أصداء

السجن العربي الموحّد

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

في "لبنان" فتح الإسلام وحزب الله وحركات تتنازع على السلطة وزعامات سياسية تتنابز وبرغم أن عدد اللبنانيين الذين لازالوا في لبنان لا يتجاوز الـ4 مليون مواطن فإن عدد النواب والوزراء السابقين لا يحصى وينشط التعنتر الفكري والسياسي بشكل غير مسبوق، وفي فلسطين حركة حماس وحركة فتح نزاع أهوج على سلطة مريضة وعلى حكومة لا قرار لها لا تمارس سوى التصريحات واستقبال التبرعات وصرفها، وفي العراق "مستودع الجماعات المسلحة" من كافة الأطياف، أصبح بؤرة لتجارة السلاح والمخدرات وبيع الجثث وتفخيخ السيارات وتدمير المساجد والمباني وتدمير الحسينيات والكنائس. هذا في الدول المتوترة.


أما في الدول المتمردة بشكل أهوج والتترسة بشعاراتها وأفكارها الوهمية مثل سوريا فهي تعيش عزلة صارخة، وهي في حالة حيص بيص، وهي في وضع يرثى له من سوء معيشة المواطنين وتكدس العاطلين عن العمل وضياع أحلام أكثر من نصف الشعب تحت طائلة الشعارات ويافطة الاستبداد والعنف، وتعيش حالة حرب غير معلنة مع لبنان مع دولة عربية أخرى لأنها تريد أن تستقل عن سلطة "البعث" وأن تبدأ مرحلة سياسية جديدة. وأن تخرج من حالة النظام الطائفي البائس وأن تعيد الاعتبار لسلطة اللبناني على لبنانه، بدل الاحتلال الطويل الذي مورس من قبل السوريين على لبنان، وسوريا تصر عبر شراء السياسيين على إبقاء نفوذها وهيمنتها بكل جبروت وطيش.


أما في الدول العربية الأخرى، ففي مصر بطالة حارقة، وجوع لا نظير له، وشح في المياه والمساكن بشكل يثير الذعر والرعب، أما الأخطاء والتلاعبات الاقتصادية والصحية فحدث ولا حرج، وفي المغرب تحاول الحكومة رسم مسار جديد ينتصر على الإمكانيات البسيطة إلا أن هذا المشروع لا زال في بدايته، وفي تونس صمت مطبق، وكأن تونس أصبحت "صالة امتحان" حيث الهدوء والحياء الإعلامي الذي يطبع تونس الخضراء، وفي الجزائر البلد الذي أكل طعنة الحشاشين المتطرفين حالات دامية جداً اقتصادياً واجتماعياً. هذا فضلاً عن أفريقيا عامة وما فيها من قحط وضحالة إنتاج وتكدس بشري خطير.
أما في الخليج، فتنشط جماعات الإسلام السياسي منذ عقود في تكوين قاعدة شعبية واقتصادية لها لتتمكن من السيطرة على عقول الشعوب، ووجدت حركة الإخوان بنموذجها في التحالف مع بعض أنصارها في الخليج النموذج الإخواني "السروري" الهجّين الذي بات المتحدث الذي يملأ الإعلام ويضخ مطوياته ورؤاه السياسية وطموحاته في الوصول إلى مناطق الحكم والنفوذ، وتطلق الأحزاب أنصارها في البرلمانات من أجل تقييد كل مستقبل ينتظره المواطن البسيط في الخليج، كما تنتشر بشكل مرعب أيضاً البطالة وعدم الاتساق بين "التعليم" و "سوق العمل" وأصبحت مشاريع القضاء على البطالة مشاريع مشلولة غير سوية لأنها تقدم "توطين الوظائف" على "تأهيل المواطن" فكأنها تريد أن تفرغ المحلات وتوظف المواطن برأسه وفكره المقلوب.


كل تلك الصورة السوداء القاتمة للحالة العربية تعيدنا إلى أسئلة تقليدية مزمنة ومفجعة ومحبطة ومثيرة للاشمئزاز مثل: (اين الخلل) (لماذا نحن بهذا الشكل)؟ هل الصورة التي نعرفها عن أنفسنا صحيحة؟ تنشط في الإعلام الآن سياسة خطيرة وهي سياسة تحويل المنابر الإعلامية إلى "منابر زعامات" لا منابر شعوب، وهو تصرف سيء، خاصة إذا علمنا أن "قضايا الشعوب" أصبحت تستخدم الآن من قبل منابر الإعلام المتطرف المنتشرة في العالم العربي. يغيب المواطن العادي بينما يحضر الوزير السابق والنائب السابق والمحلل السياسي الفاشل وتحضر بيانات زعماء التطرف والإرهاب في كل القنوات ومناطق التصريح.


إن تلك الحالة البائسة عربياً لم تتسبب بها الدول المعادية وحدها، بل شاركت المجتمعات والسياسات والثقافات بتنمية هذا الاستبداد وإبطاء رسم ملامح الخروج من ذلك النفق البائس، وما لم نخفض أنوفنا المرتفعة انتشاءً وغروراً وننظر إلى أنفسنا بوضوح سنظل نطبل لأدواتنا الفكرية وأمراضنا الذاتية باسم "التمسك بالهوية" بينما تقع ثلاثة ارباع الشعوب العربية تحت خط الفقر ويسيطر الربع الأخير على الثروات وعلى الحياة كلها، هل يمكن أن يكون وضع دول بمثل هذا السوء ولا تزال المجتمعات تثق بكل شيء. تثق بكل تعاليمها وأمراضها، تثق بكل جراثيمها الفكرية وتقاليدها البالية، هل يمكن أن نستكثر على شعوب تتمسك بأدوائها الفكرية- التي تبرر القمع والانقماع- الاستبداد الذي يقع عليها، الحكومات أذكى من الشعوب لأن الحكومات تعرف كيف يفكر الشعب، أما الشعب فلا يعرف كيف تفكر الحكومات. يقتصر دور الشعوب على الشجب السطحي والشتم ورصد حالات الفساد. بينما الجذر أعمق، النبع الذي يغذي الاستبداد أعمق بكثير من تصور الشعوب. امنحوا عيونكم حرية الرؤية لتتمكنوا من رصد السواد. }

فهد الشقيران
كاتب سعودي
shoqiran@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف