلطات الإقليم عليه، فبقيت مسألة مراقبة صرفيات المال العام في كردستان دون مراقبة دستورية من قبل هيئة مستقلة كردستانية ولا من قبل هيئة النزاهة العراقية، لهذا يتعرض المال العام الى نهب على الدوام في وضح النهار على نطاق كبير بالأخص من قبل المسؤولين الحكوميين والحزبيين في إدارة حكومة دولة الإقليم.


ولمواجهة الفساد في إقليم كردستان كإجراء لذر الرماد في العيون، افتتحت دورة عن الشفافية في كردستان، وقد أكد فيها نيجيرفان البارزاني رئيس حكومة الإقليم في مراسيم افتتاح الدورة "على ضرورة إعادة الثقة الى المواطنين تجاه الأداء الحكومي من خلال العمل بشفافية وتحسين الخدمات العامة" جاء ذلك خلال افتتاحه دورة حول (الشفافية والأداء النوعي) التي نظمتها حكومة الإقليم بالتعاون مع المدرسة القومية في بريطانيا بمشاركة مدراء عامين في وزارات حكومة الإقليم، و أكد أيضا " يجب ان نعلم شعبنا على الثقة بالمسؤولين من خلال إيجاد الشفافية والفعالية في الأداء الحكومي ووضع الخطط والتنسيق بين جميع الوزارات"، ومقرا في عين الوقت أنه "في العديد من المرات ينظر المواطنون الى الحكومة والمسؤولين على أنهم كسالى وفاسدون".


ما يهمنا في هذا الكلام هو ما يعترف به هذا المسؤول الكوردستاني البارز بخصوص أعمال وأنشطة حكومته، وهو أن المواطن في الإقليم ينظر الى الحكومة والمسؤولين على أنهم فاسدون، وهو بهذا يرمي الواقع الكوردستاني بسهم حقيقة ساطعة في ظل وضع يائس لأغلبية ساحقة من شعب الإقليم تعاني من ويلات فساد أهل الحزبين الحاكمين وأهل السلطة الحاكمة.


وضمن هذا الإطار أشار نيجيرفان بارزاني الى أن حكومته "بحاجة ضرورية الى تحسين أداء العمل والخدمات" ولكنه لم يشير الى إجراءات وخطوات عملية لمحاربة الفساد المستشري في الحزبين الحاكمين وفي أوساط حكومته وجهازها الإداري، وكأن الحاجة فقط ضرورية لبرامج تحسين الأداء لكوادر فاسدة في حكومته لتقديم خدمات وأعمال جيدة للمواطنين، وكأن المشكلة تنحصر فقط في مجال تحسين أداء الجهاز الإداري.


طبقا لهذا واستنادا الى الرؤية المستخلصة عن فساد أهل الحكم في الإقليم، وانشغالهم بالمنافع الشخصية والحزبية على حساب الشعب، بالرغم من الإحساس المباشر والمبكر بالمضاعفات السلبية والمشاكل الكبيرة للفساد في مرحلة مبكرة، فإن القيادة الكردية لم تلجأ الى وضع برنامج مرحلي لمجابهة الفساد المالي والإداري المتفشي أولا في الحزبين الحاكمين وثانيا في الأجهزة الحكومية منذ بداية تشكيل البرلمان، ونتيجة لذلك تحول الفساد المستشري في مراحل متلاحقة من حالة بحجم بضعة تلال صغيرة الى حالة عملاقة بحجم الجبال العالية التي تشق أرض كوردستان شمالا وشرقا وغربا، حالة من الفساد الرهيب تأن منها شعب الإقليم بألم شديد في الواقع الراهن.


لهذا نجد ان واقع الحال المزري للأغلبية الساحقة من الكردستانيين، يلزم الرئيسين طالباني وبارزاني ورئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني، وما يتبع من قيادات متدرجة على مستوى رئاسة وحكومة وبرلمان الإقليم وعلى مستوى المكتبين السياسيين للحزبين، أن يقروا وأن يعترفوا بأن الإجحاف والظلم الذي لحق بالأغلبية الكبيرة من المظلومين والمستضعفين من شعب الإقليم جور عظيم لحق بهم من قبل أرباب السلطة الفاسدة طيلة عقد من السنيين، خاصة السنوات الأخيرة منه، والاستدلال بما تحقق في الإقليم على مستوى العمران و البناء المادي ما هو الا زعم باطل لان هذا العمران الحاصل يعود لأقلية جشعة طاغية جائرة تتحكم بمقدرات الإقليم، وضعت يدها على كل موارد الشعب من ميزانيات فيدرالية وإيرادات محلية ومنح ومساعدات مالية دولية، لا تعرف عنها أي شيء، أموال تابعة لبيت المال العام تذهب الى الخزائن المرصودة في بنوك خارجية في وضح النهار كأننا نعيش في وسط غابة لا يحكمها غير شرع الغاب ومافيا النهب والسطو والجشع السلطوي، عمران لم يبنى لإحداث تغيير في حياة الكردي الفقير ولم يبنى على أسس حيوية ومعنوية واعتبارية لبناء الإنسان الكوردي روحيا ومعنويا، عمران خال من الأسس السليمة للبناء الصحيح، كيان شيد للإقليم دون أعمدة ودون فلسفة ودون برنامج ودون خطة عمل عامة ودون استراتيجية منظورة للمستقبل، كيان لم تضع السلطة الكوردستانية فيه أسسا لقيم العمل، ولم تضع فيه أسبابا لتنمية الفرد والمجتمع، ولم تضع فيه أسسا لتوفير المقومات الصحيحة لتدعيم العائلة، ولم تصنع فيه أبوابا ومداخلا لإتباع منهج علمي وتجريبي ومهني وتخصصي في مجالات العمل العام والخاص، كيان لم تضع السلطة فيه أركانا لإرساء المهنية والجدية والإخلاص والمسؤولية والإحساس بالانتماء والولاء الصادق لأي مواطن على مستوى الدولة والحكومة والمجتمع، كيان ركب ليبنى على فساد لا غير.


لهذا تحول الوضع الراهن للمجتمع الى حال خال من كل المقومات الأولية للبناء المستقيم والتنمية السليمة التي أشرنا إليها، وبات هذا الكيان الفيدرالي يعاني من مظاهر غريبة ومريضة ومشاكل مستعصية وأزمات حقيقية لا قدرة للسلطة على حلها ولا على إزالتها، كل ذلك بسبب ابتعاد السلطة عن الشعب، وعدم وضع قواعد أساسية لحكم شرعي يتسم بالمنهجية والوظيفية والمهنية والشفافية والأداء المستند الى الحرص والشعور بالمسؤولية العالية تجاه الشعب والبلد.


من منطلق هذه الرؤية، فان الخطوة التي لجأت إليها حكومة نيجيرفان بارزاني، الملفتة للغرابة، من خلال فتح دورة للشفافية والأداء النوعي لمجموعة من الكوادر المتقدمة للحكومة في الإقليم، ما هي إلا ذر في الرماد، وما هي إلا عمل يقصد به التغاضي عن حقيقة التماس المباشر مع مطلب مجابهة الفساد المتعفن الكامن في عقول أهل الحكم والسلطة، والأسلوب الملتجأ اليه لاختيار كوادر حكومية من نفس طينة أهل الفساد المترسب فيهم وفي أجساد أغلب رجالاتها، يشكل إهانة للمقصد الوطني للشعب ودولة الإقليم والمجتمع لمحاربة الفساد، ويشكل تراجعا عن أي وعد صادر من قبل القيادات الكوردستانية لمكافحة هذه الآفة المهلكة المنخرة لمقومات البنيان الأساسي للمجتمع ولدولة الإقليم، وأقل ما يمكن أن توصف به هذه الدورة أنها معالجة خجولة جدا لا يمكن القياس بها والاستناد إليها في معالجة واقع الفساد المتفشي في كوردستان.


لذا فان المطلوب من السيد نيجيرفان بارزاني رئيس وزراء حكومة الإقليم وهو في نهاية الربع الأخير لحكمه في رئاسة الحكومة الموحدة المشكلة حسب اتفاق حزبي البارزاني و الطالباني، أن يقدم بجرأة على خطوات جوهرية وعملية للبدء ببرنامج وطني شامل على صعيد الحكومة لمحاربة ومكافحة الفساد، وفق آليات مدروسة ومحسوسة تساعد على رفع الغبن الواقع على الشعب من قبل أرباب السلطة الفاسدين، وبالأخص الغبن الواقع على الأغلبية الفقيرة المستعضفة التي تعاني من ويلات الحياة ومن أزماتها المعيشية والاقتصادية والاجتماعية الحادة المتسمة بالقساوة والضراوة، وأولى الخطوات الجريئة التي يمكن ان يسجل فيها نيجيرفان بارزاني سبقا وطنيا شخصيا تاريخيا هي الإعلان عن ممتلكاته وثروته وأمواله وحساباته في الداخل والخارج، لنفسه ولأقربائه لحد الدرجة الثالثة من القرابة، ليسجل بذلك بادرة وطنية وقدوة أخلاقية أمام القيادات والمسؤولين الكرد في الإقليم للإقتداء به للبدء بأولى الخطوات العملية لمجابهة الفساد والحرب عليه في كوردستان، ولا شك ان الإعلان عن مثل هذه الخطوة السباقة بالتزامن مع خطوات عملية أخرى في مجال مكافحة الفساد ستكون لها آثار ايجابية كبيرة على مجمل العملية السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية في الإقليم، وقد يكون هذا ليس بغريب عن نيجيرفان بارزاني إذا علمنا انه قد سجل سبقا رياديا حكيما عندما تصدى بجرأة وشجاعة على الصعيدين الشخصي والحكومي لظاهرة القتل المتعمد للنساء بحجة الحفاظ على الشرف التي تفشت بمستويات كبيرة في السنوات الأخيرة في أغلب أرجاء الإقليم.


لهذا فان خطوة الإعلان عن الثروة والممتلكات الشخصية من قبل رئيس الحكومة الموحدة، ستكون لها مردودات ميدانية مباشرة فعالة على الصعيدين الشعبي والحكومي، حيث يمكن من خلالها إحساس المواطن بأنه قد حان الوقت لتكون حياته وشعبه وبلده في أيدي قيادات أمينة، لتأمين حياة حرة كريمة لكل فرد في هذا الإقليم الناهض لضمان حاضر ومستقبل مشرق لأبناء شعب هذا البلد الأمين الذي أرسى بنيانه وكيانه بفضل التضحيات الكبيرة للكردستانيين لإرساء ورسوخ كيان هذا الإقليم العزيز على قلوب الكردستانيين والعراقيين.

د.جرجيس كوليزادة
Gulizada_maktab@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف